المواطن الكوردي... وإنهيار واقع المعيشي والتعليمي

المواطن الكوردي... وإنهيار واقع المعيشي والتعليمي

عزالدين ملا

مع دخولنا العام 2022، ازدادت معاناة الشعب السوري عامة والشعب الكوردي خاصة فوق معاناته أضعاف، الوضع الإقتصادي والمعيشي للشعب الكوردي في تدهور مستمر، لا محروقات ولا كهرباء ولا مواد غذائية رئيسية كـ السكر وغيرها، إضافة إلى إرتفاع أسعار المواد الغذائية أمام الدخل المواطن المحدود جدا، قد تصل في كثير من الأحيان إلى ما دون الصفر. وبحسب ما لاحظناه أن فقدان معظم تلك المواد كانت قبل إغلاق معبر فيشخابور.
أمام كل هذا وذاك والوضع التعليمي المتدهور، ووصل به إلى أسوأ حالاته، وخوف الشعب الكوردي من مستقبل أبنائه المجهول، وخاصة بعد إلغاء الإدارة الذاتية لنظام الاختبارات الأساسية التي تحدد مستوى الطالب الذهني والعقلي وقدرته على بناء مستقبله والتي تنعكس بشكل مباشر على مستقبل الشعب الكوردي التعليمي والمهني والتخصصي.

1- ما تحليلك لكل ما يجري على الساحة السورية عامة والمناطق الكوردية على وجه الخصوص؟
2- لماذا هذا الفقدان في المواد؟ وما سبب إرتفاع أسعارها الكبير؟
3- كيف ترى النظام التعليمي المتداول في المناطق الكوردية والقرارات المتخذة؟
4- ما المطلوب للحفاظ على مستقبل أبنائنا التعليمي والمهني؟
5- ما الذي تنصحه للأطراف الكوردية لتدارك ما يمكن تداركه للحفاظ على ما تبقى من الشعب والوطن؟

الإلتزام بالواجبات الوطنية لبناء دولة المواطنة
تحدث المستشار القانوني، موسى موسى لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «قبل الأزمة السورية لم تكن سورية قطعة من الفردوس، فالنظام السياسي وأسلوب الحكم والإدارة بلغا حداً لا مثيل له من التخلف والفساد ناهيك عن تعامل مؤسسات الدولة، وخاصة الأمنية منها، مع المواطن ما أثر سلباً على كافة الأوضاع في البلاد، من اقتصادية وسياسية وتعليمية وثقافية واجتماعية عامة وأثر بشكل واضح على حياة ومعيشة المواطن الفرد وإزداد من معاناته، هذا التراكم السلبي خلق ذعراً عاماً من استمرار الأوضاع وضرورة تغييرها، ولذلك كانت الثورة آذار٢٠١١، ولكن على الثورات التي قامت في الخمسينيات وما بعدها في العالم، حيث إجماع المجتمع الدولي كلٌّ بطريقته للإبقاء على استمرارية النظام مما زاد الطينة بلةً على كافة الصعد، فلا النظام قادر على تحسين الأوضاع، بل كان العمل على تدهور أوضاع المواطن مهمته الأساسية، ولا المجتمع الدولي يتمنى للشعب السوري حياة كريمة، ولا سلطات الأمر الواقع مؤهلة للحكم والإدارة وخدمة المواطن، وخاصة انها مرهونة لأطراف إقليمية ودولية تزيد من اتساع كتلة النار السورية الملتهبة».
يتابع موسى: «سبب فقدان المواد وإرتفاع اسعارها تتعلق بداية بالنظام وأسلوب الحكم والإدارة، فلم يكن المواطن في يوم من الأيام رغيد العيش، وهذا ما كان يخطط له ويعمل عليه النظام لجعل المواطن يفكر بقوته ولقمة عيشه ويبقى شارد الذهن سياسياً وثقافياً، ومنذ الأزمة السورية آذار ٢٠١١ إزداد الوضع سوءاً نتيجة لتدمير البنية التحتية الضعيفة أصلاً، وانتقال رسوم الأموال الى الخارج، وإنعدام الإنتاج الوطني إلا ما ندر، والإعتماد على الاستيراد من الخارج، وفقدان الوظائف والعمل وتدهور الليرة السورية وطبيعة تجار الجملة والمفرق- رغم صغرها- في الإحتكار والاستغلال وزيادة الأسعار وربطها بالعملة الصعبة، وعدم التفكير في إنشاء رابطة تجمعهم في مناطقهم، ووحدة موقفهم وكلمتهم تجاه معاناة الشعب، كما ان تعدد القوى المسيطرة على البلاد جعل انتقال السلع تخضع لأكثر من ضريبة جمركية وسماحية الإنتقال من منطقة إلى منطقة أخرى يؤثر على الأسعار ويضاعف العبئ على المستهلك».
يضيف موسى: «النظام التعليمي في المناطق الكوردية مأساة كبيرة، كالواقع بين نارين، فلا المنهاج الحكومي مناسب للتعليم والتدريس في ظل الثورة ولا مناهج مناطق سلطات الأمر الواقع، فالمسألة متعلقة بطبيعة المنهاج أولاً وبالإعتراف الداخلي والخارجي ثانياً، ناهيك عن تدني المستوى التعليمي إلى ما هو دون حدوده الدنيا، وهذا له أثره السلبي في مستقبل البلاد وإيجاد الكادر المؤهل لإدارة مؤسسات الدولة، وقد رأينا في الفترة الأخيرة القرار الصادر عن هيئة التعليم في الإدارة الذاتية في إلغاء الإمتحان المركزي لنهاية المرحلتين الإعدادية والثانوية- التاسع والبكالوريا- وجعلهما كالصفوف التي قبلهما مما يجعل التعليم ضعيفاً دون المستوى المطلوب، أما من ناحية مديريات ووزارة التربية والتعليم المركزي في البلاد فبرأيي ليس بتلك المشكلة لأن منهاج الإدارة الذاتية في الأصل غير مقبول لدى الدولة».
يرى موسى: «أن المطلوب في الحفاظ على المستوى التعليمي هو التواصل مع الهيئات الدولية الخاصة بالتعليم والمناهج، وخاصة منظمة اليونسكو، والتفاهم في إيجاد صيغة مناسبة تكفل للطلاب مستقبلاً دراسياً آمناً يضمن استمرار وتكملة الطلاب لدراساتهم ما بعد المرحلة الثانوية في الجامعات والمعاهد المهنية الوطنية والدولية».
يشير موسى: «إلى أن هناك الكثير الذي يمكن للحركة الكوردية تحملها وهناك ما لا طاقة بها عليه، فالوطن هو للجميع، عرباً وكورداً وسرياناً آثوريين وتركمان، ولا يمكن لمكونٍ واحد أو لطرف واحد تَحَمُّل ما يخص الوطن كله، فلكل فرد من هذا الوطن نصيب في الوطنية وعليه تَحَمُّلَهُ في بناء الوطن من خلال الإلتزام بواجباته الوطنية لبناء دولة المواطنة والقانون ليتمتع في ظلها كل مكون بحقوقه القومية والوطنية كمجموعة وكفرد.
أما فيما يتعلق بالكورد فلا يمكن للنصائح وطرح الأفكار المبادرات أن تلقى تربة ملائمة لتلقّيها ونموها وذلك لتشتت الكورد على المحاور الكوردستانية والقبول بالتبعية المطلقة لأطراف كوردستانية عابرة للحدود دون تمييز بين التبعية وبين العلاقات الأخوية المبنية على مصالح الأطراف جميعاً دون التمسك بمصلحة طرف على حساب الآخر، وللحركة تجربة مريرة خلال أكثر من ستون عاماً من الشرزمة والتفرقة والمحاربة الذي وصل الحال إلى ما هو عليه من حالة العداء، ومع هذا كله، ورغم عدم الإعتداد به، فإن المطلوب من الحركة الكوردية هو الإلتفاف حول بعضها وترك ما يُفَرِّق بينها من اسباب الإختلاف والخلاف والإقتتال البيني.
كما ان الإهتمام وإعطاء الأولوية لمصلحة الشعب في البلاد قبل مصلحة الأجزاء الأخرى هو ضرورة وطنية وقومية أكثر من الإرتباط والتبعية لأيديولوجيات عابرة للحدود».

الإتفاق على خصوصية ابن المكان
تحدث الكاتب، إبراهيم اليوسف لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بات السؤال الملح: ما الذي يجري الآن، سورياً، وكوردياً، في آن واحد؟، في ظل ظروف مرحلة ما بعد الحرب، ونحن في رحاب السنة الحادية عشرة على أعظم حدث سوري، ألا وهو الثورة السورية التي أجهضت، وهي لما تزل في مهادها، ولطالما وصفتها، بشكل شخصي، قائلاً: إنها انتصرت على النظام المجرم، بعد أن أسقطته، إلا إن ظروفاً ذاتية وموضوعية. من داخل الحالة الجديدة، ومن خارج الوطن أدتا إلى تدمير حلم السوريين، من خلال التآمر عليهم، واختراق الثورة، وإغراقها، بهذه الأعداد العظمى من المرتزقة، والفاسدين، والمأجورين.
لقد استطاع الشباب الكوردي، مع أمثالهم من الشباب السوري، إيجاد أرضية جديدة، كان من الممكن التأسيس عليها، من أجل حالة جديدة، تخدم السوريين جميعاً، إلا إن هؤلاء سرعان ما همشوا، وتم التآمر عليهم!».
يتابع اليوسف: «ليس في إمكان من هو بعيد مثلي- آلاف الكيلومترات عن مسقط الرأس- أن يتحدث في التفاصيل اليومية لحاجات الناس، فالناس هناك أدرى بأحوالهم، وإن كان العالم قد أصبح في الحقيقة مجرد قرية في ظل ثورة الاتصال والمعلوماتية، إلا إن هناك ما يمكن الحديث فيه، إذ إن من يتنطع ليكون في موقع قيادة المواطن- وإن على نحو غيرشرعي كما هو الآن وقبل الآن- فإن من أول المهمات التي يجب عليه القيام بها: توفير أمن هذا المواطن وسبل معيشته، إذ ليس من مسوغ للتهرب من هذا المطلب لا سيما عندما يكون ذلك متوافراً لدى مواطن وغير متوافر لدى آخر في المقابل، والأشد قبحاً أن يكون ذلك متوافراً لمن يقدم نفسه إلى موقع المسؤولية ومن دون توافر ذلك لدى من هو من عوام الناس!.
حقيقة، يتم الحديث على نطاق واسع عن إفقار مواطنينا في البلاد، وهو أمر لا يمكن تقبله أمام معرفة مدى الخيرات المتوافرة في هذه المنطقة الأكثر غنى بالإنتاج، وما اعتراف مصدر مسؤول، قبل أشهر، بأن هناك فائضاً مالياً كبيراً لدى- الإدارة- إلا دليل على مثل هذا الكلام؟ فلم هذا الفائض المالي والبنية التحية متحطمة: لقطات الفيديو التي تنشر في وسائل التواصل الاجتماعي والتي تظهر على سبيل المثال شوارع بعض مدننا التي ترتدي بعض بقايا رقع ثياب إسفلت النظام، وتحديداً منذ عقد زماني ونيف، تبين تعامل أولي الأمر مع المكان كمنبع للأموال- وهي أموال العباد- وليست أموال من استودعها، شأن النظام السابق الذي جعل من مناطقنا مجرد بقرة يستحلب حتى دمها، لتغدو مجرد جلد على عظم!
إن إثراء حفنة من التجار، حديثي النعمة، والسابقين عليهم، من تجار مراحل النظام، مرحلة تلو مرحلة، وإفقار عوام مواطنينا، ليدل على أن هناك خللاً في معادلة العلاقة بين حاجات الناس وأولي القبضة المتحكمة، مع بطانتها من التجار، أية كانت هوياتهم، ولهذا فإن المطلوب هو توزيع خيرات المكان على أبنائه، وتوفير حاجياتهم اليومية، وأمنهم، وصحتهم، وعلاجهم، قبل أي اعتبار آخر، وإلا فإن هناك فجوة ستتم بين طرفي المعادلة!».
يضيف اليوسف: «لا يزال أبناء وبنات المكان ينظرون إلى العملية التعليمية في مناطقنا على إنها جزء من أدوات هيمنة النظام، إذ إننا لانزال أمام تبادل للأدوار بين سلطتين متماهيتين، حتى وإن ادعت إحداهما تمايزها عن الأخرى، مادام عماد العملية التعليمية هو الأيديولوجيا. مجرد أيديولوجيا غير مقبولة- بل مرفوضة- لدى العامة، باعتبار المناهج التربوية مفروضة وتخضع لسياسة صاحب القبضة المتحكمة!.
ليس من أحد لا يريد التعلم بلغته الأم، والتعلم باللغة الأم من أوائل مطالبنا التي كنا نرميها في وجه آلة النظام الساقط الذي لايزال يعمل بموجب سند كفالة- وإن مؤقتة- إلا إن عدم تحصين الشهادة التي يحصل عليها الطالب، بلغته الأم، من خلال رؤية استراتيجية شاملة يحطم ثقة الطالب وذويه بهذه الشهادة، وإن كان حلم أي منا هو تعلم أبنائه بلغتهم الأم أولاً وأخيراً.
وما زاد من الطين بلة هو أن النخب السياسية والثقافية- وتحديداً مدعية الثقافة- التي كانت ترافع عن التعليم باللغة الأم وتشرف على دراسة أبنائها في مدارس النظام، وتتباهى باستحصالها الدرجات العالية هي المسؤولة عن تقويض الثقة بمثل هذا الدراسة التي نأمل أن يتم الاعتراف بها، أي بلغتنا الأم، وبعيداً عن أية أدلجة، بعد أن يقود المكان كائنه، بعيداً عن أية سلطة خارجة عنه، أياً كان نوعها!».
يؤكد اليوسف: «أنه لا يمكن للعسكر- أية كانت هوياتهم- أن ينتجوا عقلاً مدنياً، أو يستطيعوا خلق بيئة تعليمية سليمة، معافاة، من شرور السلطوي، ولوثاته، ولهذا فإن هاتيك الأصوات التي ارتفعت، مركزة، على العناية بالمناهج التعليمية كانت جد واقعية، ومصيبة، بعيداً عن مزايدات مؤدلج المنهاج، على الطريقة المتقاطعة مع سياسات النظام المتماهي الآيل للزوال، ولابد من العمل الجدي على كسب الإعتراف بأية شهادة دراسية باللغة الأم: ضمن إطار الخريطة الحالية مادامت معترفاً بها، دولياً، ناهيك عن ضرورة فرضها على المؤسسات الدولية المعنية وعلى رأسها منظمة اليونسكو العالمية!. أما مضامين هذه المناهج، فلا خوف عليها، فيما إذا أبعدت عن سطوة- الحاكم- وصارت تحت عهدة- الأكاديمي المستقل- وما أكثر كوادر شعبنا في هذا المجال، لتكون مناهجنا في مستوى المناهج التي تدرس في أرقى مدارس ومعاهد وجامعات العالم!».
يختم اليوسف: «ثمة أمر أصرُّ عليه وهو الإتفاق على خصوصية ابن المكان، وعدم تبعيته لأي طرف من خارج مكانه يحاول التدخل في صناعة سياساته، أو تسييرها، إلا في إطار التعاون والإحترام، ولعل ما قام به بيشمركة الإقليم إبان تحرير كوباني من تعاون مع ابن المكان في مهمة التصدي لتنظيم داعش الإرهابي ينبغي أن يظل أنموذجاً محتذى به، ومعياراً لا نقبل بتجاوزه من قبل أي طرف من خارج إرادة ابن مكاننا!».

تشوه العلاقة بين دخل الفرد والتكاليف المعيشية
تحدث مسؤول فرع قامشلو لإتحاد الطلبة والشباب الديمقراطي الكوردستاني- روج آفا، شكري عبدالرحمن لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بعد مرور عقد على الأزمة السورية والتي حولت سورية إلى بيئة خصبة للتطرف، وأحرقت الأخضر واليابس، تتجلى لنا وبكل وضوح إنعكاساتها على الواقع الإقتصادي والمعاشي للمواطن السوري بشكل عام، فمعظم الشعب السوري أصبح يعيش تحت خط الفقر، والحكومة السورية اصبحت غير قادرة بأي شكل من الأشكال ردم الهوة بين دخل الفرد وتكاليف المعيشة الباهظة، فالرواتب الحالية ما عادت تسد رمق الطبقة العاملة، ولا تكفي لتأمين أبسط مقومات الحياة، ففي ظل الظروف الحالية من الحرب وتكاليفها الباهظة وكذلك الحصار الإقتصادي وعدم تمكن الدولة من استثمار مواردها وعدم قدرتها في الحصول على القطع الأجنبي فإن الدولة لن تتمكن من الوقوف على قدميها من جديد إلا بزوال هذه المسببات وعودة الحياة إلى طبيعتها قبل الازمة».
يتابع عبدالرحمن: «كي لا نبتعد كثيرا ولنكون أكثر دقة علينا الاستدارة إلى واقع مناطقنا الكوردية فهي كسائر المناطق السورية تعاني من تبعات الصراع، والأزمة التي طال أمدها، ففي ظل عدم وجود اعتراف بالإدارة الذاتية التي تدير المنطقة الكوردية، وبقاء هذه الإدارة منكفئة على ذاتها وعدم وجود علاقات الإقتصادية بينها وبين أي جهة رسمية دولية أخرى، وكذلك عدم تمكنها من إنشاء مشاريع تنموية مستدامة، وبالإضافة إلى سوء إدارتها للموارد الموجودة كالنفط والغاز والمنتجات الزراعية الاستراتيجية كالقمح وغيره، كل ذلك أدى إلى إضعافها اقتصاديا وعدم قدرتها على تأمين العيش الكريم للمواطن. فهذه الإدارة لم تستطع حتى الآن من تنفيذ أي مشروع استراتيجي يساعد على تنمية الإقتصاد والمجتمع، ولعل إهتمامها بالعسكرة قد أغفلها عن الإهتمامات الأخرى التي لا يمكن تغافلها، فالإهتمام بجانب لا يجب أن يكون على حساب جانب آخر، وعليها أن تضع المواطن وحالته الإقتصادية والمعيشية في سلم أولوياتها الذي لا يقبل المساومة عليها، وبعكس كل ما ورد فإن الإدارة ترتكب الخطأ تلو الخطأ، ففي الجانب الإقتصادي اعتمدت على الاستيراد وقامت بربط الأسعار بالدولار مما أدى إلى تشوه العلاقة بين دخل الفرد المرتبط بالليرة السورية والتكاليف المعيشية المرتبطة بالدولار الغير مستقر اصلا، والتراجع المستمر والمخيف من قيمة الليرة أمام الدولار، ويضاف إلى ذلك سيطرة فئة من التجار على السوق وتحكمهم بها وبأسعار السلع الغذائية وجميع المواد الأساسية والضرورية لحياة الإنسان، ففي اغلب الأحيان وبحجج غير مقنعة نلاحظ إرتفاع الأسعار بسبب احتكار هؤلاء التجار لهذه المواد وإخفائها من الأسواق ليعيدوها وبالأسعار التي يرتضونها دون أي حساب للمواطن المغلوب على أمره، وكل ذلك على مرأى ومسمع مؤسسات الإدارة الذاتية والتي تقف دائما إلى صف المحتكرين، ولم تقم بأي إجراءات أو معالجات، وهي غير شفافة في إدارة هذه الملفات، وكل ذلك أدى إلى إرتفاع غير مفهوم وجنوني للأسعار، وعملت على توسيع الهوة بين طبقات المجتمع وأزالت بشكل كبير الطبقة الوسطى من المجتمع وقسمته إلى طبقتين، وهما الطبقة الفقيرة التي تزداد وتتسع يوما بعد يوم والطبقة الغنية التي يزداد غناها بشكل فاحش».
يضيف عبدالرحمن: «أمام سلسلة اخفاقات وسوء إدارة الملفات تقف العملية التربوية والتعليمية على حافة الهاوية بين قرارات سيئة إلى معالجة أسوء، حيث بادرة الإدارة في الآونة الأخيرة إلى اصدار قرار بإلغاء الإمتحانات النهائية واستيراد تجربة لا تناسب واقعنا التعليمي لا من قريب ولا من بعيد في ظل ظروف مضطربة، بسبب إفتقار مناطقنا إلى الاستقرار والأمن، فالحرب لم تنتهي والأزمات تتوالى من كل النواحي السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
والعملية التعليمية لها مقومات وركائز التي لا يمكن المساس بها، فـ بناء الإنسان يبدأ من التربية والتعليم، والطلبة لهم إحتياجات للوصول إلى المستوى العلمي المطلوب، والذي تتكفل الحكومات بتوفيرها، والظروف في المنطقة الكوردية غير مؤهلة بالمطلق لتطبيق مثل هذا النموذج المستورد من قبل المؤسسات التربوية في الإدارة الذاتية، والتي لم تطبقه حتى الآن معظم الدول المتقدمة والمستقرة، فهذه الخطة تحتاج أولا إلى أوضاع مستقرة على الأرض، وتحتاج إلى كوادر تعليمية من ذوي المؤهلات التربوية، والى أصحاب الشهادات العليا والمتخصصة في التعليم النموذجي، وهذه غير متوفر في الإدارة ولو بحدودها الدنيا. وليخوض الطالب هذه التجربة فهو بحاجة إلى بيئة تعليمية تتوافر فيها كل سبل النبوغ والنجاح، وهذا ما لا يتوفر في بيئتنا الطلابية، وكلنا ندرك مدى المعانات التي يعيشها طلابنا، والذين يضطرون لحد الآن إلى العمل بجانب دراستهم لإعالة ومساعدة ذويهم في ظل الأزمة الإقتصادية الخانقة، وهذا السبب هو غيض من فيض في ما يحتاجه الطالب، وإضافة لذلك علينا الإعتراف بأن مؤسسات الإدارة الذاتية التربوية والتعليمية لم تقم بتهيئة الأرضية الأولية للعملية التعليمية، ولم تقم ببناء المدارس النموذجية القادرة على تطبيق هذه التجربة، ولا قامت مؤسسات الإدارة بتوفير المرافق الصحية والتنموية والرياضية والفنية في مدارسها ليتمكن الطالب من خوض هذه الخطة وليرتفع مستوى الاستيعاب لديه، وبمعنى آخر، كيف تتأمل الإدارة الحصول على نتائج إيجابية من خططتها دون توفير أدنى وسائل نجاحها؟ وهي غير قادرة على تقدير القدرات الاستيعابية والذهنية لجميع الطلاب وفق قرارهم وخطتهم والظروف المحيطة بالطلبة التي تختلف من عام لآخر. لذا سيتعرض أغلب الطلبة إلى الغبن في تقدير مستواهم العلمي والإدراكي، وبالتالي لن يكون في المستقبل أي رجل مناسب في المكان المناسب، وبالتالي سيعاني المجتمع وسيتعرض إلى إنتكاسة في مستوى البناء والتطور الذي نرجوه جميعا لوطننا. لذا كان على الجميع إبتداءً من الحركة السياسية الكوردية مجتمعةً رص الصفوف وتوفير الأمن والأمان والاستقرار، وعدم ترك فرصة للفشل، وأن يكون جُلّ إهتمامهم هو بناء جيل قادر على تحمل المسؤوليات وبناء المجتمع».

أخيراً:
إذا، المنطقة بحاجة إلى التكاتف وتوحيد الجهود من أجل الخروج بأقل الخسائر من هذه الظروف الصعبة، والبحث عن أولويات المواطن من تأمين العيش الكريم وتعليم مناسب يحقق بعض من الأمن والاستقرار.