مع ديمقراطية الدّمار والحرق.. هل سيتكرر سيناريو اتفاق أضنة مرة أخرى؟!

مع ديمقراطية الدّمار والحرق.. هل سيتكرر سيناريو اتفاق أضنة مرة أخرى؟!

محمد زنكنة

في تسعينيات القرن الماضي حاولت بعضُ الأطراف الحزبية والسياسية في إقليم كوردستان تفخيم الـ (PKK) عن طريق وسائل الإعلام التابعة لها والتي تحوّلت بين ليلة وضحاها إلى لسان حال لها ولإعلامها على الرغم من أنها أقدم بكثير من الـ(PKK)، وعملت بشتّى الطرق على استثمار علاقاتها الطيّبة معهم لإحداث انقلاب سياسي داخل الإقليم بتحويل السلطة السياسية فيه إلى مجلسين أحدهما عسكري والآخر سياسي خاضع بكلّ قراراته للمجلس العسكري.
بعد سنوات كثيرة، وعن طريق العديد من التقارير السرية وبعض شهود العيان، انكشفت خطتُّهم الحقيقية التي كانت تنصُّ على تقسيم جنوب كوردستان إلى إقليمَيْ سوران وبادينان، وأن يكون القرار الأول والأخير لحزب العمال، وهو الذي سيُسيّر الأمور السياسية والعسكرية فيها.
ولا اخفي أن كثيراً من الشباب في تلك الفترة كانوا في حالة انبهار بما كان يُوصَف بالشّجاعة والإصرار السياسي والمقاومة العسكرية للشباب المنتمين لذاك التنظيم، حيث تسبّب شبه الانفتاح الذي كان يعيشه الإقليم بدخول جهاز الستلايت إلى العديد من البيوت، وبعض الاماكن الرسمية والترفيهية وفتح الباب أمام الشباب لمتابعة القنوات الفضائية بعد أن كان هذا الأمر ممنوعاً في زمن النظام البعثي الصدّامي، واطّلع الكثير من هذه الشريحة على ما أراد الـ (PKK) إيصاله لهم، وباستغلال عدم وجود قنوات فضائية كوردية، بعد افتتاح القناة الفضائية الأولى لهم، ونشر كلّ مايريدونه بالّلعب على وترِ المشاعر القومية والوطنية، وكلّ مايتعرّض له الكورد في تركيا من ظلم، أصبح الباب مفتوحاً أمام الـ (PKK) لتحقيق هذا الهدف.
هذه التغييرات ساهمت في نشر، وانتشار أفكار الحزب في جنوب كوردستان، وفي ذلك الحين، شعرت الأطراف الكوردستانية التي نظرت إلى الواقع الكامل للموضوع من كلّ زواياه بالخطر المحدق بالإقليم من قبل هذا الطرف الذي لا يمتُّ لكوردستان العراق بأية صلة، لذلك سارعت في اتّخاذ كافة الإجراءات التي تحول دون تضرُّر هذا الشعب من الخداع السياسي واللعب على المشاعر القومية.
في تلك الفترة، وبوجود هذه الاعتراضات وعدم الرضا لجا الـ(PKK) إلى خطته الثانية والتي تعوّدنا عليها منهم، ألا وهي إحراق مقرّات الأحزاب التي تعارضُها، والدخول إلى الاجتماعات والتجمُّعات وإطلاق النار وتفجير القنابل اليدوية، وأخيراً، خطف القاصرين، ومن هم دون السن القانونية أو استمالتهم بطريقة غسل الدماغ وضمّهم لصفوفهم، وأتذكّر جيداً في تلك الفترة أي قبل مايقارب الثلاثين عامًا أننا كنا نسمع الكبار وهم يقولون لنا وبكل صراحة: لا تلعبوا خارج البيت، ولا تكثروا من البقاء خارجاً، ولا تبتعدوا عن البيت كثيراً لأن الـ(PKK) ستخطفكم، وقد حصلت وبالفعل حالات كثيرة لشباب وقاصرين مازال الكثير منهم في عداد المفقودين.
بعد اتفاق أضنة في عام 1998 وطرد قواتهم من سوريا واعتقال أوجلان، تلاشت، وتحطّمت كلُّ الأحلام الوردية للشباب المُغرَر بهم في صفوف هذا التنظيم، ومن يؤيّدهم، ومن يتعاطف معهم، وبعد انشقاقات كثيرة حصلت في صفوفهم لجأت قوات الـ(PKK) إلى تكثيف ومضاعفة أنشطتها التي تعوّدوا عليها بالعودة مرة أخرى إلى استغلال القومية والوطنية، وأن الكورد باتوا مهدّدين، وأن الحركة القومية والتحررية الكوردية بحاجة إليهم، لأنهم، وباختصار لا يتذكّرون هذه الأمور إلا عندما تشتدُّ عليهم الأوضاع، وتضيق عليهم الدائرة.
بمتابعة الظروف والأوضاع الأخيرة في غرب كوردستان، تبيّن المستجدات أن الطرف المستقوي على بقية الأحزاب والجهات الكوردية مازال يسلك المسار ذاته في سيطرته واستقوائه على مجمل العملية السياسية والإدارية بالطريقة ذاتها دون أن يفقهَ أن الزمن قد تغيّر، وأصبح من السهل الاحتفاظ بالتخبُّطات التي يسجّلها التاريخ السياسي لهذا الحزب والتي لم ولن تحسب أبداً في إطار التواؤم مع التغيّرات والمستجدّات، فبعد أن كان استقلال كوردستان الكبرى من أولى، وأهمّ الأهداف، تغيّرت الخطة إلى الكونفدرالية الدولية من المغرب إلى افغانستان، لتتحوّل بعد ذلك إلى مشروع (الأمة الديمقراطية) والكانتونات التي لا تشبه نظام الأقاليم ولا الولايات ولا الحكم الذاتي، ضاربة بذلك كلّ الأعراف السياسية المعترف بها عرض الحائط، وليضعوا جميعَ الأحزاب الكوردية التي لا تسير على هواهم في أولوية خطط الاستعداء، وهذا ما اتضح ولأكثر من مرة، وبأكثر من تصرُّف.
فما حصل أثناء احتفالات احزاب المجلس الوطني الكوردي بأعياد آذار ونوروز، والاعتداء على حرمة وقدسية علم كوردستان، وحرق مقرات البارتي وبقية الأحزاب التي لا تسير على هواها والإحصائيات الخطيرة التي تكشفها منظمات حقوق الانسان لأعداد المخطوفين أو المُغرّر بهم من القاصرين في مدن وقرى وقصبات روجافا، يفتح باباً مهماً للتفكير في الواقع المرير، والمستقبل المجهول، ويضع في الأذهان سؤالاً صعب الرد ألا وهو: هل أن مايحصل يمتُّ بصلةٍ لشعار الأمة الديمقراطية؟ وهل أن سيناريو مابعد اتفاق أضنة مرشّح للتكرار مرة أ خرى؟
إن الاجتماعات الأخيرة التي حصلت بين الحكومتين العراقية والتركية، والطلب التركي لإنشاء حزام أمني داخل الاراضي العراقية وتحديدا في اقليم كوردستان وموافقة الحكومة العراقية على المطالب التركية او على الاقل التلويح بالموافقة عليها ووجود اتفاقات سرية تسمح لتركيا بالدخول إلى كل مناطق نفوذ الـ(PKK) في روجافا والاغارة عليهم براً وجواً، تثبت شيئاً من اثنين: إما أنه لا يفقه مغزى ومعنى السياسية، وإن الديمقراطية لديه تعني دكتاتورية الجهة الواحدة بمساحة هو يحدّدها للحرية، أو أنه متواطئ تمام التواطُّؤ مع كلّ مَن ينعتهم بالأعداء وهو مَنْ يفتح لهم الطريق للدخول إلى جميع مناطق نفوذهم كما حصل في عفرين وسري كانييه، وبقية المناطق التي تقبع الآن تحت سيطرة الميليشيات.
لقد بينت التصرفات الأخيرة لتنظيم PKK أن الديمقراطية لديهم لا تساوي إلا القضاء على كلّ مَن يطالبُ باسم كوردستان، فقد كرروا، ولأكثر من مرة، وبكل بجاحة أن كياناً باسم كوردستان، واسم كوردستان ليس ضمن حساباتهم، وأن الأمة الواحدة هي الحل دون ذكر أية أسماء أو هويات، وإن الهدف الأساسي لهم يكمن فقط في معاداة أية تجربة سياسية كوردية تثبت نجاحاً، وتسير في طريق الاستمرارية لأنهم دخلوا لإراضي الإقليم مع بداية التجربة السياسية بعد الانتفاضة، وحاربوا اتّفاق الجبهة الكوردستانية في ثمانينيات القرن الماضي، واغتالوا كلّ مَنْ طالب بإقامة مصالحة سياسية بينهم وبين الأحزاب الأخرى في بقية أجزاء كوردستان.
ومازالت التصفيات الجسدية تسيرُ على قدمٍ وساقٍ في إطار خططهم الرامية إلى إغلاق كل أبواب الحوار والمصالحة السياسية.
وبقراءة لما تتوفر من معطيات، من الواضح أن هناك اتفاقاً سرياً وطبخة تُعَدُّ في السر، وفي أطر ضيّقة، وفي غرف مظلمة أساسها تغذية المجتمع الذي تسيطر عليه القوى التابعة للـ (PKK) بأفكار هذا التنظيم الذي بات مكشوفاً أمام الجميع، ومن ثم الالتفاف عليهم والتضحية بهم من خلال صفقات واتفاقيات سياسية مبنية على مراعاة المصالح العليا للدول التي تتقاسمُ النفوذَ في هذه المنطقة، فلم يتدخّل الدب الروسي على سبيل المثال لمواجهة الأمريكي لاتفاقية أضنة، ولم يتحرّك الجانب الإيراني لمنع اختطاف واعتقال أوجلان، بل على العكس عقد الإيرانيون أكثر من مئتي اتفاق مع تركيا مازالت مستمرة على الرغم من مشاعر العداء التي يكنُّها الطرفان لبعضهما البعض إعلامياً، ولامانع لتكرار هذا الموضوع مرة أخرى في ظل عدم وجود لأية صيغة قانونية محلية أو دولية لروجافا مما سيتسبب بمزيد من التأخير لما كانت تريده وتصبو إليه الثورات والحركات التحررية في هذه المنطقة وهو مايقف تماماً ضد الشعارات التي انطلقت أثناء انتفاضة قامشلو والتحرُّكات السياسية الكوردية بعد انطلاق الثورة السورية.
لذلك من حقنا ان نسال وبكل قلق: إن لم تتفق الولايات المتحدة وروسيا والصين على نسب الفوائد من مشروع طريق الحرير، وإن تلكأ الاتفاق على كيفية الاستفادة المشتركة للوضع السياسي في روجافا بالأخذ بنظر الاعتبار العاملين الإيراني والتركي، وإن استمرّت التصرفات المستترة ذاتها بين ثنايا شعار الأمة الديمقراطية، هل نتوقع تكرار ماحصل قبل ستة وعشرين عاما، بصيغ وترتيبات جديدة؟