الثبات النفسي

الثبات النفسي

هنر بهزاد جنيدي

حين يتعرّض الشخص منا إلى كارثة ضربت كيانه النفسي والحياتي فإنه بشكل إرادي أو لا إرادي يبحثُ عن مخرجٍ يساعده على إعادة التوازن لكيانه، ويكون هذا المخرج بوسائل وطرق تحفيزية مختلفة ومتداخلة، أياً كان العنوان أو الحافز فإن الهدف واحد وهو إعادة النفس والجسد إلى الطريق المؤدّي إلى الاستمرارية والتقدُّم لا إلى الإحباط والاستسلام بعد تلك النكبات، وغالباً فإن إعادة ذاك التوازن يكون منبعه من الداخل بعد محاورات حزينة وعنيفة لكنها حكيمة وواقعية بيننا وبين ذواتنا وأرواحنا.
حوارات حكيمة نصل بعدها إلى قرار التناسي والنهوض ومعاودة القتال في معركة الحياة والتي لا نراهن فيها على الفوز -لأنه يستحيل الانتصار على الحياة -بقدر رهاننا على الصمود لأطول مدة ممكنة.
على طول محطات الحياة يقفُ الإنسانُ أمام كلّ كبوة متأملاً الطريق الذي سيسلكه بعدها، أيقفُ متفرجاً ومتحسراً ويركض دائرياً حول نفسه فيصيبه الهلاك والتعب وهو واقف في مكانه يأكل الهم نفسه أو أن ينهض، ويأخذ طريقه مستقيماً حيث المستقبل؟!
الإنسان الحكيم ينهض، ويستمرُّ، ويتركُ آثارَ دمائه وزفرات أحزانه خلفه ويركض بعيداً نحو حلمٍ آخر دون أن يؤمن بحتمية تحقيقه -نعم لا نستغرب- فالنضال في الحياة واجب مفروض علينا، ولكن تحقيق الأهداف والأماني شيء آخر تماماً.
الثبات النفسي لا يأتي، ولا يستقر في الروح إلا إذا أنشأنا في ذواتنا شبكة من الأفكار والقناعات المترابطة والمنسجمة فيما بينها والتي تولد في النهاية قوتين مختلفتين لكنهما متكاملتين وهما:
أولاً: عقلية التقبل والرضى.
ثانياً: إرادة النهوض والاستمرارية.
يقول تشيخوف: «عليكَ أن تعلم علم اليقين أن المرءَ يخوضُ صراعًا بينه وبين نفسه كل يوم، مع ألف هَم، وألف حُزن، ومائة ضعف؛ ليخرج أمامك بكل هذا الثبات»
ليس سهلاً أن نطلب من أرواحنا كل هذا الجمود، وليس سهلاً أن تلبس أعصابنا رداء البرودة والتظاهر باللامبالاة أمام أحكام وعثرات الحياة القاسية هذه، ولكن الأصعب والأقسى هو الخروج مهزومين من ساحة هذه المعركة المُسمّاة بالحياة في جولاتها الأولى دون أن نعلِّم عليها بابتسامة ساخرة، ودون أن نشغلها بصمودنا ومحاولاتنا الدائمة والمتكررة، فالحياة عبثية كما يعتقد ألبير كامو، ولكن يجب مواجهتها بكل شجاعة حتى الرمق الأخير.
في النهاية نحن هنا لتخفيف آثار الصدمات الحياتية لا لحلها أو إيقافها.