البارزاني يدعو إلى وحدة الصف وترسيخ ثقافة التسامح لبناء شراكة وطنية متينة
عزالدين ملا
في مشهد سياسي لافت، استقبل الرئيس مسعود بارزاني يوم 15 تشرين الأول الفائت سكرتارية أحزاب المجلس الوطني الكردي في أربيل العاصمة.
لقاءٌ حمل في طياته الكثير من الدلالات السياسية والإنسانية. فقد تميّز الاجتماع بجوٍّ من الودّ والصراحة والنقاش المسؤول، حيث تبادل الطرفان وجهات النظر حول مجمل القضايا الوطنية الكردية والتحديات التي تواجه مستقبل الشعب الكردي في عموم كوردستان.
الرئيس البارزاني، الذي عُرف بحكمته وحرصه على وحدة الصف الكردي، شدّد خلال اللقاء على أهمية تجاوُز الخلافات الحزبية الضيّقة وتغليب المصلحة القومية العليا على أي اعتبارات أخرى. كما أكد على ضرورة ترسيخ ثقافة التسامح والتعايش السلمي مع باقي المُكوّنات، بوصفها قاعدة أساسية لبناء مجتمع مستقر يسوده السلام والاحترام المتبادل.
هذا اللقاء، الذي يأتي في مرحلة حساسة تمرّ بها الساحة الكردية، أعاد الأمل بإمكانية فتح صفحة جديدة من التفاهم والتقارب بين القوى السياسية الكردية. وهو يبعث برسالة واضحة مفادها أن وحدة الكلمة والرؤية هي السبيل الأوحد لتحقيق تطلعات الشعب الكردي وضمان مستقبله السياسي والاجتماعي ضمن إطار من التآخي والاحترام المتبادل مع جميع المكوّنات في المنطقة.
1-ما الرسائل السياسية والاجتماعية التي أراد الرئيس مسعود بارزاني إيصالها من خلال هذا اللقاء؟
2-كيف يمكن أن يسهم هذا الاجتماع في إعادة بناء الثقة بين الأطراف الكردية المختلفة؟
3-إلى أيّ مدى يمكن أن تؤثر دعوة البارزاني إلى التسامح والتعايش على المشهد الكردي الداخلي والعلاقات مع باقي المكونات؟
4-ما العقبات التي قد تواجه جهود تحقيق وحدة الصف الكردي، وكيف يمكن تجاوزها بالحوار والعمل المشترك؟
5-هل يشكل هذا اللقاء بداية لمرحلة جديدة من التفاهم السياسي بين المجلس الوطني الكردي وباقي القوى في الإقليم؟
لقاء الرئيس بارزاني خطوة تعزيز وحدة الصف وترسيخ الشراكة الوطنية بين الكورد
تحدّث سكرتير حزب يكيتي الكوردستاني – سوريا، سليمان أوسو، لصحيفة «كوردستان»، قائلًا: «نحن في المجلس الوطني الكوردي نعتبر فخامة الرئيس مسعود بارزاني المرجعية القومية للشعب الكوردي في عموم كوردستان، واللقاء به يمثّل فرصةً مهمة للاستماع إلى رؤيته في ظلّ التطورات المتسارعة في المنطقة.
جاء هذا اللقاء بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على انعقاد مؤتمر وحدة الصف والموقف الكوردي في مدينة قامشلو، الذي رعاه الرئيس بارزاني عبر ممثله الخاص الدكتور حميد دربندي.
الرسالة الأبرز التي حرص فخامته على إيصالها هي أنّ حقوق الشعب الكوردي في كوردستان سوريا تحتل مكانةً مركزية في اهتمامه، وأنّ وحدة الموقف الكوردي تبقى السبيل الأساس لضمان تلك الحقوق وحمايتها في المرحلة المقبلة».
يشير أوسو: «إنّ الرئيس بارزاني، خلال اللقاء، أكّد على أهمية التمسّك بمخرجات مؤتمر وحدة الصف والموقف الكوردي، بما يعكس إدراكه العميق لحجم التحديات التي تواجه الشعب الكوردي.
فهذا الموقف يُعيد التأكيد على ضرورة التفاعل الإيجابي بين القوى الكوردية كافة، ويشكّل دعوةً صريحة لتجاوز الخلافات الضيقة والعمل بروح المسؤولية القومية.
إنّ هذه الرسالة تفتح الباب أمام خطواتٍ عمليةٍ لبناء الثقة من جديد، وترسيخ قناعةٍ بأنّ وحدة الصف الكوردي هي الضمانة الوحيدة لحماية المكتسبات والحقوق المشروعة للشعب الكوردي في سوريا».
ويضيف أوسو: «إنّه من خلال حديثه عن التّحديات التي تهدد الشعب الكوردي، أراد الرئيس بارزاني توجيه رسالةٍ واضحة مفادها أنّ مواجهة هذه التحديات لا تكون إلا بتعزيز التماسك الداخلي وتوسيع جسور التفاهم مع المكوّنات المتعايشة مع الكورد.
إنّ دعوته إلى التسامح والتعايش تمثّل رؤيةً استراتيجية تسعى لإفشال محاولات بثّ الفتنة بين المكوّنات، وتؤسّس لشراكةٍ حقيقية تسهم في حفظ الاستقرار وتعزيز التعايش المشترك.
كما أنّ هذه الرؤية تضع أسسًا لمشاركةٍ فاعلةٍ للكورد في بناء سوريا جديدة تقوم على التعددية والعدالة والمواطنة المتساوية».
ويتابع أوسو: «إنّ هناك جملةً من العقبات التي تعيق مسار الوحدة، أبرزها استمرار حالة عدم الثقة بين بعض الأطراف، واستفراد طرفٍ واحدٍ بالسلطة وغياب الشراكة الحقيقية في القرار والإدارة، إلى جانب وجود أطرافٍ وجهاتٍ خارجية لا مصلحة لها في تحقيق وحدة الموقف الكوردي، وتسعى إلى توتير الأجواء وتأليب طرفٍ على آخر.
تجاوز هذه العقبات يتطلّب إرادةً صادقةً من جميع الأطراف، وتهيئة مناخٍ من الشفافية والانفتاح، إلى جانب خطواتٍ عمليةٍ ملموسة تعيد الثقة وتؤسّس لشراكةٍ وطنيةٍ حقيقية تخدم المصلحة العليا للشعب الكوردي».
ويختم أوسو بالقول: «إنّ المرحلة الجديدة بدأت فعلياً منذ كونفرانس قامشلو، الذي وضع أسس برنامجٍ سياسيٍّ واضحٍ تجسّد في مخرجاته.
اللقاء مع الرئيس بارزاني جاء ليعزّز هذا المسار ويمنحه زخمًا إضافيًا، مؤكدًا أنّ التفاهم والحوار هما الطريق الأمثل لحماية مصالح الكورد وتوحيد كلمتهم.
ورغم بعض الأصوات المتحفّظة هنا وهناك، إلا أنّ الاتجاه العام يسير نحو مزيدٍ من التنسيق والتكامل بين القوى الكوردية، بما يعزّز حضورها السياسي في المشهدين السوري والإقليمي».
تشديد البارزاني على وحدة الصف الكوردي كخيار استراتيجي لا يمكن التفريط به
تحدث رئيس مكتب العلاقات العامة لتيار المستقبل الكوردي في سوريا، فادي مرعي، لصحيفة «كوردستان»، قائلاً: «لقاء فخامة الرئيس مسعود بارزاني له أهمية كبيرة بالنسبة لنا كشعب كوردي في سوريا. لقد قدّم الرئيس مسعود بارزاني جميع أشكال الدعم للشعب الكوردي منذ اندلاع الثورة السورية، وكذلك بعد سقوط نظام الأسد. إنه القائد الذي أرسل قوات البيشمركة لتحرير مدينة كوباني من أعتى تنظيم في العالم، تنظيم داعش، وكان أول من أرسل مؤسسة بارزاني الخيرية إبان الزلزال الذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا، وقدم المساعدة لكافة مكونات المناطق المتضررة من الزلزال.
البارزاني نموذج يُحتذى، وقائد استقلال، ورمز للمقاومة ضد قوى الديكتاتورية. سيبقى البارزاني رمزاً ولقباً، وصاحباً للقضية الكوردية.
أما الرسائل التي وجّهها الزعيم البارزاني خلال لقائه وفد المجلس الوطني الكوردي، فأهمها: أولاً، التأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة الصف والموقف الكوردي، واعتبر ذلك ضرورة في هذا الظرف الراهن، مؤكداً أن قوة الشعب الكوردي في سوريا تكمن في وحدته، وأكد تقديم كافة أشكال الدعم للشعب الكوردي في سوريا.
ثانياً، شدّد البارزاني على ضرورة التواصل مع كافة مكونات سوريا، وخاصة المكوّن العربي، وضرورة الحفاظ على السلم الأهلي لسد الطريق أمام مخططات الفتنة والنعرات الطائفية، وضرورة تعزيز وتطوير العلاقات مع جميع المكونات السورية، لأن سوريا بلد متعدد القوميات والأطياف.
ثالثاً، فيما يخص عملية السلام في سوريا، أكد البارزاني أن نجاح العملية سيكون له تأثير إيجابي على الشعب الكوردي في إقليم كوردستان وسوريا، بل وعلى عموم المنطقة أيضاً».
يتابع مرعي: «الزعيم الكوردي كان دائمًا في طليعة المطالبين بتوحيد صفوف الحركة الكوردية في سوريا، حيث جرت تحت رعايته العديد من الاتفاقيات، منها اتفاقيتا "هولير 1" و"هولير 2"، وكذلك اتفاق "دهوك". وبعد سقوط نظام الأسد، كان له دورٌ مميزٌ جداً، وتابع أوضاع الشعب الكوردي بشكل مستمر، وبذل جهوداً كبيرة من خلال إرسال ممثله إلى كوردستان سوريا للقاء الأطراف الكوردية، وهو ما نتج عنه مؤتمر 26 نيسان، الذي يُعتبر حدثًا تاريخيًا في حياة الشعب الكوردي في سوريا، حيث تم لأول مرة الاتفاق على رؤية سياسية مشتركة بين كافة الأطراف الكوردية، بمشاركة مختلف فئات الشعب.
المرحلة التي تمر بها سوريا عمومًا، وكوردستان سوريا بشكل خاص، تتطلب وحدة الصف والموقف الكوردي. ولقاءات الزعيم البارزاني، بلا شك، لها تأثير إيجابي في الحفاظ على هذا الموقف. فالوحدة ليست بالأمر السهل، بل تتطلب الكثير من التفاني والإرادة الجادة، لأن مصلحة شعبنا تقتضي ذلك، وهي خيار استراتيجي للشعب الكوردي في سوريا. إن هذا تحدٍّ حقيقي أمام الحركة الكوردية، فالفرصة المتاحة الآن قد لا تتكرر حتى بعد مئة عام، لذا يجب استغلالها جيدًا».
ويشير مرعي: «من المعروف أن سوريا بلد متعدد القوميات والأطياف، وقد ارتبط مصير جميع المكونات ببعضها البعض تاريخيًا وموضوعيًا. لقد ذاق الجميع الظلم بدرجات متفاوتة، وحل قضايا المكونات كافة مرتبط ببعضه. فقد لعب نظام الأسد دورًا كبيرًا في خلق الفتن الطائفية بين مكونات المجتمع السوري. كانت سوريا، في عهد الأسد، مقسّمة، وكان الجميع محرومين من حقوقهم، وتعرضوا لأبشع أنواع الظلم والاستبداد.
وقد مورست بحق الشعب الكوردي أبشع السياسات الشوفينية، من مشروع الحزام العربي، وتجريد الكورد من الجنسية السورية، وتغيير أسماء القرى والمدن، إلى اغتيال أبرز القادة الكورد، ناهيك عن حرمان المناطق الكوردية من كافة حقوقها، والمجازر التي ارتُكبت بحقهم. كل هذه كانت نتيجة لسياسات نظام الأسد.
لذلك، يجب على جميع المكوّنات البدء بمرحلة جديدة، مرحلة بناء سوريا الجديدة؛ سوريا لكل السوريين، مرحلة التسامح وبناء الثقة، والتركيز على رسالة الزعيم البارزاني، بالتمسك بالنضال الوطني السوري لبناء دولة مدنية تعددية تشاركية لا مركزية، تُحفظ فيها حقوق جميع المكونات. فالشعب الكوردي مكون رئيسي وثاني أكبر القوميات في سوريا، ويجب أن تكون حقوقه محفوظة في دستور سوريا الجديد، وفق القوانين والمواثيق الدولية».
ويضيف مرعي: «العقبات التي تواجه وحدة الصف والموقف الكوردي تنقسم إلى داخلية وخارجية. الداخلية تتمثل في ضرورة الابتعاد عن الأجندات والمصالح الحزبية والشخصية، لأن القضية الكوردية ليست ملكًا لأي طرف سياسي، بل هي حق مشروع لشعب عانى مئات السنين من الحرمان من حقوقه أسوة بشعوب العالم الأخرى.
أما الخارجية، فتكمن في أن سوريا أصبحت ساحة لصراعات الدول الإقليمية والدولية، ولكل دولة مصالحها، ولكل منها حلفاؤها، وهذا ينعكس على وحدة الصف والمواقف الكوردية».
ويختم مرعي حديثه: «بطبيعة الحال، فإن لدور الرئيس البارزاني تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا على كوردستان سوريا، لما يتمتع به من شخصية تحظى بالاحترام والتقدير من مختلف شعوب العالم. ولا يمكن فصل مواقف الزعيم البارزاني عن الدور الكبير الذي تلعبه حكومة إقليم كوردستان على الساحتين الإقليمية والدولية. فقد أصبح الإقليم لاعبًا مؤثرًا سياسيًا واقتصاديًا، وينظر إليه الجميع على أنه الداعم والسند للكورد في الأجزاء الأربعة من كوردستان، بل وفي العالم أجمع. لقد أصبح مرجعية في كيفية إدارة القضايا القومية للشعب الكوردي، بفضل تراكم النضالات والخبرة السياسية والعسكرية.
القضية الكوردية لم تعد قضية محلية، بل أصبحت رقمًا فاعلًا في المعادلة الإقليمية والدولية.
لذلك، يجب على الحركة الكوردية في سوريا الاستفادة من دور الرئيس البارزاني، ومن دور إقليم كوردستان في هذه المعادلة، ومن دعمهم ومساندتهم، ومن هذه الفرصة الذهبية التي أتيحت لهم».
حكمة الرئيس البارزاني صمّام أمان لوحدة الصف الكوردي ودعوته للحوار تعيد الأمل بالقضية الكوردية في سوريا
تحدّث عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، شيركوه كنعان عكيد، لصحيفة «كوردستان»، قائلًا: «لطالما كان جناب الرئيس مسعود البارزاني السند الحقيقي للحق الكوردي، والمرجع والملجأ في كل منعطف تمرّ به القضية الكوردية، ليس في إقليم كوردستان فحسب، بل في عموم أجزائها الأربعة. فقد كان حاضرًا دائمًا برؤيته وحكمته في كل محطة مصيرية تتعلق بمستقبل شعبنا ومصيره.
ولذا كان من الضروري أن يتوجّه المجلس الوطني الكوردي نحوه في هذه المرحلة المعقدة التي أدخلت القضية الكوردية في سوريا في حالة أشبه بـ(عنق الزجاجة)، بين المراوحة في المكان أو الخضوع لشدٍّ وجذبٍ بين شركاء المرحلة. فلا يخفى على كل ذي بصيرة أن الأطراف الكوردية المشاركة في كونفرانس قامشلو قد عايشت أزمة ثقة فيما بينها نتيجة اختلال ميزان الشراكة والعمل المشترك وغياب الرؤية الموحّدة. وقد أضعف ذلك دور المجلس الوطني الكوردي وأحزابه في العملية السياسية والتفاوضية، وأظهرها بمظهر الضعف في نظر الجماهير الكوردية، بمن فيهم – وفي أحيان كثيرة – أنصار المجلس نفسه.
إنّ توجه المجلس إلى هولير، التي احتضنت في مراحل سابقة اتفاقيتين مهمتين بين الأطراف الكوردية برعاية جناب الرئيس، والتي بعثت الأمل في نفوس أبناء شعبنا – ولو لفترة قصيرة – إنما يمثل إدراك المجلس بأنّ هولير، بحكمة قيادتها، تشكّل صمّام الأمان الذي يحول دون تشظّي الحالة الكوردية وتبعثر قواها. كما يعكس هذا التوجّه رغبةً في إعادة الأمل وإحياء فكرة وحدة الصف والموقف.
وهذا بالذات ما دعا إليه جناب الرئيس في لقائه مع قيادة المجلس الوطني، وتشديده على ضرورة تجاوز النقاط الخلافية والمصالح الحزبية الضيقة، ووضع المصلحة القومية العليا فوق أي اعتبار آخر.
ولقد كان البعد الإنساني حاضراً في كلمته التي حملت دعوةً صريحة إلى تبنّي ثقافة التسامح والانفتاح على المكوّنات الأخرى، لا كشعارٍ عاطفي، بل كممارسة فعلية تتجاوز الجراح والخلافات، لأن القضية الكوردية – في نظره – أكبر من المصالح الحزبية وأسمى من كل الخلافات. ومن وجهة نظري، فإنني أرى أن الأمر لا يتطلب الكثير من العناء لتلقّف الرسالة الأهم التي أرسلها هذا اللقاء، سواء للداخل أو الخارج، وللأعداء قبل الأصدقاء، والتي مفادها:
(إنّ كورد روجافايي كوردستان ليسوا وحدهم، فقيادة الإقليم وشعب كوردستان دائمًا معهم، ولا يجوز لأحد تجاوزهم أو المساس بحقوقهم)».
يؤكد عكيد: «إنّ هذا اللقاء مع جناب الرئيس، بما يمثله كمرجعية قومية، وبما استطاع بناءه خلال سنوات طويلة من العلاقات الدولية والإقليمية والاحترام الواسع الذي يتمتع به، يشكّل دعمًا معنويًا للمجلس في مسيرته الهادفة إلى ضمان حقوق الكورد من خلال الحوار مع من يملكون سلطة القرار. وبالنظر إلى الرسائل الواضحة التي تضمنها هذا اللقاء، فإنّ ذلك سيمنح المجلس جرعة كبيرة من الثقة، ويحفّز أطرافه على العمل معًا من أجل توفير بيئة جيدة لتوطيد جسور الثقة فيما بينهم ومع الأطراف الأخرى أيضًا. تلك الجسور التي لطالما عمل السيد الرئيس على تهيئة الأرضية المناسبة لها، ولا يزال يعمل على تمتينها واستدامتها».
ويعتقد عكيد: «إنّ ما تواجهه المسألة الكوردية في سوريا من عدم تجاوب السلطة المؤقتة في دمشق بالاعتراف الدستوري بحقوق الكورد، مستغلة حالة عدم الانسجام وربما التشتّت التي عانى منها الطرف الكوردي منذ ما قبل كونفرانس قامشلو – والتي لا تزال تلقي بظلالها على المشهد السياسي والعملية التفاوضية من بعده – يتطلب استجابة كاملة لدعوة جناب الرئيس في تجاوز خلافات الماضي والتعالي على الجراح، من أجل الخروج بصوت قوي واحد يمثل مطالب الشعب الكوردي المشروعة تحت مظلة المصلحة القومية المشتركة.
ولا شكّ في أنّ دعوة السيد الرئيس إلى ثقافة التسامح والتعايش المشترك ستلقى صدى إيجابياً لدى كافة الأطراف الأخرى أيضًا، لأنها تجسّد صوت العقل والحكمة في هذه المحنة التي يعيشها السوريون بكل أطيافهم وانتماءاتهم. ولأنّ هذه الدعوة هي نتاج تجربةٍ وخبرةٍ طويلة أثبتت أنه لا يمكن حلّ القضايا العالقة إلا بتجاوز الخلافات والصراعات الداخلية واللجوء إلى لغة الحوار والمنطق على أسس عادلة، بما يكفل حق الجميع في العيش بحريةٍ وكرامةٍ دون تعدٍّ على حقوق الآخرين».
ويُعلّل عكيد: «إنّ أبرز العقبات التي تواجه جهود تحقيق وحدة الصف الكوردي هي العقبات الداخلية، والمتمثلة في الإرث التاريخي الطويل من الخلافات والصراعات والاصطفافات المختلفة، والارتهان أحيانًا لأطراف خارجية، بالإضافة إلى تضارب المصالح واختلافها، والافتقار إلى الرؤية المشتركة في تحديد الأهداف وطرق الوصول إليها، فضلًا عن احتكار القرار السياسي من قبل طرفٍ دون آخر.
أما العقبة الخارجية الأهم، فهي الضغوط التي قد تمارسها بعض الدول على أطراف المعادلة السياسية، إذ قد تفضّل هذه الدولة أو تلك بقاء الوضع الراهن على حاله بما يتناسب مع مصالحها الإقليمية والدولية، أو أن تسير وفق ما تمليه من شروط تحفظ لها دورها ومكانتها ونفوذها.
وحيث إنه لا يمكن تحقيق وحدة الصف الكوردي دون اللجوء إلى الحوار والعمل المشترك، فلا بدّ أولًا من الاتفاق على هذه الرؤية، وذلك لا يتحقق إلا من خلال توفر الإرادة الحقيقية والإيمان بهذه الرؤية لدى جميع الأطراف. وعندها يمكن عقد اجتماعات موسّعة على أرض إقليم كوردستان، وبرعاية كريمة من المرجع القومي الأول، سيادة الرئيس مسعود البارزاني، تشمل جميع الأطراف الكوردية الفاعلة وتهدف إلى الحوار البنّاء من أجل تشكيل جسم جامع يمثل جميع الأطراف الكوردية، لا يقبل الإملاءات ولا التنازلات، ويضع المصلحة القومية العليا فوق أي اعتبارات أخرى، لضمان العمل المشترك في المسار السياسي كإطارٍ نضاليٍّ جامع يقوم على أرضيةٍ صلبة».
ويختم عكيد: «إنّ هذا الأمر مرهون بمدى تفهّم واستيعاب الأطراف الأخرى للرسائل الهامة التي تضمنها هذا اللقاء، واعتبارها اللبنة الأولى في بناء الثقة المتبادلة والمدخل الصحيح إلى فضاءات الحوار البنّاء والعمل المشترك. كما أنه مرهون بمدى رغبتهم في تسوية الأمور وإعادتها إلى نصابها الصحيح بعد كل هذا التأرجح والمدّ والجزر الذي تخلل الفترات السابقة، وكاد يصل إلى طريقٍ مسدود.
والأهم من هذا وذاك هو توفر الرغبة الصادقة في تجاوز المصالح الحزبية الضيقة، وتبنّي مشروعٍ يلبي تطلعات الشعب الكوردي المشروعة دون أي تجاوز على حقوق أطياف المجتمع الأخرى.
وفي الختام، فإنّ تجارب التاريخ قد علمتنا أنّ الحوار البنّاء هو الوسيلة الوحيدة لحلّ كل المعضلات، وأنّ ترسيخ قيم التسامح في مجتمعنا وفي أوساطنا السياسية كفيلٌ ببناء جسور الثقة فيها، وخلق مجتمعاتٍ حرةٍ كريمةٍ وآمنةٍ يسودها السلام».