مناجاة روح بائسة

مناجاة روح بائسة

ليلى عثمان

أتصدق حقاً إنني غادرت حياتك؟ لماذا الابتسامة والدموع تنهمران من عينيك، كل الوقت كنت تقول لي: سأغادر الحياة قبلكِ وأنا ابتسم لك وأقول: لا لا أنا من سيرحل ....أنا من سيرحل وكنت ابحث من خلال ذلك عن مقدار حبك لي ومقدار تمسكك بوجودي في حياتك ..... ولا مرة جعلتني أشعر بذلك ... كنت انتظر ُ لاسمعك.....لا أدري....أكنت تحبني أم لا؟
أم أنك هكذا أنت لا تفصح عما تشعر به في الغالب ولكن..........كنت كالشجرة التي احتاجت منك لكل لحظة اهتمام ورعاية وتطول اللحظات التي انتظر فيها لسماع الكلمة اللطيفة التي تكون سبباً في استعادة طاقتي وقوتي لمتابعة الحياة..............نعم لقد غادرتك..
اتراك تشعر بذلك الآن؟ لا أدري فأنا لست معك لأحكم عليك أو بالاحرى، ما نفع ذلك إن كنت تشعر أم إنك لا تشعر، فالأمر سيان........حسناً لننسَ كل هذا، ولنتذكرمعاً بعض اللحظات الجميلة التي قضيناها معاً، أتذكر عندما كنا جالسين على تلك الصخرة في أعلى التلة بداية ارتباطنا أتذكر؟ كم تحدثنا كثيراً قلنا سنفعل هذا وذاك وسنؤسس لحياة تجمعنا معاً حياةٌ ملؤها الفرح والسرور هل تتذكر؟ أخبرتك إنني أريد أن أنجب منك ولداً وبنتاً.....لا يهم ماذا سنسميهم بل المهم أن أكوّن معك أسرة...... وأنت ماذا كنت تقول: أريد فريقاً من الأولاد عندها ضحكت طويلاً وقلتُ:أتراني أرنبةً لأنجب لك اثني عشر طفلاً وطفلةً؟.كانت أياماً جميلةً.
مرت السنوات، ونحن نعيش معاً تارةً بفرح وتارةً بحزن ولكن لم نترك لليأس مجالاً ليؤثر على علاقتنا أبداً، وعندما كنت أراك وأنت تهتم بي وتساعدني في كل أمور الحياة كنت أستمد منك كل قوتي وأشعر بأن للحياة معنى أما اليوم الذي أراك فيه حزيناً لا أحسبه من عمري، وكان يمر ثقيلاً لدرجة لا تحتمل.
أبكي فيها دون أن أدعك ترى دموعي وهي تنهمر بغزارةٍ، كانت الآهات والحسرات تملأ قلبي، وعندما كنت تأتي وتتحدث إلي كانت تلك الغمامة تزول وتختفي.
ثم ابتسمت وقالت: أتذكرعندما رزقنا بأول طفلٍ لنا؟ لا لا قبل ذلك أتذكر عندما أخبرتك بأنني حامل بطفلنا الأول، جئت إليك وهمست في أذنك...ستصبح أباً........يا الله ........لاحظت كل جزء فيك يطير فرحاً وتلك الابتسامة التي رسمت على وجهك لن أنساها أبداً، وكأنك استمدت مخزوناً من الطاقة شعرت بأن قلبك سيخرج من جسدك لشدة وقع الفرحة عليه.
نعم لقد تعبنا معاً كثيراً ولكننا ساندنا بعضنا البعض في تربيته على الأخلاق الحميدة، في كل مرة كنت ترجع من العمل منهكاً كنت أفعل ما باستطاعتي لأخفف عنك ولو قليلاً......لا أدري ربما هي طريقتي الخاطئة أو ربما أنك أنت الذي لم تفهمني لأنني في أغلب مراحل حياتي معك وبالأخص في الشدائد لم أجدك بجانبي لتدعمني. كم تمنيت في قمة حزني ويأسي أن تضمّني بكلتا يديك وأن تسمعني كلمة تخفف عني حزني.
كنت أنتظر طويلاً، ولكن دون جدوى!! لا لا تبرر لي فلم يعد يفيد ذلك، لم تكن تعبر لي عن حبك واهتمامك ..لا أدري هل كنت تحبني أم لا؟ ولكنني اليوم غادرتك، نعم غادرتك إلى غير رجعة، لا لا تذرف الدموع على فراقي...لأنني لن اشعر بحزنك....أتعلم لماذا؟ لأنني الآن أصبحت بعيدة جداً عنك.......ولكن الغصة التي بقيت في قلبي والجرح الذي لن يندمل أبداً هي صغيرتي سلاف التي أكرمني الله بها والتي شعرت حقاً بأنني أمٌ عندما أنجبتها.... طوال الوقت كانت تلعب حولي تلاعبني، كبرت وأنا أشكر الله في اليوم ألف مرة لأنه أعطاني إياها.
ابنتي سلاف كانت تلاحقني طول الوقت وهي تطلب مني أن أحضنها وأنا أقول لها ليس هذا وقت الأحضان في كل مرة أردها عني، وهكذا مرت الأيام دون أن أشعر أنني أفقد فرصةً لن تعوض أبداً، وهكذا كبرتُ وصحتي تدهورت نتيجة المرض، ولم يعد بإمكاني استرجاع تلك اللحظات السعيدة .
ستبقى غصةً في قلبي، ستكبر، أأأأأأأأأأأأأأأأأأأأه أه وأنا لم أشبع من احتضانها كل الوقت بالأحرى هي لم تشبع من حضني ومحبتي، أتذكر يوم ولادتها وكأن عرساً في بيتنا؟
بنت كالقمر نورت حياتنا، حمدتُ ربي كثيراًعلى تلك النعمة التي أنعم بها علينا، لكن لا أدري ربما أنا التي تغيرت .....فأنا عصبية كل الوقت، وتلك العصبية قد حرمتني من كثير من الأمور الجميلة في الحياة كالشعور بالفرح ومحبة من حولك.
صغيرتي، أعتذر منكِ، أعتذر، وأجهشت بالبكاء، لأنني لم أعطكِ حقك من الرعاية والاهتمام ولم أشعركِ باهتمامي وحسرتي عليَّ، ستكبرين ولن تجدي أمك بجانبك لتدعمك وتساندك في حياتك وقراراتك ...حسرتي عليكِ..........ولكن لا تحزني يا بنيتي فلك أبٌ طيب القلب وإخوةٌ يحبونك بقدر أرواحهم.
وماذا بعد؟ الآن بدأت تتنهد لأنك شعرت برحيلي، لكن ماذا؟ ا الفائدة؟إذا كنت بدأت تشعر أو لا، فالمسافة قد بعدت كثيراً بيننا قد بعدت فوق ما تتصور، فقد كنت البارحة معكم، واليوم لا.
اعتذر منكم جميعاً، إذا بدرت مني أي بادرة أزعجتكم أو أي موقف أشعركم بحزنٍ، اعذروني لأنني دائماً كنت لكم خير سند ...نعم .... لقد ساندتكم حتى آخر يوم في عمري، والآن،حان وقت الفراق...فالروح قد غادرت الجسد....ولكن لا .... لا تحزن......
أيامٌ وستنسى ربما ستنسى ...أو ربما لا ....ولكن تذكردائماً إنه كانت هناك إنسانة تحبك وتعشقك بطريقتها...فلا تلُمها، واعطها عذراً إن استطعت ....لأنك والله لو بحثت في كل الكون فلن تجد مثيلاً لها في حبها وإخلاصها.
كما يقال فالندم لا يفيد فنحن فعلاً قد وصلنا إلى مرحلة لم يعد الندم يفيد في شيٍ..استميحك عذراً سوف اذهب لأن الروح قد غادرت ولم يعد لي خيار غير الرحيل والمضي إلى قدري ...ولكن وصيتي لك اطبع قبلاتك على وجوه الصغار حدثهم عني بطريقة تبقيني في ذاكرتهم أخبرهم إنني أعتذر منهم لأنني غادرتهم باكراً وقل لهم أن يسامحوني فكثيرة هي المرات التي سامحتهم فيها
اترك يدي فقد حانت لحظة الفراق لا تصعب الأمر عليَّ كثيراً، .أمضِ في طريقك.....فالحياة أمامك.....لا تطيل النظر خلفك .......واجعل وجهتك إلى الأمام وكن سنداً لأولادنا من أجلي.أتستطيع؟أخبرني........أريد أن أطمئن قبل الرحيل ........حسناً ........الوداع.........الوداع