" العسكري هو أبي "

منى عبدي

لم أكن أدرك ما معنى الحرب وقتها ! فقط كنتُ عالقة تحت جسر الإنتظار ، المعارك مع الحياة صعبة لم نكن كباراً لنشعر ما تعيشه والدتي وحدها ، في إنتظار أبي الغائب منذ شهور ، فلم نعش العتمة التي عانت منها طوال هذه المدة ، تراكم كل شيء بداخلها لتجعلنا سعداء في غيابه ، أبي الجندي البعيد ... لم نكن نعرف ما إذا كان قد ينام على التراب في الخنادق أو يعيش حر الصيف وهو عطشان ، إن كان جائعاً أو متعباً لم نكن نعرف ... أخبار أبي مقطوعة منذ شهور بعيدة ....!!؟
أمي و إخوتي وأنا نعيش في بيتنا الترابي ذي الغرفتين والمطبخ الصغير ، مازلت أتذكر خزانة أمي الزرقاء كانت مليئة ب الأواني" القزاز" كانت تقول دائما والدكم في كل مرة يأتي بها من لبنان حيث يكون هناك . كانت ليلة من ليالي الصيف أتذكر جداً تفاصيلها أنا وأختي والكثير من الأطفال الذين كنا نلعب ( الغميضة ) معاً في الساحة المعروفة في وسط القرية ( ساحة المقبرة )
كان التراب في كل مكان وثيابنا الريفية الجميلة المغبرة في العتمة ونحن سعداء بما نحن فيه ، أتذكر أن البئر الكبير كان هو الهدف للجميع. من يصل إليه كان قد وصل إلى بر الأمان في اللعبة ، هكذا كنا نستمتع في اللعب . فجأة وأنا أركض وإذ بشخص غريب قد أمسك بيدي وبقوة كبيرة واحتضنني .. !! سألني هل أنت وحدك تلعبين مع الأطفال أم أختك معك ؟؟ نظرت إليه. إلى ذلك الوجه الذي أتى من المعركة وروايات النصر مغروسة في قلبه . نعم أختي معي ، ناديت أختي وطلب منا أن نرافقه إلى منزلنا . كان يحمل على ظهره حقيبة سفر ويلبس بوطا أسود . لم أعرفه ولم تتعرف أختي عليه ، وسأل إذا ماكانت والدتي في المنزل يبدو أنه كان جائع جداً ويريد أن يتناول الطعام .
عند الاقتراب من المنزل بدأ الضوء يعكس على وجهه نظرت إليه. دمعت عيناي وقلت له بصوت عال مليئ بالشوق والفرح أنت أبي ... !!! فضحك وقال ابنتي نعم أنا والدك .....
لم أنتظره لنصل معاً إلى المنزل من الفرحة . ركضت لأبشر والدتي وأنا اصرخ بأعلى صوتي :
لقد عاد أبي لقد عاد أبي ........ السعادة لا توصف أبي الذي لم يكف عن الإبتسامة والضحك حتى وصوله إلى المنزل وقبل السلام يقول لوالدتي:
بنتاك لم تتعرفا عليّ !!!.