الوعي الكوردي في ظل المتغيرات السياسية
نور شوقي كوران
قد يظن قسم من القراء أن السلاح يفوق الوعي من خلال الاستخدام والنتيجة المحتمة، وسيكون هناك قسم آخر من القراء سيدرك أن الوعي يفوق السلاح في بعض الظروف، وله فعالية أكبر من حيث النتيجة، فمن قال: إن أردت استهداف شعب واحتلاله عليك بنشر ثقافة الجهل بينهم وحرمانهم من التعلم، وعدم الوصول حتى إلى أدني درجات الوعي.
هذا الشخص كان يعلم جيداً أن الجهل أقصر وأسهل وأضمن طريق للاحتلال، ولو عدنا إلى الشعوب التي كانت محتلة في يوم ما سنجد أن المحتل حين كان يستهدف شعباً كان يبدأ بمحو ثقافة ذلك الشعب ومعالمه التاريخية، وفي الخطوة الثانية كان يعتمد على نشر ثقافة الجهل وذلك للسيطرة على تلك الشعوب وجعلها ترتبط تارة بالدين على قاعدة الثواب والعقاب، أو تارة على الخرافات والأساطير، أو تارة عل العادات والتقاليد البالية وفي بعض الحالات كان المحتل يعتمد على كل ما ذكر كي يثبت حكمه ويلبسها الشرعية والديمومة.
ولو تصفحنا التاريخ سنجد المغول والتتار قد غزوا الشرق بتلك الطريقة، وكذلك السلاجقة، كما فعل ذلك العثمانيون حيث دام حكمهم لسنوات طويلة على الشرق وقد وصلوا حدود الصين، ولازال قسم من تلك الشعوب تدفع ضريبة ذلك الاحتلال، والمثال الأقرب لمثل هذا الشكل من الاحتلال هم تنظيم داعش الإرهابي والنتائج الوخيمة التي رافقت محاولتهم إنشاء خلافة إسلامية جديدة بقوانين جديدة، بالمقابل تذكر الصحف حادثة عن الكاتبة «أجاسا كريستي» أثناء الحرب العالمية الثانية حين كانت باريس تقصف وفرق الإنقاذ كانوا يبحثون في الحواري عن العالقين والجرحى فوجدوا أجاسا جالسة تكتب والقصف في دوام ، وحين سألوها عن سبب وجودها قالت بما معناه: هم يقومون بعملهم في قصف باريس، وأنا أقوم بعملي في توثيق ما يحدث.
المقارنة كبيرة حين يتم احتلال بلد فيه أناس مثقفون مثل كريستي، أو غاندي، أو البارزاني الخالد، أو نيلسون مانديلا، وبين احتلال بلد يعمه الجهل، ويحمل شعبه سلاح عدوه تحت شعارات رنانة تنم عن قصر النظر وعدم وجود الوعي ويقتل به أبناء بلده ويقبل أن يكتب العدو تاريخه، ولو عدنا للتاريخ الكوردي سنجد أن كوردستان كانت مرتعاً لصراعات دولية منذ الأزل، وباتت أرضها ساحة خصبة لمعارك الخصوم على من سيحتل ارض الكورد، ورغم أن الدفاع عن الأرض والعرض كان على أشده من قِبل الكورد إلا أن انخفاض مستوى الوعي وتفشي ظاهرة الجهل والامية بعد أن حاول المحتلون محو تاريخهم وثقافتهم وإلغاء لغتهم وصهرهم في بوتقتهم كل ذلك تسبب في أن يكتب المحتل تاريخ الكورد حسب معايرهم وقوانينهم وانتصاراتهم فأصبح الكورد في تاريخ المحتلين مهاجرين، ولدى قسم آخر غجر، ولدى قسم آخر قادمين من وراء البحار، وكفار وزناديق يعبدون النار وهم من نسل الشياطين والجان.
على قاعدة لكل مرحلة ظروفها الذاتية والموضوعية سنطوي هذه الصفحة، ونحاول أن نقيّم الوعي الكوردي في القرن الواحد والعشرين ونسأل بعض أسئلة: في هذا الوقت وبتطور التكنولوجيا ووجود جزء محرر من أجزاء كوردستان الأربعة ووجود بوادر إعطاء الكورد حقوقهم في جزء آخر. فهل الوعي الكوردي وصل الى درجة أخذ العِبر من دروس الماضي، وبدأ الكورد بتوثيق تاريخهم الحالي؟ هل بدأ الكورد بإنشاء مراكز دراسات تاريخية والمباشرة بتصحيح مسار التاريخ من خلال إعادة كتابة تاريخهم الذي يمتد إلى أكثر من ثلاثة ألف سنة خلت منذ نشأة المملكة الميتانية والى يومنا هذا؟
هل القادة الكورد مؤمنون بوجود طاقات كوردية واعية تستطيع مجاراة الزمن والمرحلة والتكنولوجيا التي تتطور كل يوم حيث بات العالم كله ضمن هاتفٍ في يد الكبير والصغير، ويستطيع أن يوكب ركب الحضارة ويحقق الانتصارات في شتى المجالات العلمية والأدبية؟
هل نحن في مرحلة لم شمل الطاقات وتسخيرها في تحقيق آمال الأمة الكوردية؟ أم أننا ساهون عن ذلك في ظل الرفاهية التي نعيشها بعد أن وجدنا الدعم الدولي لنا ككورد وإنصافنا بعد سلسلة من المظالم التي لحقتنا منذ بدايات القرن العشرين وتفعيل الاتفاقيات التي حرمت الكورد من حقوقهم أسوة ببقية شعوب منطقة الشرق؟
ألا يجدر بنا أن نحتاط أيضاً للمستقبل وما يحمله من مآسٍ، خاصة أن المتغيرات السياسية في المنطقة كثيرة وكبيرة وقد يأتي اليوم الذي نتخوف منه وتتبخر الرفاهية التي نعيشها الآن وبذلك سيكتب التاريخ أن الكورد جرّهم الغرور وعدم المبالاة إلى نهايات غير حميدة؟
هل المثقف الكوردي يتمتع بذلك الوعي الذي يخوله أن يرفع حمل الكتابة والتوثيق عن كاهل السياسي الكوردي ويكتب تاريخه بمدادٍ لا تتبدد بمياه دجلة والخابور والفرات؟ هل الساسة والمثقفون واعين لحركتهم الإعلامية، ويدركون إلى اين تتجه؟ أم أن وعيهم الكامل أو القاصر يفرض عليهم أن ما يقوم به الإعلام الكوردي والإعلاميون الكورد هو الصواب؟
لو توقفنا على ما يتم تصديره للخارج من الناحية الثقافية والتاريخية والأدبية والفنية، فهل نحن واعون أن تصدير الصور الجميلة تجذب كل ماهو جميل للكورد، هل نحن واعون أن ما يتم تصديره من أدب وفن وتاريخ من خلال الكتابة أو الفلكلور أو الدراما التلفزيونية والسينمائية ستوضح الصورة لمن لا يعرف من هم الكورد، ويطابقها بتاريخ الكورد الذي زيّفه المحتلون على مدار سنوات طويلة وهم يريدون تبيت وجودهم بشتى الوسائل على ارض الكورد التاريخية، ويتأكد المتلقي حينها أن ذلك التاريخ مزيف ولا يمت للكورد بصلة وسيتقبل صياغة التاريخ الجديد الذي يُسطر بيد المثقف والواعي الكوردي؟
قد يسأل سائل: هل عناصر الوعي مكتملة لدى المثقف والسياسي الكوردي حتى يستطيع الرد على كل هذه الأسئلة؟ أؤكد أن الوعي الكوردي أصبح كاملاً، لكنه يحتاج إلى تحديد الهدف وتقسيم ذلك الهدف إلى أهداف متعدّدة ويتم تكليف الواعين والمهتمين وكلٍ حسب اختصاصه بذلك الهدف على أن يتم تأمين له كل المستلزمات والأدوات حتى يستطيع الإبداع، ويبين مدى وعيه وإدراكه للدور الذي يجب أن يقوم به إلى جانب وجود السلاح.