عيدية الأطفال بين عفرين وقامشلو

عيدية الأطفال بين عفرين وقامشلو

فاضل محمد

حالي كحال معظم السوريين الذين يتلوّون بمرارة البعد عن دورهم، خاصة أيام الأعياد وهم في منافيهم القريبة قبل البعيدة، بعد أن اضطرتهم موجات التهجير النزوح التي ضربتهم ففرقت بين الأهل والأقرباء، التزم المنزل ولا أخرج حتى للمشي على أرصفة شوارع الغربة، بل وإنني منذ أكثر من أربعة أعوام بعد خروجي من عفرين، قلما أرد على الاتصالات الواتسآبية وقوالب الرسائل الجاهزة أو أنشر منشورا فيسبوكيا أبارك فيه للأصدقاء حلول العيد، لعل موقفي هذا ينبع من الرفض لما آلت إليه أوضاعنا أو تهربا من ذكريات أخاف أن تخطر في بالي وتسبب لي الصداع.
هنا في مدينة قامشلو بعد أن رمتني موجة النزوح والتهجير من عفرين إلى ضفتها، يبدأ عيد الأضحى مثل معظم المناطق بزيارة الأهالي للقبور، محملين بالورود والفنن الخضراء لوضعها على ترب أحبائهم، تليها تلاوة سور من آيات القرآن الكريم عند القبر، كما يتبادل الأهالي قراءة الفاتحة لأرواح متوفين من أقربائهم ومعارفهم عند يلتقون ببعضهم في ممرات الذهاب والإياب بين القبور.
تتوجه النسوة بعد الانتهاء من زيارة القبور إلى منازلهن لتحضير وجبة الإفطار للعائلة وترتيب البيت لاستقبال الضيوف، فيما يتوجه الرجال في طريق العودة إلى المساجد لحضور خطبة العيد ومن ثم أداء صلاة العيد جماعة، قبل أن ترتفع نداءات تكبيرات العيد سبع مرات متتاليات إيذانا بدخول العيد والصلاة، ومن يشرع المصلون بقبول التبريكات بعد الفراغ من أداء صلاتهم وعلى أبواب المساجد والأسواق، والحارات على طريق العودة إلى المنزل.
وتشترك قامشلو وعفرين بتشكيل وفود من وجاهات العائلة لزيارة الأقرباء باكرا على شكل أسراب يخرجون من بيت ليدخلوا بيتا آخر - هكذا جرت العادة- وأخيرا يجتمعون في بيت العائلة – البيت الكبير، وتبدأ الصياح والمناقرة بين الكبار قبل الصغار، بالإضافة إلى أنه في عفرين حيث ينتهز وجهاء عائلتين أو ثلاث أو أهالي الحارة الفرصة في صباح؛ لعقد صلح بين أشخاص أو عائلات متخاصمة، فيما ينشغل آخرون بالأضحية من ذبح وسلخ وتنظيف وتقسيم حصص اللحم مع الإكثار من الدهن قبل توزيعها، بعد أن يتشاجروا على أحقية كل واحد منهم بجلد الذبيحة وكيل الاتهامات لبعضهم باستيلاء أحدهم دائما على الجلد دون الآخرين.
الآن يأتي الدور على الأطفال، فقد اعتدنا سماع العبارة المعهودة من قبل الكبار في العمر من الآباء والأجداد "العيد للأطفال... العيد مو ألنا"، وحقيقة فلولاهم لما كان للعيد بهجة وسرور، فتراهم يلعبون في الحارات بملابسهم الجديدة، وهنا سأحدثكم عن إحدى العادات التي عاينتها هنا في قامشلو، حيث يبدأ الأطفال ليلة العيد بالتجمع في الحارة وكل منهم قد أتى بملعقة وطنجرة أو صحن أو صينية (سفرة صغيرة) أو أي ماعون معدني وآخرون يحملون عبوات بلاستيكية وعصا صغيرة ويبدؤون بالقرع عليها، ويرافق ذلك هتاف "سيدي سيدي سيدي إيشف إيفارا عيدي".
وصباح اليوم الأول من العيد يتجمع الأطفال على شكل "شلة" في المدينتين، وتبدأ رحلة جمع العيدية بالطرق على الأبواب بيتا بيتا في الحارة، إلا أن الفارق بين عفرين وقامشلو الأولى أن عيدية الأطفال تقتصر على النقود دون شيء آخر، أما في الثانية فيوزعون سكاكر العيد فقط.
وطرق أطفال الحارة الباب في اليوم الأول كما هو معتاد وكنت مستغرقا في النوم ففتح أخي الذي يزورني للمرة الأولي هنا في المدينة ونسيت أن أخبره بهذه العادة، ليرى أطفالا يطلبون سكر العيد، فجاء ليوقظني وهو متفاجئ أن عددا من الأطفال "الشلة" في هذا الوقت الباكر يريدون العيدية، ويسألني عن السكاكر... فاضل أين السكاكر؟ فقلت له: اعطهم "كليجه" لم اشتر سكر العيد.
نسيت أن أخبر أخي ليلة العيد أن غدا في الصباح الباكر سيطرق الأطفال الباب كي لا يتفاجأ، وأيضا تنبهت لموضوع آخر مهم وأنا أكتب المقالة... أطفال قامشلو يتعرضون للغبن على مدار سنوات بقبول سكر العيد فقط، في حين أطفال عفرين وأنا كنت منهم يوما ما لم نكن نقبل إلا النقود عيدية... "يلا نوال"... "مد أيدك ع الجيبة".