عادات الشرق وأخلاق الغرب

عادات الشرق وأخلاق الغرب

لارا أيوب

مَن يقرأ هذا العنوان سيتوقف للحظات، ويعتقد أنّ هناك خطأٌ مطبعياً أو ربما لغوياً من الكاتب، وسيُعيد ترتيبها كالتالي..
"عادات الشرق ولا أخلاقية الغرب ".لأنّ العقل إذا شبّ على شيء شاب عليه، ونحن قد تعلّمنا دوماً أنّ الغرب يفتقر إلى الأخلاق، على مبدأ؛ "المجتمعٌ الخالِي من العادات، لا يحمل في قلبه ذرة أخلاق ".
فهل هذا هو الواقع أم أنّ ثمّة حقيقة لم نرَها، أو ربّما تعمّدنا عدم رؤيتها لنبقى مقتنعين أنّ العادات المجتمعية المتوارثة هي التي تمنح الشعوب الأخلاق وأنّ الشرق لا بدّ له أن يكون مجتمعاً خلوقاً، (أنتَ من الشرق إذاً أنت خلوق رغم شذوذك)! أما إذا تطرّقنا قليلاً لمناقشة مفهوم الأخلاق، وبدأنا من الأخلاق العاطفية في الشرق لوجدنا أنه في المجتمع الشرقي فقط هناك من تتعرّض للابتزاز دون أن يكون لها حق الدفاع عن نفسها، الأنثى في مجتمعنا كثيراً ما تتعرض للابتزاز، وكثيراً ما كانت نتيجة هذا التصرف اللاأخلاقي كارثة أنهت حياة الفتاة بصمت، ودون أن يعرف أحدٌ سبب المشكلة لكي لا تكون فضيحة للعائلة ( كما هي العادات)
ولو تطرقنا لمناقشة الأخلاق الاجتماعية لرأينا أنّ عادة الرشاوي تنتظرك أمام كلّ بابٍ حكومي ستطرقه، وأنّك إن كنت رجلاً فقيراً اجلس في منزلك، وانسَ أنّ هناك حكومة سوف تقضي على هذا الفساد ولا أخلاقية المهنة، وأنك في أول مشكلةٍ تتعرّض لها من رجلٍ ذي سلطة ستكون أنت مَن يتحمل المسؤولية إذا تجرأت، واشتكيت عليه، فهو على حق رغم خطئه وجريمته.
عندما ندخل في سياق الحديث عن الأخلاق الإنسانية سنصطدم كثيراً ونقف حائرين أمام مواقف تفتقد فيها الإنسانية، فمثلاً الطفل الذي لا يقوى حتى على الدفاع عن نفسه كثيراً ما يتعرض للعنف من أبويه، وكثيراً ما يتوجّب عليه السكوت لتبقى صورة عائلته محترمة في المجتمع، ولم يتوقّف التعنيف فقط في مرحلة الطفولة بل الطفل يبقى ملزماً بكلّ ما يقرره أهله سواءً في المستوى التعليمي/ الاجتماعي وأحياناً حتى حياته الزوجية تكون بقرار من أهله، ليبقى في نظر العائلة الولد المُرضي، ولا يتحول لشخص منبوذ إذا حاول ولو لمرة معارضة رأيهم في أيّ موضوعٍ كان وخرج عن الخط الاستوائي الذي رسمه المجتمع للجميع، بينما الطفل في المجتمع الغربي يبقى سيّد نفسه رغم ضعفه وصغر سنه، ويبقى محمياً من كل أنواع العنف الأُسري.
الفقير الذي لا يملك في منزله ما يُليق بفكر المجتمع الشرقي الذي دوماً ما يهتم بالمظاهر الخارجية يبقى منسياً في ذاكرة مجتمعه، لا يزوره أحد إلا في موته، بينما أنت في المجتمع الغربي مرّحبٌّ بك حتى وأنت ترتدي قميصاً قديماً، إنهم لا ينظرون إلى ثياب بعضهم بقدر ما ينظرون إلى ما يحملونه في عقولهم وفكرهم.
أخيراً، والقضية التي لا تزال عالقة إلى يومنا هذا ولا نزال نشاهدها في حياتنا اليومية هي مسألة الوالدين اللذين يقضيان حياتهما وهما منشغلان في تربية أطفالهما لكن كثيراً ما يكون مصيرهما أنهما أيضاً يتعرضان للعنف من أبنائهما وكثيراً ما يتمنون الموت لتنتهي المذلة من حياتهما.
صحيح أنّ الغرب يأوي العجزة في دار المسنين لكن الفرق بين المجتمع الشرقي والغربي في هذه المسألة أنّ المسنّ في الغرب يبقى بعيداً عن أولاده لكنه يموت بكرامته و في الشرق يموت مذلولاً في حضن أبنائه .
لنقف عند هذه النقاط، ونتأكد أنّ الأخلاق لا يكفي فيها أن تكون مجرد قواعد طرحها المجتمع في عصر ما، وفرض علينا الاقتناع بها، الخارج عن العادات في الشرق مُعرض لكل أنواع العنف.
السياسة مفروضة علينا، الطائفة مفروضة علينا، الطبقات المجتمعية مفروضة علينا، العنصرية مفروضة علينا.
إذا عنّفك أحد أقربائك كلامياً يجب أن تصمت فأنت كيف تتحدث بوجه الأكبر منك سناً والوصي عليك! حتى إذا كنت أنت على حق، وإذا أخطأ الفرد الشرقي في أمرٍ صغير، صغير جداً فجملة (ألست واعياً) هي الجاهزة في كل فم سيُفتح.
أيُّ وعي والإنسان في الشرق يولد، ويكبر، ويشيب وهو مربوط ومروّض بكل أفكار وعادات الأجداد والجيران والعشيرة والطائفة.