أغنية «أي فلك» في قفص الاتهام!!؟؟

 أغنية «أي فلك» في قفص الاتهام!!؟؟

محمود عمر

أغنية «أي فلك» من التراث الكردي، ربما لا يعلم أحد من هو مؤلف كلماتها، ومن قام بلحن كلماتها، ولكن يكاد كل الكرد يعرفونها، ويغنونها في مناسباتهم السعيدة منهاـ على قلتهاـ والحزينة، والأغنية في مجملهاـ وإن كان قد حصل ومع الزمن بعض التغيير أو التحوير في كلماتها، أو في لحنها، أو في طريقة أدائها تندب واقع الكرد الكئيب حين تقارنه بفترات من ماضيهم الجميل، لم يتعرض وطيلة قرن من الزمن أحد للأغنية أو للأشخاص الذين يغنونها سواء أكان من عامة الناس أو من الفنانين وفي أي محفل أو مناسبة كانت، ولكن يبدو إن الأمر اختلف هذه المرة، فما إن صعد مغني الحفل المنصة التي أعدت لمناسبة زفاف عروسين وبدأ بالغناء وما ان وصل الى أغنية "أي فلك" حتى تواجد وعلى وجه السرعة عدة دوريات واقتحموا المكان، استغرب الناس الأمر وظنوا إن أمرًا جللًا ـ يجهلونه ـ قد حدث، وان ذلك قد استدعى هذا الاقتحام المفاجئ لقوى الأمن لمسرح الاحتفال، ولكن دهشة المحتفلين كانت أعظم حين رأت عناصر الأمن، ومن فورها تصعد المنصة وتقوم باعتقال المغني وكامل أعضاء فرقته والمصور بحجة غنائه لأغنية محظورة وممنوع غناؤها، وكذلك قيامها باستدعاء واعتقال من سبقه في إحياء هذا الحفل، تدخل الناس والحضور وصاحب الصالة لدى العناصر الأمنية محاولين إقناعهم إن كل الأعراس والمناسبات الكردية قديمًا وحديثًا تتم على هذه الشاكلة وان هذا ليس بالأمر المستحدث، وإن أغنية "أي فلك" كباقي الأغاني الكردية هي أغنية فلكلورية وتؤدى في كل المناسبات، وليس هناك أي أمر غريب أو غير مألوف يستدعي مثل هذا التصرف العجيب والأرعن، ولكن يبدو إن الجماعة كانوا يدركون ماهية ما يقدمون عليه، وانه ذلك من صلب مهامهم التي كلفوا بها، لذلك لم تنفع كل المحاولات والاستجداءات، وقدروا للمناسبة أن تتحول من الفرح والسعادة الى حزن وترح، دون أدنى مراعاة لشعور الناس والعروسين وذويهم، تم اقتياد الجميع إلى جهة أمنية وبعد عدة أيام من التحقيقات وبعد إن نال المعتقلون نصيبهم من التعذيب الجسدي والنفسي ـ حسب ما أوردوه من أقوال فيما بعد أمام القضاء، تم إحالة الجميع إلى القضاء العسكري بعد أن وجهت إليهم النيابة العامة العسكرية تهمة إثارة النعرات الطائفية وإضعاف الشعور القومي المعاقب عليه وفق المادة 307 من قانون العقوبات السوري، والركن المادي للجرم أدائهم أغنية "أي فلك" وربما بعض من أخواتها؟
حددت جلسات للمحاكمة وتم إحضار المعتقلين في اليوم المحدد للجلسة من السجن إلى قاعة المحكمة للاستجواب والمحاكمة ولكن المعتقل الملك في هذه الدعوى والذي يتعرض للمحاكمة والاستجواب هو وعذرا للتذكير بدل الـتأنيث أغنية "أي فلك" بذاتها، وليس مجرد شخوص قد تفوهت ألسنتهم بكلماتها.
حلف المغني للأغنية وهو المتهم الوزير من بين زملائه كونه هو من أداها بأغلظ الإيمان بأنه رجل أمي ويعتمد فقط على ذاكرته في حفظ كلمات الأغاني، ولا يدرك معنى مجمل ما يؤديه من أغاني، ومنها هذه الأغنية، وهذا العمل هو مصدر رزقه الوحيد، واستغرب كيف تم اعتقاله وسجنه كل هذه المدة لأجل غنائه لهذه الأغنية، فطالما وطيلة عقود من الزمن وهو يؤديها وغيرها من الأغاني وفي كل المناسبات وعلى الملأ والعلن ولم يسبق إن منعه أحد أو أشار إليه بعدم وجوب غنائه لهذه الأغاني، واسترسل في شرح حالته، وظروفه، ومرضه، والتعذيب الذي تعرض له ولكن المسكين لم يكن يستوعب بأن الذي يحاكم من خلال شخصه أغنية تدعى "أي فلك" تثير النعرات الطائفية وان هذه الأغنية لو كانت رجلا لتم اعتقاله، ولما كان هنالك من داع لوجوده في هذا المحاكمة بالأساس ولكان قد نجا بنفسه ولكن سوء طالعه إن "أي فلك" مجرد أغنية قد نطق لسانه في تلك المناسبة بكلماتها.
استجوب القاضي بقية المتهمين الذين نفوا كل صلة لهم بالأغنية فبعضهم لم يكن موجودًا بالأساس في مكان الحفل والآخر صرح بأنه مصور، وصاحبه مجرد ضابط إيقاع، وزميله فقط يعد العدة للحفل، لم تشفع كل هذه الأقوال ولم تكن كافية لتبرئة ساحتهم. تتالت الجلسات، أخلي سبيل البعض بعد مكوثهم في السجن عدة شهور وبقي المغني المتهم الوزير في هذه الدعوى، يقضي أياما أخرى من حياته في السجن بعد أن حكم عليه القاضي بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة إضعاف الشعور القومي، وبعث الوهن في نفوس افراد الأمة وإثارة النعرات الطائفية ولم تفلح كل مساعينا في الدفاع والمذكرات الخطية التي قدمناها للدفاع وإفناد التهم وعناصرها في ثني القاضي عن قراره المعلب، ولكن المتهم "أي فلك" حوكم معنويًا بالمنع من التلفظ بكلماته وألحانه مدى الحياة وما زال هائمًا تائهًا في البراري يخشى عيون وآذان العسس، وما زال متهمًا ومطلوب للاعتقال أينما وجد، لم تشمل جرمه ألا وهو إثارة النعرات الطائفية وإضعاف الشعور القومي كل مراسيم العفو الصادرة، المتهم الملك في هذه الدعوى أغنية تدعى "أي فلك"