لغتنا الكُردية المكبّلة بالأصفاد

لغتنا الكُردية المكبّلة بالأصفاد

علي جزيري

أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الاحتفاء باليوم العالمي لـ "اللغة الأم" في 21 شباط من كل عام، انطلاقاً من كونها أحد أهم أركان هوية الأمم المهدّدة الانقراض، مما عزّز الخطوة الأمل بالمساواة لدى الكردي، كونه شعباً يسكن موطنه التاريخي "كوردستان" منذ الأزل، قبل وصول الغزاة الترك والفرس، بيد أن الاستعمار الإنكليزي - الفرنسي زاد الطين بلة، حين أقدم على اقتطاع أجزاء من كوردستان العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وإلحاقها بكل من العراق وسوريا الناشئتين، مما غدت الحدود السياسية بمثابة أصفاد تكبل الكرد، وتعمّق التبايُن في لهجاتهم وأبجدياتهم في كل أرجاء كوردستان، وهذا ما دفعهم لنسف تلك الأصفاد بأيّ ثمن. ناهيك عن سياسات الدول التي تتقاسم كوردستان، التي تبتغي بشتى السبل لتجريد الكردي من لغته، أو طمس مقومات هويته، وممارسة التمييز العنصري لفرض لغاتها في المؤسسات التربوية والتعليمية.
من المفارقات التي تدعو إلى التأمُّل، إن الجاليات الكردية المهاجرة إلى الدول التي تسودها النظم الديمقراطية كالسويد مثلاً، تفسح المجال أمام الطفل الكردي لتعلم "لغته الأم" في المدارس الحكومية، ناهيك عن تحمل تكاليف تعليمه، في حين أقدمت إيران على اعتقال تلك الفتاة الكردية (زارا محمدي) في شرقي كوردستان، وحكمت عليها خمس سنوات سجن، لمجرد أنها كانت تُعَلِّم الأطفال الكرد لغتهم الأم في منزلها.
أما تركيا فلا تقوم بمنع تعلم "الكردية" وحسب، بل تسعى جاهدة لإقناع الكرد بأن لغتهم "متخلفة"، وأدرجتها في عداد لهجة جبلية قبلية غير متحضرة، على غرار غزاة قارتي أمريكا وأستراليا؛ فالمستوطنون الاستراليون راحوا يدرجون الاستراليين الأصليين في خانة التخلف، وأجبروهم بالتخلي عن لغاتهم وثقافاتهم وأديانهم وعاداتهم وتقاليدهم، وحين واجهتهم صعوبات تنفيذ سياستهم الضارة تلك، فصلوا الأطفال عن آبائهم وأمهاتهم قسراً، وأترعوهم بثقافة المستوطنين الغزاة؛ مما يذكرنا بما تجرأ عليه العثمانيون بأسلمة أطفال الأرمن والسريان عنوة، وتتريك أطفال الكرد في ظل جمهورية أتاتورك، فكان الكردي - كما يقول موسى عنتر - يدفع عن كل كلمة كردية ينطق بها ليرة تركية، حتى وصم الكرد في شمالي كردستان بالبُكم، لأن الكردي كان يلجأ إلى لغة الإشارات بغية التهرب من الغرامة المالية التي أقرها البرلمان التركي منذ عام 1925.
أما في الجزء الكوردستاني الملحق بسوريا، فكانت السلطات تصدر بين الفينة والأخرى مراسيم التعريب المتضمنة عبارة: (يُمْنَع التكلم بغير العربية)، وتعمّمْها على المؤسسات الحكومية، بهدف استئصال اللغة الكردية وتجريد الكرد من لغتهم الأم من دون ذكرها، لئلا يوحي ذلك إلى الاعتراف المباشر بوجودها.
وفي جنوبي كوردستان، رغم اختلاف الأمر نسبياً، ثمة اختراقات على هذا الصعيد، فهناك جهود لاستغلال العامل الديني كمطية لترويج العربية كونها لغة القرآن، مما يستوجب - وفق منطقهم - أن يتقنها كل كردي بالضرورة، لذا ترتفع أصوات مكبرات الصوت بالعربية في خطبة الجمعة والمناسبات الدينية في إقليم كوردستان، وها هنا يكمن الدور السلبي للعامل الديني.
ألم يقل مانديلا: "إن خاطبتَ شخصاً ما بـ "اللغة السائدة"، فإنك تقومُ بعصفِ ذهنِهِ، بيد أنك إن تحدّثتَ معه بـ "لغته الأم"، فإنك حينئذ تنقر على أوتار قلبه"؟