زراعة اليأس

 زراعة اليأس

فرهاد شاهين

أعلم أنني حاولتُ مئة مرة، ولم أنجح لكنني مستمرٌّ في المحاولة ولاسيما عندما آمنت أن ما أصبو إليه هو الغرض من حياتي، وهو أشرف الغايات السامية التي خُلِقتُ من أجلها.
لذلك أحسبُ أنّ زراعةَ اليأس في نفوس الناس سلاح تدميري شامل ينبغي أن تأخذه المنظمات الدولية بعين اﻷهمية. وهي تقوم عليها دوائر وجهات وأشخاص ومعاهد تخصصت بهذا الشأن.
إن هدف زراعة اليأس يكمن في استلاب إرادة المواطن وجعله يرضى بكل ما يخططون له من حياة فارغة من أي محتوى إنساني وقيم نبيلة وغايات سامية بما فيها السعي من أجل الحرية والرفاهية والكرامة والعزة الوطنية.
في بلدنا ﻻحظتُ أن زراعة اليأس تهدف إلى جعل (الإحباط) صفة دائمة في مشاعر الناس وأفكارهم وأعمالهم؛
زراعة اليأس لابد أن تمتلك أرضاً وبذوراً مناسبة تعمل الجهات المختصة على توفيرها، وإن طال ذلك عشرات السنين، وﻻ يمكن أن تنجح، وتثمر هذه العملية إﻻ بتوفُّر النفوس الضعيفة المغلوب على أمرها في كل شيء، والتي تعتمد على التواكل، وﻻ تحسن اتخاذ أي موقف مما يدور من حولها. نفوس ﻻ إرادة لها في صناعة اﻷحداث والتحكم بمصائرها وإثبات جدارتهاـ وتثبيت رأيها الطامح نحو الحياة الحرة الكريمة.
إن زراعة اليأس ﻻ تنجح في مجتمع يسعى أبناؤه إلى طلب الحرية لكنها تنجح في بلد ارتضى أبناؤه العبودية حياة لهم وﻷبنائهم، واستلبت قيمهم الإنسانية على مر الزمن.
لقد رأيت أن عملية زراعة اليأس في بلدنا نشأت منذ أن أدخل هذا البلد في حروب كاذبة اﻷهداف، وسلط عليه الظلم في كافة مفاصله اﻷفقية والعمودية، وجرت عملية مخططة لها لإفقاره وتجويعه وإبادته وتشريده، وتعاوُن جهات عديدة في ذلك لا قدرة للشعب على مجابهتها، ثم نشر الجهل والتجهيل الذي أتى على كل وعي أو ثقافة أو تنوير أو طلب للحق، والحقيقة والحقوق، والمواقف الفاضلة السليمة في حياة الناس وعلاقاتهم ببعضهم، وبمن يقودهم، و يدير دولتهم وشؤونهم.
شعبنا يعاني من اليأس الذي زرع في نفوس أبنائه من إمكانية تغيير واقع حاله بأي صورة أو ثمن من اﻷثمان.
الشخصية السورية منذ الأزل البعيد ولاسيما حين استلام الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية تتعرّض لكل أشكال الظلم والقهر والاستبداد من أجل إدخال اليأس إلى روحها وعقلها وتفكيرها، ويتم ذلك من خلال برامج معدّة سابقاً في دهاليز المخابرات الدولية والإقليمية وعلماء نفس متخصصين بدراسة شخصية الإنسان السوري، وإعداد البرامج التي تزعزع شخصيته تمهيداً لإدخال اليأس إلى داخل نفسه ويتم ذلك من خلال فضائيات وإعلام وصحافة يعاونه جيش ممن محسوب على الثقافة والمثقفين.
إن أكبر المشكلات المزدوجة التي يعاني منها جمع غفير من أبناء شعبنا هي اليأس من التغيير أو الاستسلام للواقع أو التواكلية أو اللامبالاة أو الهرب من هذا الواقع ... و كل ذلك لا يصب في مصلحة أي إمكانية للإصلاح والتقدم والعودة للاصطفاف مع الشعوب التي بنت أو التي تريد أن تبني أوطانها.