المجلس الوطني، وبلورة سياسات عقلانية طويلة الأمد لضمان حضور الكرد كشريك أساسي في مستقبل سوريا
عزالدين ملا
احتفل المجلس الوطني الكردي هذا العام بذكرى تأسيسه في مرحلة حساسة تمرّ بها المنطقة، وسط تطوُّرات سياسيةٍ متسارعة على الساحة السورية.
ويأتي هذا الاحتفال ليؤكد على استمرار المجلس في نهجه الوطني والقومي، وبما ينسجم مع تطلعات الشعب الكردي في سوريا. وقد تميّزت هذه المناسبة بعقد كونفرانس وحدة الصف الكردي في 26 نيسان، الذي أفضى إلى رؤية كردية مشتركة ومخرجات عملية، من بينها تشكيل وفد كردي موحّد يمثل الموقف القومي والسياسي بشكل جماعي.
منذ تأسيسه، حمل المجلس الوطني الكردي هدف إسقاط النظام الاستبدادي وتحقيق انتقال سياسي ديمقراطي، ولا يزال يعمل لتحقيق بقية أهدافه، المتمثلة في بناء دولة اتحادية تعدُّدية لامركزية، تضمن الاعتراف بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في الدستور السوري القادم.
ويُعدّ هذا المسار جزءاً من نضال أوسع يسعى إلى ترسيخ قيم الحرية والعدالة والمساواة بين مكوّنات الشعب السوري كافة.
المحاور التي تريد «كوردستان» مناقشتها مع السادة المحترمين:
١-ما العوامل التي ساعدت المجلس الوطني الكردي على الاستمرار في نضاله السياسي رغم الظروف الصعبة في سوريا؟
٢-كيف يمكن للمجلس أن يوازن بين خصوصيته القومية ودوره ضمن الإطار الوطني السوري العام؟
٣-كيف أثرت التطورات الإقليمية والدولية على مواقف المجلس الوطني الكردي واستراتيجياته؟
٤ـ المجلس متهم حتى من قبل أنصاره بقلة الديناميكية، والضعف، برأيك لماذا؟
٥-ما الدروس التي يمكن استخلاصها من تجربة المجلس الوطني الكردي منذ تأسيسه حتى اليوم؟
٦-ما الخطوات العملية التي يمكن أن يتخذها المجلس لتثبيت الحقوق الكردية في الدستور السوري القادم؟
المجلس اداة نضالية مناسبة للمرحلة وتجلياتها وتطوراتها الآنية والمستقبلية
تحدث عضو المكتب السياسي ومسؤول الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، بشار أمين لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «معلوم أن ميلاد المجلس الوطني الكردي في سوريا جاء لدواعي وأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، حيث بدأ الحراك الجماهيري السوري في اواسط آذار 2011 وبرزت الحاجة للتفاعل مع هذا الحراك السوري الواسع، من درعا الى ديريك مرورا بالمدن والبلدات السورية الأخرى، وساهم الشعب الكردي من خلال شبابه وحركته السياسية، وكان ينبغي ان تكون المشاركة الكردية في ذاك الحراك منتظمة وهادفة، فكانت المبادرة والدعوة الى وحدة الصف الكردي ووحدة الموقف مما يجري، وما ينبغي له من ضوابط تنظيمية وسياسية وحتى في الخطاب والتفاعل مع المكونات السورية المشاركة، وكانت الدعوة لمؤتمر تأسيسي في 26 /10 / 2011 شامل لعموم القوى والأحزاب الكردية وعموم الفعاليات المتواجدة على الساحة من شبابية ونسائية والأوساط الثقافية والاجتماعية وشخصيات وطنية ذات دور ونشاط جماهيري.
يتابع أمين: «أخذ المجلس في نشاطه أبعاده على أكثر من صعيد، حيث شدد علاقته منذ البداية مع الحليف الاستراتيجي "الحزب الديمقراطي الكوردستاني الشقيق" وقيادته وبالأخص جناب الرئيس المناضل مسعود البارزاني حيث حصلت برعايته الكريمة اتفاقات هامة مع حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) "هولير1، هولير2، دهوك" وصولا الى كونفرانس قامشلي في 26 نيسان 2025 وتحقيق مخرجاته الهامة، الوثيقة السياسية ذات الشقين الوطني السوري والقومي الكردي وتشكيل وفد رفيع المستوى بالتوافق بين الجانبين.
ولا يخفى على أحد ما قام به المجلس منذ بداية الأحداث في سوريا، والدور الذي اداه بالتوفيق الدقيق بين نشاطاته الميدانية من مظاهرات واعتصامات كجزء أساسي من الثورة السورية السلمية وانخراطه في صفوق المعارضة الوطنية السورية منذ البداية الى تواجده في الداخل السوري ومساعيه في صياغة خصوصيته القومية سواء من خلال المعارضة او عبر الحوار والنقاش من أجل تحقيق التوافق القومي الكردي الشامل، هذا فضلا عن تفاعله مع النشاطات العامة والمفاوضات والمحافل والمؤتمرات الدولية بشأن الأزمة السورية، ولا ازعم هنا نفي اخطاء المجلس او تقاعسه أحيانا بسبب صعوبة الوصول الى مبتغاه او ضيق المجال امامه، ولا ابرر هنا للمجلس وانما لابد من الاشارة الى آلية عمله المثقلة بالآراء والنقاشات المتشعبة بسبب المشاركة الواسعة في الرأي والموقف سواء من القوى والأحزاب السياسية او من المكونات الأخرى المذكورة اعلاه».
يضيف أمين: «اليوم وبعد مرور اربعة عشر عاما على انطلاقته فهو مازال على العهد مع الوطن السوري بكل مكوناته القومية والدينية والسياسية ومع قضيته القومية، فهو لازال ينشد العمل التشاركي قوميا ووطنيا، يعمل من أجل سوريا ديمقراطية اتحادية لكل السوريين، ومن أجل ان يتمتع الجميع بحقوقه كافة، وعلى ان يشد الكل ازر بعضه البعض في بناء سوريا الجديدة على قاعدة الوحدة ارضا وشعبا، والوثيقة السياسية المصادقة من كونفرانس 26 نيسان 2025 تؤكد صحة ما نذهب اليه، وما الوفد الكردي المشترك الذي تشكل كأحد أهم مخرجات ذاك الكونفرانس الا للتفاوض من أجل تحقيق مضامين تلك الوثيقة بشقيها الوطني السوري والقومي الكردي».
يعتقد أمين: «ان اهم العوامل والاسباب التي ساعدت المجلس الكردي على الدوام والاستمرار رغم الظروف والمراحل الصعبة من تحديات واجهته، هي إرادة تلك القوى المتوافقة ومن ضيق الخيارات امامه او ان الخيار الوحيد امامه هو العمل على ثنائية النشاط "الوطني والقومي" لأن في ذلك يكمن جوهر العمل السياسي الكردي.
يشير أمين: «ان التطورات الدولية والإقليمية بشأن الوضع السوري والمواقف الايجابية لتلك الدول من القضية الكردية في عموم اجزاء كردستان قد أثرت ايجابا على المجلس الوطني الكردي سواء في الجانب العملي والتفاعل مع تلك القوى الصديقة او في تعزيز ثقة المجلس بنشاطه وعمله، ليغدو متفائلا بتحقيق تطلعاته القومية عبر الحالة الوطنية العامة في سوريا، كما لا يخفى على أحد العامل الأكثر تأثيرا هو نهج الكوردايتي نهج البارزاني الخالد، وبالتالي كونه جزء من المشروع القومي الكردستاني الذي يقوده الرئيس المناضل مسعود بارزاني الأمر الذي يعزز دور المجلس وتقدمه».
اما عن اتهام المجلس بالضعف وقلة الديناميكية، يقول أمين: «الواقع ان المجلس ليس ضعيفا قطعا، بل هو قوي بنهجه وبجماهيره وحلفائه ومن ثم بصدق تعامله مع الجهات والأوساط السياسية وخصوصا مع الدول والقوى الصديقة الفاعلة، ويسعى دوما لتعزيز الثقة معها، اما جانب الديناميكية فهو موضع الملاحظة بسبب سعة الأوساط المشاركة فيه، والتعاطي الديمقراطي بين مكوناته على اوسع نطاق ما يؤثر على ديناميكية عمل المجلس.
ويردف أمين: «ان المجلس الوطني الكردي يمتاز بكونه تجربة سياسية هامة في حياة الحركة السياسية الكردية، يمكن استخلاص الدروس والعبر منها ان المجلس كان ردا على واقع الانقسام الكردي، واطارا تفاعليا يمكن للأحزاب المتقاربة سياسيا وفكريا ان تلتقي على المشتركات فيما بينها ما يؤدي الى الوحدات الاندماجية كما حصل لحزبنا الذي تشكل من مجموعة احزاب عام 2014 ، كما كان المجلس مثابة اطار جامع للحركة الكردية والمكونات الكردية الفاعلة على الساحة السياسية، وبالتالي شكل المجلس اداة نضالية مناسبة للمرحلة وتجلياتها وتطوراتها الآنية والمستقبلية».
يختم أمين: «المجلس سيستمر في نضاله وجنبا الى جنب بقية الأخوة نحو ضمان الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي في سوريا وتثبيت حقوقه القومية وفق العهود والمواثيق الدولية وذلك بالاعتماد على تطوير التفاهم وتعزيز الثقة بين المجلس الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي والأحزاب الأخرى في فلكه، وحماية مخرجات كونفرانس نيسان 2025، والبدء من الآن بالحوارات اللازمة لتحقيق الشراكة المنشودة بشكل عملي.
المجلس الوطني يمتلك جذوراً نضالية عميقة
تحدث رئيس الهيئة التنفيذية لتيار مستقبل كردستان سوريا، أكرم حسين لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «يسعدني أن اجيب على هذه الاسئلة الهامة في مرحلة دقيقة وحساسة من تاريخ شعبنا الكردي في سوريا، وهي مرحلة تتسم بتعقيدات جيوسياسية غير مسبوقة، وبمخاضٍ وطني وإقليمي عميق يعيد رسم ملامح المنطقة ومستقبلها، وفي خضم هذه الظروف الصعبة، يبرز المجلس الوطني الكردي في سوريا بوصفه احد أهم التجارب السياسية الكردية في العصر الحديث، التي استطاعت أن تحافظ على حضورها وفاعليتها النسبية، رغم العواصف التي هزّت الساحة السورية، ورغم حالة الجمود والتصحر السياسي التي خيّمت على البلاد منذ سنوات طويلة. لقد شكّل المجلس الوطني الكردي منذ تأسيسه إطاراً جامعاً للقوى السياسية والاجتماعية والمدنية الكردية الساعية إلى تمثيل الشعب الكردي والدفاع عن حقوقه القومية ضمن رؤية وطنية سورية شاملة».
يتابع حسين: «من أبرز العوامل التي ساعدت المجلس الوطني الكردي على الاستمرار في نضاله السياسي وتمسّكه بخطه الوطني، هو امتلاكه لجذور نضالية عميقة استمد منها شرعيته، إذ يُعدّ امتداداً طبيعياً للحركة التحررية الكردية في سوريا، تلك التي تجذّرت في عمق المجتمع الكردي عبر عقود من الكفاح والدفاع عن الحقوق القومية المشروعة. فقد استطاع المجلس أن يجمع بين التمسك بالمبادئ الأساسية والقدرة على التكيّف والمرونة السياسية.
لقد حافظ المجلس الوطني الكردي على إنتاج خطاب سياسي واقعي، وازن بين الثوابت القومية الكردية ومتطلبات العمل الوطني السوري العام. حيث شكّل خطابه جسر تواصل بين الكرد وبقية المكونات السورية، إذ لم ينغلق المجلس على ذاته، بل انفتح على القوى الوطنية السورية الأخرى، ووضع نصب عينيه هدفاً استراتيجياً تمثّل في بناء سوريا ديمقراطية لامركزية تعددية قائمة على مبدأ المواطنة المتساوية، بعيداً عن كل أشكال الهيمنة والإقصاء والتهميش».
وفي إطار الموازنة بين الخصوصية القومية الكردية والدور الوطني السوري، يردف حسين: «المجلس الوطني الكردي تبنّى رؤية سياسية واضحة المعالم قائمة على مبدأ “الوحدة في إطار التنوع”. فهو من جهة يؤكد على الهوية القومية الكردية وحقوق الشعب الكردي المشروعة، ومن جهة أخرى يشدّد على انتمائه الوطني السوري وعدم تبنيه لأية مشاريع انفصالية. إذ يرى المجلس أن القضية الكردية في سوريا ليست قضية فئوية أو خارجية، بل قضية وطنية بامتياز، تمس جوهر بناء الدولة السورية الجديدة التي يجب أن تقوم على العدالة والمواطنة والمساواة بين جميع أبنائها.
وتتجلى هذه الرؤية في الدعوة المستمرة التي يطلقها المجلس إلى إقامة نظام لامركزي في سوريا المستقبل، بحيث يضمن توزيعاً عادلاً للسلطة والثروة، ويحافظ على حقوق جميع المكونات القومية والدينية، بما فيها المكون الكردي.
يضيف حسين: «أن مسار المجلس الوطني الكردي لم يكن سهلاً، فقد واجه تحدّيات جسيمة نجمت عن التطورات الإقليمية والدولية المتشابكة. فتركيا، على سبيل المثال، مثّلت أحد أبرز التحديات أمام أي وجود كردي سياسي أو إداري فاعل على الحدود السورية – التركية، نظراً للحساسية التي تبديها أنقرة تجاه أي تجربة كردية جديدة في جوارها. كما أن التنافس الدولي والإقليمي بين القوى الكبرى في الساحة السورية، وعلى رأسها موسكو وواشنطن، بالإضافة إلى التدخلات التركية والإيرانية، وضع المجلس أمام خيارات صعبة بين المبادئ والمصالح الواقعية.
ومع ذلك، استطاع المجلس عبر نهجه الواقعي من بناء علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف الفاعلة في الملف السوري، والمحافظة على موقعه السياسي، والاستمرار في أداء دوره التمثيلي لقضية الشعب الكردي ضمن الأطر الوطنية والدولية. فالمجلس لم يتعامل مع الأحداث بردود فعل آنية، بل سعى إلى بلورة سياسات عقلانية طويلة الأمد تضمن حضور الكرد كشريك أساسي في مستقبل سوريا».
وفيما يتعلق بالانتقادات التي توجه إلى المجلس الوطني الكردي بخصوص ضعف الديناميكية أو البطء في الأداء السياسي، يعتقد حسين: «انه يجب الإقرار بأن جزءاً من هذه الإشكاليات يعود إلى البيئة الصعبة التي يعمل فيها المجلس، حيث تسود عقلية السلاح ومنطق القوة بدلاً من الحوار والسياسة. كما أن الاستقطاب الحاد داخل الساحة الكردية السورية، إلى جانب التدخلات الإقليمية والدولية، أسهما في تقليص هامش الحركة أمام المجلس. ورغم ذلك، فإن هذه التحديات لم تُلغِ حقيقة أن المجلس تمكّن من الحفاظ على الوحدة الوطنية الكردية إلى حدٍّ كبير، ومن تمثيل القضية الكردية في المحافل الدولية.
ومن أهم الدروس المستفادة من تجربة المجلس الوطني الكردي، هي أن الوحدة ضرورة وشرط النجاح لأية تجربة سياسية كردية مقبلة. فالتشرذم والانقسام داخل الصف الكردي يُضعفان الموقف التفاوضي للكرد على الساحة الوطنية والدولية. كما أثبتت التجربة أن التحالفات الوطنية الواسعة تمثّل درعاً واقياً يحمي القضية الكردية من محاولات التهميش والعزل.
على الصعيد العملي، يشير حسين: «ان المجلس الوطني الكردي اتّخذ جملة من الخطوات المهمة لتثبيت الحقوق الكردية في الدستور السوري القادم، من بينها اعداد وثيقة كردية موحدة تعبّر عن الموقف المشترك للقوى الكردية، وتشكيل فريق تفاوضي لتمثيل القضية الكردية في المحافل الرسمية، إلى جانب السعي لتوسيع قاعدة التحالفات الداخلية وبناء شراكات سياسية ودبلوماسية مع القوى الوطنية والدولية الداعمة لحل سياسي عادل في سوريا».
يعتقد حسين أيضا: «انه لا يمكن الحديث عن تجربة المجلس الوطني الكردي دون الإشارة إلى الدور التاريخي الذي اضطلعت به قيادة إقليم كوردستان، وعلى رأسها الرئيس مسعود بارزاني، الذي قدّم دعماً سياسياً ومعنوياً ولوجستياً مستمراً للمجلس منذ تأسيسه. فقد أدرك الرئيس بارزاني، بصفته زعيماً قومياً، أن قضية كرد سوريا هي جزء لا يتجزأ من القضية الكردية العامة، وأن دعمها وتعزيز وحدتها يمثّل واجباً قومياً. هذا الدعم لم يكن وليد اللحظة، بل هو امتداد لنهج نضالي طويل يجسّد رؤية البارزاني في ضرورة توحيد الصف الكردي والدفاع عن الحقوق القومية المشروعة عبر الوسائل السياسية السلمية.
لقد شكّلت رعاية الرئيس بارزاني للاتفاقات الكردية – الكردية، وسعيه الدائم لتقريب وجهات النظر بين القوى الكردية السورية، نقطة تحول هامة في مسار القضية الكردية في سوريا. فالرؤية التي يتبناها تقوم على أن قضية الشعب الكردي في سوريا هي حلقة أساسية في المشروع القومي الكردي العام، وأن نجاحها يعتمد على وحدة الموقف الكردي السوري وتكاتفه».
يختم حسين: «إن ما ينشده المجلس الوطني الكردي في سوريا هو مستقبلٌ تُوثَّق فيه الحقوق الكردية في دستورٍ سوري جديد، يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية، ويضمن لكل مكونات الشعب السوري العيش بحرية وكرامة ضمن دولة ديمقراطية لامركزية عادلة ، ولن يتحقق هذا الهدف إلا عبر المزيد من الوحدة الداخلية، والعمل الدؤوب، والاستفادة من الدعم القومي الذي يقدمه إقليم كردستان بقيادة الرئيس البارزاني، مع التمسك بالخيار الوطني السوري الجامع الذي يحفظ حقوق الجميع ويؤسس لسوريا المستقبل، دولةً يتساوى فيها جميع أبنائها دون تمييز أو إقصاء».
المجلس منذ تأسيسه، تعامل بمنهجية وموضوعية في كافة الجوانب السياسية والإدارية
تحدث عضو ممثلية اقليم كوردستان للمجلس الوطني الكردي في سوريا، رامان محمود ملا لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «ظل المجلس ثابتا على أهدافه الجوهرية، التي تتمثل في الإطاحة بالنظام الاستبدادي، وتحقيق تحول سياسي ديمقراطي، وتأسيس دولة اتحادية تعددية لا مركزية، وضمان الاعتراف بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي ضمن الدستور السوري المستقبلي. إن هذا الوضوح في الرؤية الوطنية والقومية يشكل حافزًا قويًا للاستمرارية، كما يحظى المجلس بتأييد قاعدة جماهيرية واسعة من الشعب الكردي في سوريا، الذي يتطلع إلى نيل حقوقه القومية والسياسية. يمثل هذا الدعم سندًا وشرعية للمجلس في مواجهة التحديات.
لقد كان المجلس في بداية الثورة جزءًا أساسيًا من قوى المعارضة السورية حتى إسقاط النظام السابق، مما يمنحه شرعية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية للمشاركة في العملية السياسية والمفاوضات المتعلقة بالحل في سوريا الجديدة.
لقد أظهر المجلس كفاءة عالية في توحيد الجهود الكردية، ويتجلى ذلك في تنظيم "مؤتمر وحدة الصف الكردي" وتشكيل وفد كردي موحد يجسد موقفًا سياسيًا وقوميًا جماعيًا، مما يعزز من مكانته التفاوضية والسياسية. كما نجح المجلس في بناء وصيانة علاقات متينة مع الأطراف الكردستانية، لا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني-العراق برئاسة فخامة الرئيس مسعود بارزاني، بالإضافة إلى علاقاته الإيجابية مع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة.
يعتمد المجلس على هيكلية تنظيمية شاملة تضم أحزابًا سياسية، وشخصيات وطنية بارزة، وممثلين عن الشباب والمرأة، بالإضافة إلى نخبة من الكتاب والمستقلين، مما يمنحه مرونة استراتيجية وقدرة فائقة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وهذا التكوين المتنوع يضمن استمرارية وفعالية العمل السياسي، حتى في ظل الظروف الأمنية والسياسية المعقدة».
يضيف ملا: «ان هذه الاستراتيجية تقوم على محاور أساسية: تعزيز الحوار والتعاون البناء، نلتزم بتطوير وتوسيع الحوار والشراكات مع كافة المكونات والقوى السياسية السورية، يهدف هذا التعاون إلى تحقيق أهداف وطنية مشتركة، مع التأكيد المستمر على مبدأ الوحدة الوطنية وتعميق التضامن بين جميع أطياف المجتمع السوري.
نؤكد على ضرورة مشاركة كافة الأطراف والقوى السياسية والمكونات في العملية السياسية لمستقبل سوريا الجديدة، ونرفض رفضاً تاماً أي نهج قائم على الإقصاء أو التهميش.
يتعين على الإدارة السورية الجديدة إرساء أسس الثقة مع المجلس الوطني الكردي في سوريا، نظراً لموقفه المعارض للنظام السابق منذ اندلاع الثورة وحتى سقوطه. كما أن الشعب الكردي قد عانى تاريخياً، منذ تأسيس الدولة السورية، من الظلم والحرمان من حقوقه القومية في سوريا
يتم الدفاع عن الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي بشكل راسخ ضمن رؤية واضحة لإقامة دولة سورية اتحادية، تعددية، لا مركزية. هذا النموذج هو الإطار الأمثل الذي يضمن الخصوصية القومية مع الحفاظ على وحدة الدولة.
نعمل حثيثاً لضمان إدراج الحقوق القومية للشعب الكردي بشكل واضح وصريح ضمن الدستور السوري القادم، ويشمل ذلك الاعتراف بالشعب الكردي كثاني أكبر قومية في البلاد وفقاً للعهود والمواثيق الدولية.
يشكل الوفد الكردي المشترك، الذي انبثق عن كونفرانس 26 نيسان، عامل قوة يمثل هذا الوفد الموقف القومي والسياسي بشكل جماعي، مما يعزز من قوة الموقف الكردي التفاوضي.
الفعالية في المحافل الدولية: يضمن التشكيل الموحد طرح المطالب القومية بشكل موثوق وفاعل ضمن المحافل الوطنية والدولية، مما يرفع من مستوى الدعم والمساندة الدولية للقضية الكردية في سوريا».
يتابع ملا: «ان المجلس الوطني الكردي كان معارضا رئيسيا للنظام السابق منذ بداية الثورة. تميز موقفه المبكر بالحرص على تجنب الانخراط في الصراعات الإقليمية والدولية المباشرة، وبناء علاقات قوية مع أطر المعارضة السورية، والالتزام بالقرارات الدولية.
قبل سقوط النظام، حافظ المجلس على هويته ككيان سياسي سلمي، وسعى دائمًا إلى الحلول السلمية وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، أبرزها قرار مجلس الأمن 2254. خلال هذه الفترة، نجح المجلس في طرح القضية الكردية بفاعلية على الأطراف الإقليمية والدولية كجزء أساسي من الحل السوري.
في سياق آفاق الحل في سوريا الجديدة، تبدو فرص تحقيق بعض أهداف المجلس أفضل. تتجسد رؤية الحل الأمثل لسوريا المستقبل في مطالبة غالبية المكونات باللامركزية، وهي الرؤية التي يتبناها المجلس كضمانة لتحقيق الحقوق المشروعة لجميع المكونات، بما في ذلك الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي.
لقد تعززت استراتيجية المجلس بالالتزام بقرارات جنيف والقرار 2254 كإطار تفاوضي وحيد، بهدف حماية الحقوق القومية من التقلبات الإقليمية.
وقد حفزت الصراعات الإقليمية المجلس على تكثيف جهوده لتوحيد الموقف الكردي، والذي تجلى في تشكيل الوفد الموحد، ليصبح الكيان التفاوضي الكردي قوة راسخة في مواجهة التدخلات الإقليمية.
أضحى مطلب الدولة اللامركزية التعددية الاستراتيجية الثابتة للمجلس، حيث يمثل حلاً وطنياً شاملاً يتوافق مع تطلعات غالبية مكونات الشعب السوري، ويضمن الحقوق الكردية دستوريا».
يؤكد ملا: «ان المجلس الوطني الكردي ومنذ انطلاق الثورة السورية، تعامل بمنهجية دقيقة وموضوعية في كافة الجوانب السياسية والتنظيمية والإدارية. إذ تتسم هذه المرحلة بـتغير مستمر في الظروف والعوامل، خاصةً في ضوء التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، والتي بلغت ذروتها مع التغيرات المحتملة بعد سقوط نظام بشار الأسد.
ومن الجدير بالذكر أنَّ الإدارة الجديدة في سوريا لم تُقَد من قِبَل الأطر المعارضة التي كانت ضمن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية (والذي كان المجلس الوطني الكردي جزءاً أساسياً منه)، بل من قِبَل فصائل مسلحة بدعم إقليمي ودولي، وذلك بعد أن رفض النظام السابق الاستجابة للحلول السلمية وفقاً للقرارات الأممية.
لقد واجه المجلس ولا يزال يواجه ضغوطاً مكثفة تهدف إلى إضعاف دوره المستقبلي، لكنه أثبت في المقابل أن القضية الكردية هي مفتاح أي حل مستدام في سوريا، وأن للمجلس دوراً محورياً لا غنى عنه في هذا الإطار. وعلى الصعيد الكردستاني، يستحيل إقصاء المجلس أو إنكار مكانته في أي مسارات للحل، سواء كانت كردية داخلية أو دولية.
لذا، يتحتم على المجلس مراجعة أدائه في السنوات الماضية والاستفادة من التجارب المتراكمة. كما يتوجب عليه العمل على تغيير شامل للمكاتب عبر مؤتمره القادم، مع التركيز على تجنب تأخير المؤتمرات وعقدها في المواعيد المحددة.
يشير ملا: «ان المجلس الوطني الكردي تأسس في بداية الثورة، في خضم التعقيدات الدولية والإقليمية، ليمثل الحركة السياسية الكردية في سوريا التي تمتد لعشرات السنين. وقد حظي تأسيس المجلس بدعم مباشر من إقليم كردستان وفخامة الرئيس مسعود بارزاني، بهدف توحيد الصف الكردي وتمثيل القضية الكردية في المحافل الدولية. وقد نجح المجلس في طرح القضية الكردية على الساحة الدولية والإقليمية، وتحسين علاقاته مع دول الجوار.
على الصعيد الكردي، وفي ضوء التجارب السابقة، من الضروري أن تتجاوز الأحزاب والتنظيمات الكردية المختلفة، باختلاف أفكارها الأيديولوجية، خلافاتها وتركز على الخطوط العريضة للقضية الكردية. يجب توحيد كافة الجهود لتحقيق الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في سوريا، وعدم إضاعة هذه الفرصة التاريخية في تاريخ سوريا الجديد.
لقد كان مؤتمر 26 نيسان يمثل الهدف المنشود للشعب الكردي، بدعم كردستاني ودولي، وقد تم تشكيل وفد مشترك لتمثيل الكرد في سوريا. يجب تفعيل هذا الوفد والعمل بجدية على مهامه. إن الأحداث المتسارعة والظروف لا تسير دائمًا وفقًا لرغباتنا، وعلينا أن نكون سباقين في تغيير الظروف».
يختم ملا: «العمل على إقناع القوى الوطنية السورية الأخرى، بما في ذلك المكونات العربية وغيرها، بأن نموذج اللامركزية والتعددية يخدم مصالح جميع مكونات الشعب السوري ويعزز استقرار البلاد، ولا يقتصر على كونه مطلبًا كرديًا خاصًا. يجب استخدام نفوذ المجتمع المدني الكردي والسوري لدعم الرؤية الدستورية للمجلس، والعمل على ترسيخ قيم الحرية والعدالة والمساواة كأساس مشترك للمطالب.
يتعين ممارسة الضغط على الدول الفاعلة في الملف السوري، مثل الأمم المتحدة والدول الكبرى، للاعتراف بالرؤية الكردية كجزء أساسي من الحل السياسي، وإدراج قضية الحقوق الكردية كبند أساسي على جدول أعمال المفاوضات الدولية. يجب ربط المطالب الكردية بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الأقليات والحكم اللامركزي، لإضفاء شرعية دولية إضافية عليها».