التطبيع والفدرالية.. أولوية السوري هي ضمان عدم احتكاره

التطبيع والفدرالية.. أولوية السوري هي ضمان عدم احتكاره

رفعت حاجي

عندما نشرت وسائل إعلام عبرية، أنّ سوريا وإسرائيل ستوقعان اتفاقية سلام قبل نهاية عام 2025، بدا أنه ليس ثمّة أي عقبات أمام رئيس السلطة الانتقالية في دمشق للتطبيع مع إسرائيل، بالاستناد إلى تصريحاته عندما أدلى بأن "المفاوضات مع إسرائيل بلغت مرحلة متقدمة"، مردفاً بالقول: "إذا كان السلام يخدم سوريا والإقليم فلن أتردد في توقيعه".
أما بالنسبة لانضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، فذلك يُعد إشارة إلى أن العلاقات السورية الأمريكية بدأت فصلاً جديداً قد يُغير مشهداً متقلباً لطالما سيطر على سِمة العلاقة بين دمشق وواشنطن، ظناً منه أن مجرد حدوث اللقاء في البيت الأبيض يمكّنه الحصول على دعم سياسي، وفي سحب المظلة الأمريكية عن (قسد)، متناسياً أن إدخال سلطة دمشق في التحالف الدولي لمحاربة داعش سيتطلب تفكيك الفصائل الموسومة بالإرهاب من قبل التحالف وليست من ساندتها.
فشعبياً لا يزال هناك رفض للتطبيع، كمسألة سابقة لأوانها وهناك أولويات أخرى أكثر إلحاحاً لدى الحكومة السورية الجديدة، وأن الأولوية حالياً هي لتركيز كل الجهود من أجل تحسين ظروف الحياة للشعب السوري وتعزيز السلم الأهلي.
بينما اكتفت السلطات (المؤقتة) في لملمة القضية وتقمصها ضمن قضية (المكونات والمجتمعات الأصلية) بالسعي إلى نسج علاقات مع مثقفين وفنانين من الشعب السوري (بأطيافة الممزوجة) لكسب العلاقات مع من سيكونون "رسل" التطبيع، ويشاركون بوعي أو بغير وعي في مشاريع وخطط تزييف الحقائق التاريخية، والادعاء بأن حق المواطنة تشمل الجميع، بناءً على قناعات مذهبية ودينية، وخلق بيئة نفسية تتقبل فكرة طمس كل ما يمت بالصلة لحقوق شعب يعيش على أرضه التاريخية. في امتعاض شديد بفكرة إقامة نظام فيدرالي وتطمح بدلاً من ذلك إلى إنشاء نظام سياسي مركزي يستمد قوته من الدعم الشعبي المزعوم.
حيث بدأت باحتضان أشخاص أبدوا موالاتهم للأقوى في كل الأزمنة على القنوات الإعلامية، في ظل التحديات الداخلية المُعقدة والشائكة، ووجود فصائل مسلحة خارج السلطة على الأراضي السورية، وتيارات أخرى نالت الويلات على أيدي ألويتها وترفض مبدأ السلام مع قاتليه.
كما أطلق الشرع عملية حوار وطني وحيد الاتجاه، إلا أن المحادثات الافتتاحية أثارت تساؤلات حول شرعيتها بسبب تنظيمها المتسرع واختتامها على عجل، مما أجهضت كل الجهود في وضع وتنفيذ استراتيجيات وطنية.
يذكر أن الولايات المتحدة أطلقت في عام 2020 عملية تهدف إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية، ونتج عن ذلك توقيع مجموعة من الوثائق عُرفت باسم "اتفاقيات إبراهيم للسلام"، بينما أعرب ممثلو البيت الأبيض عن أملهم في أن تطبع المزيد من الدول العربية خلال الفترة الرئاسية الثانية لدونالد ترامب.
عندما أعلن المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، أن دولة جديدة ستنضم إلى اتفاقيات تطبيع العلاقات مع إسرائيل عبر الانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام"، لم يتوانَ الشرع عن الاستجابة، في إيحاء خجول بالقول إنه "لا يثق بإسرائيل لكن لا مفر من اتفاق قريب معها".

إن تدخُّل ترامب في أمن إسرائيل، ولا سيما الخطة التي قدمها لإنهاء الحرب في غزة، ثم استقباله للشرع وقوله: رفعنا العقوبات عن سوريا بناء على طلب تركيا وإسرائيل، يُعدّان مؤشرين على علاقة قوية وعميقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، لدرجة أن إسرائيل أضحت محمية. فالكل يعلم بأن ما يهم أمريكا ولاغتنام الفرصة الفريدة التي يوفرها رئيس استثنائي في البيت الأبيض، تُسارِع إسرائيل للاستفادة من الفترة الحالية لرسم الملامح السياسية لدولة إسرائيل، في هذا الحين بدأت إسرائيل للتحضير لـ"ما بعد ترامب"، فقد أكد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في ورقة له أن على إسرائيل الاستعداد منذ الآن لمرحلة ما بعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعلن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل في ولايته الأولى، وأشارت الورقة إلى كل من سوريا وغزة وإيران ولبنان، فهي تتبع استراتيجية ذات مستويين تجاه إيران (ضغط اقتصادي قد يزعزع استقرار النظام، لكن هدفه الحقيقي هو دفع إيران لتوافق على صفقة نووية أفضل من سابقتها، يضمن ألا تمتلك إيران سلاحاً نوويا أبدا).
ومن ثم توجيه سوريا نحو نظام معتدل، لا تسمح بتطور أي تهديد تجاه إسرائيل، وتحافظ على علاقات دبلوماسية مع إسرائيل تصل إلى حد التطبيع. تتبعها التطبيع مع لبنان ونزع سلاح "حزب الله.
إن هذه الأوضاع المحلية والإقليمية المتباينة، بمراهنة كل طرف على تغييرات محتملة في المشهد السياسي، وخاصة أنه ليس ثمة أي إشارة لنية واشنطن في سحب وجودها العسكري من شرق الفرات ومنطقة التنف، تلقي بظلال من الشك على قدرة الشرع على إدماج جميع الفصائل والمجموعات العرقية بسلاسة في سوريا الجديدة، فبالرغم من وجود جماعات يجدون أنفسهم ميالين إلى التقارب مع دمشق، إلا أن الكورد حريصون على التمسك بالاعتراف الدستوري بحقوقهم القومية في سوريا تعددية لامركزية، في حين محافظة السويداء يمنعون قوات "هيئة تحرير الشام" من دخولها.
باختصار.. يتعارض مشروع الشرع السياسي القائم على مركزية السلطة مع الواقع الحالي، فهو يرى الفيدرالية انشطاراً لما حصل عليه، وانحصر هدفه الأساسي في توحيد مختلف الجماعات العربية السنية، ضمن جيش وطني جديد حديث العهد، إلا أنه لم يحظَ سوى بدعم ائتلافه الأصلي، محاكيًا النهج المركزي الصارم الذي اعتمده سابقًا في إدلب.
فمن المؤكد أن النهج الحالي، القائم على المركزية والمحسوبية، لن يكون فعالًا على المستوى الوطني، حيث أسس السكان المحليون كيانًا تضامنيًا (قائم على التعصب)، مكّنهم من تولي مقاليد السلطة بل يساهم هذا الخلل في تسريع انزلاق البلاد إلى الحرب الأهلية.
ولتفادي المواجهة الدموية، يتعين على الشرع جمع شمل سوريا عبر تطبيق اللامركزية في السلطة السياسية وإنشاء نظام فيدرالي حقيقي، رغم التحديات الجوهرية والمصالح المتضاربة، حيث تساعده في معالجة الانقسام الطائفي في سوريا وتوزيع عادل للسلطة، لكي يستعيد البلد عافيته بعد حرب أهلية مدمرة استمرت أربعة عشر عاماً.
كما ينبغي على السوري دراسة أفضل السبل لضمان عدم احتكار دمشق له، ولضمان انتعاش سوريا السريع واستقرارها على المدى الطويل، وإلا، فقد تجد البلاد نفسها عالقة في دوامة لا تنتهي من الصراع.