لا تثرثر أيها الواهم

لا تثرثر أيها الواهم

سمير ميراني

تفسير سلوك الإنسان ككائن حي (انثروبولوجياً) من النواحي الفيزيقية والفيزيولوجية والسيكولوجية والاجتماعية للوقوف على معرفة حقيقة هذا الكائن الذي يعيش خارج نطاق المجتمع المألوف وبيان مدى خطورة أوهامه الهُلامية على نفسه والمجتمع سواء، خاصةً إن التقدم التكنولوجي والتطور المعرفي أدى إلى تقدم علم الانثروبولوجيا في المجتمعات الطبيعية من ناحية اهتمامها بصفات البيولوجيا للأجناس، ومراحل ظهور الكائن الحي إنسانياً وتطوّره إبتداءً من مرحلة الحيوانية البشرية الناطقة.
ضمن هذه المجتمعات الطبيعية هنالك بعض جماعات ذات ثقافات قديمة رثّة مشبعة ومشوهة بموروث (فطري ومكتسب) أخطرها الثرثرة المقيّدة بالأوهام العارية حال التعرّض لفشلٍ وانتكاسة أو ضغطٍ على المُخيخ يصيب خلل في إشباع الأوهام، يفقده السيطرة على حركاته ومدركاته الفكرية، فينطلق اللسان ليفضح صاحبه غير مذعنٍ للعقلانية في سلوكه ودوافع تصرفاته، من أجل الحصول على الإشباع الفوري لرغباته الدفينة علّ سلوكه هذا يخمد لهيب حاجاته الوهمية .
هذه حقيقة دامغة لكائن حيّ يعاني من اضطرابات القلق الاجتماعي وُقد ثقافية واجتماعية تجبره على التعايش مع الفرد الناضج فكرياً ومجتمع واعٍ متطوّر مدرك، إلا أنه يفشل في التأقلم لتناقض المفاهيم الشخصية وازدواجية المعايير نتيجة خلل في مدركاته اللاشعوري يفقده توازنه الاجتماعي.
هذا الصراع بين مكنوناته الداخلية مع خطورته العظمة على كيانه البيولوجي الذي ينفروه البيئة الطبيعية (الايكولوجية) هذه البيئة يفرض عليه معرفة سريرة نفسه وعِلل أناه، ويقف على ميوله، ويفحصها، ويفسّر أوهامه وأحلامه لكي يعالج أمراضه النفسية ومخاوفه غير المنطقية ، لأن الخوف هو العدو الأول للتفكير السليم ،يحيطه هالة من الخيانة يربك صاحبه ويزيد غشاوة على بصره ليطرد الخجل من سلوكه فينطلق اللاواعي المعتنق للأوهام الذي يؤمن به لإثبات تناقضه في قناعاته ومعتقده .
من مبدأ إنساني سليم وواعٍ ونهجٍ كان ومازال يؤمن بالتسامح والتعايش السلمي، نتقبل اختلاف الآراء ومعتقدات الآخر ونسمع أوهامهم، لأن التنوّع سمة الإنسانية وروح المعرفة النابض، ولكن لا نردُّ على معتنق الأوهام والأحلام لنثبت وهمهم المتناقض، فتلك مسألة غير سليمة علمياً ومنطقياً وبلا جدوى إنسانياً،لأن الردّ سيشجّع المتوهّم أكثر للمضي قدماً والإصرار على أوهامه عوض إصلاح نفسه وترقيتها، وقبل أن يتحوّل رؤياه فيما يرى النائم إلى جاثوم حياته .
لذلك لا تثرثر كثيراً أيها الواهم المشوش فخير الفضائل الصمت، ولا تتمادَ حين نتغاضى عن أوهامك .