وسائل الإعلام تؤثر نفسياً وجسدياً

يلعب الإعلام في أحيان كثيرة دوراً أساسياً في تعميق الشعور بالإحباط وحالات الاكتئاب لدى الإنسان بسبب المعلومات السوداوية المنقولة إلى المشاهد أو المستمع. ولا يكفي أن تلك الأنباء تنقل معلومات عن تلك الأحداث بل تنقل للمشاهد بالصوت والصورة ما يجري من تطورات.
قبل منتصف الليل تشعر ماريان بأن رأسها يكاد ينفجر، فالحدث الرئيس في التقارير الإخبارية هو العملية الانتحارية التي أدت إلى مصرع العديد، ويأتي القصف الأميركي فيحصد أرواح العشرات من الأبرياء ويحاصرون مدينة وادعة قابعة على أطراف الصحراء لم تسمع دوي إطلاق الرصاص في حياتها وتنقض عليها الطائرات وتحصد سكانها. أما من يسلم من القصف فيعيش جريحاً معاقاً شريداً بعد أن هدمت الطائرات المساكن بقنابل ذات عيار ثقيل.
وفي اليوم التالي تعود ماريان من مأدبة غداء مفعمة بالحيوية لتجد أن شخصا ما بعث إليها برسالة بالبريد الالكتروني يحكي لها كيف أن أسرة بكاملها تعرضت لوابل من رصاص إحدى الوحدات الأميركية، وبين التقرير صور لأطفال لم تتجاوز أعمارهم العام أو حتى أقل من ذلك.
وتحاول ماريان بعد ذلك الاسترخاء وتحرك مفتاح التلفاز إلى محطة أخرى لمشاهدة مسابقة غنائية ولتكتشف أن بطلها في المسابقة قد فشل وأخرج من المسابقة. وتقول ماريان وفي قلبها مرارة: « سيأتي ذلك اليوم الذي لن يتوفر فيه ما يكفي من الأسبرين في العالم».

*قصف متواصل
إن مثل هذا القصف الإعلامي المتواصل الذي يحدث بدون حساب وإن كان يزودنا بالمعلومات أولا بأول فإنه في الوقت ذاته يرسم أمامك صوراً كئيبة للبشرية التي تستشف منها أن المستقبل معتم وكئيب وأنه لن تتوفر لك أية بقعة بيضاء تشعر من خلالها بالاطمئنان أن السعادة والسلام بين البشر سيسودان العالم ولو لفترة قصيرة.
وحسب أحد علماء الاجتماع فإن تلك الحمولة الثقيلة من المعلومات تسحق الدماغ وتبعث الشقاء في النفس. ويقول مارك ديري مدير الصحافة الرقمية في جامعة نيويورك إن الاختلاف اليوم هو أن الناس قد تبنت موقف تجاوز الأحداث . وفي التفكير الحديث يترتب علينا أن نتعامل مع الأمور بمطلق الصلابة والقوة لمواجهة المواقف الدراماتيكية المؤسفة أو الصعبة.
الهروب ما يثير السخرية أن آلاف الأميركيين يهربون من جحيم الأخبار إلى الأفلام السينمائية التي بدورها تسهم في شيء آخر لا يقل خطورة عن الدور الذي تقوم به الأخبار والطريف أن الأفلام التي تطرح في فصلي الربيع والصيف تتسم بالعنف والترويع وفي العام الحالي فتحت السينما الكثير من المعاناة أمام الناس كما في فيلم مدينة الخطيئة Sin City الذي نشاهد فيه
وعلى مدى ساعتين أعمالا وحشية بشعة مثل تقطيع الأوصال وأشياء أخرى كريهة وبموازاة ذلك فيلم House of Wax الذي لا يقل إخافة أو ترويعاً للمشاهد عن الفيلم السابق. وقسم على ذلك أفلام أخرى مستفزة وتوتر الأعصاب.
لاشك أن كل تلك الوسائل الإعلامية لها أثرها على الأعصاب والنفس وعلى الحالة البدنية أيضا، على الرغم من كل ما يحدث من تطورات يظل تحت سيطرتك أي أن بإمكانك أن تتجه نحو عدم متابعة ما يحدث، فإن مطلق الحرية.
لكن البروفسور جوزيف ميتشيل مؤلف كتاب «الفكاهة» والتمثيل والضحك يعتقد أن وقع الإجهاد ذي الصلة بالإعلام والجانب الثقافي دوما يكون له الأثر الكبير على حياتنا الصحية بطريقة يصعب أن ندركها أو نتنبأ بتداعياتها على أوضاعنا الصحية النفسية والبدنية».
ويتابع قائلاً :«يقوم الإعلام بتشكيل إحساسنا بالسلامة في هذا العالم لكن أغلبية الناس لا تتابع تأثير كل ذلك على حياتنا الصحية». والحقيقة أن سلسلة من المشاهد الصغيرة المجهدة تتضمن فيلما عنيفا في ليلة الثلاثاء مع متابعة سلسلة من الأحداث الإخبارية المجهدة إضافة إلى سلسلة من الأخبار المثيرة في صحف التابلويد كفيلة بزعزعة كيان الإنسان وبناء مواقف وردود فعل أقل ما يمكن القول عنها أنها مثيرة تماما كما يكون رد الفعل على تهديدات خطيرة.
ويرجع ذلك لحقيقة أساسية وهي أن آلية استجابة الإنسان لم تتغير كثيراً منذ كان الإنسان بعد يعيش في الكهوف ولا يزال جسم الإنسان يواصل ردود فعله والأمر ليس غريبا عندما تحني جسمك محاولا تفادي قطيع من الجواميس الهائجة وهي تتجه بقوة أمامك كما لو أنك انتقلت فجأة إلى عالم واقعي وأنت الآن أمام قطيع يتجه فعلا نحوك لسحقك.
ولتعزيز قدرتك على المواجهة والتحمل تقوم هرمونات الإجهاد مثل الأدرينالين والكورتيزول بالإفراز وتتحول البروتينات إلى سكر وينتقل الدم من الجهاز الهضمي ويرتفع ضغط دمك وتزداد سرعة نبضاتك. ومع مرور الوقت يمكن أن يتسبب ذلك في الإصابة بإنهاك مزمن وباختزان الدهون في جسمك والإصابة باضطرابات معوية، وبالصداع النصفي ويمكن الإصابة حتى بأمراض القلب.

*من الصعب التحول لناسك
إن تجنب تلك الحمولة الثقيلة من المعلومات والبيانات الصحفية هي عملية أشبه بإطفاء شبكة التلفزة، والحقيقة أن شبكات التلفزة والإذاعة في وقتنا الراهن تقوم بالتسلل إلى مراكز التسوق والبنوك والملاعب الرياضية وعيادات الأطباء وحتى حالات انتظار المصاعد وتقوم أعداد لا حصر لها من الشبكات التلفزيونية ببث المئات من القصص والحكايات نفسها مراراً وتكراراً كل فترة وجيزة دون تغيير طوال الأربع والعشرين ساعة وعلى مدى سبعة أيام في الأسبوع.
ويبدو الأمر أشبه بمشاهدة حادث مروري على الطريق الرئيس، وستجد أنه من الصعب عليك أن تشيح بوجهك بعيدا عنه. وتتسبب تلك الصور باندفاع الأدرينالين بقوة في جسمك لدرجة أن أجسامنا يمكن أن تصبح مدمنة على مثل تلك المشاهد. ويرى أحد الخبراء النفسانيين أن ينبغي أن نعالج إدمانا على المشاهد الخطرة والصعبة تماما مثل معالجة أية حالة إدمان.
8 أساليب لفتح عينيك على الحقيقة للنجاة من هجمات وسائل الإعلام لا تنظر إلى الأمور على أنها شخصية.
إن أحد الأساليب التي تجعلك تتفاعل مع الأحداث بشكل ناجح هو تطوير منظور أكثر اتساعا حول الأمور الحقيقية في الحياة ولكننا في الحقيقة نميل في حياتنا العادية إلى تحويل التطورات في العالم إلى أمور تمسنا شخصيا وبصورة مباشرة وذلك دون أن نتوقف لاستبيان مدى مصداقيتها ولا نعي أيضا أن لدينا خيارات حول كيفية تأثير تلك الأحداث على حياتنا .
وبداية عليك أن تختار الابتعاد عن الانغماس العاطفي في كل شيء مريع نقرأه أو نسمعه أو نشاهده على شاشة التلفاز، وتعد تلك الخطوة الأولى للتخلص من تأثير الأحداث المتلفزة وحتى لا نقع أسرى لها حيث يصبح بإمكاننا تحديد كل ما هو سطحي أو سلبي في عالمنا.

* اختر التوقيت المناسب
لاحظ أنك قد تشعر بالضعف وتتصرف دون روية أو تمحيص . وبداية لا تشاهد أفلاما لهيتشكوك أو أي فيلم مثير للقلق والضيق خاصة في الفترة التي تبدأ فيها استعداداتك للنوم في السرير. وإذا كنت مضطراً لمشاهدة أفلام مثيرة فيمكنك تسجيلها ومشاهدتها في الأوقات المناسبة والمريحة خاصة في العطلات الأسبوعية وخلال فترات النهار عندما لا يكون تأثير الإرهاق كبيرا على نومك خاصة وأنت في إجازة في اليوم التالي.

*الخوف من الرحلات الجوية
تشاهد خلال عرض البرنامج الإخباري سقوط طائرة ومصرع العشرات من الركاب. مثل تلك الأنباء قد تثير في نفسك الخوف من ركوب الطائرات . ولكن تذكر أنه في اللحظة التي تسقط فيها طائرة في العالم هناك آلاف الطائرات التي تقلع من المطارات يومياً وتصل إلى أهدافها دون أن يقع لها أي حادث يذكر.

*ابحث دوما عن كل ما هو إيجابي
بدلا من التفكير أن خطيبك على وشك أن يتركك كما حدث في ذاك المسلسل التلفزيوني أو الفيلم السينمائي تخيل أن كل تلك الأمور لها أغراضها المسرحية أو السينمائية وأن مسألة تركك لخطيبك هي ليست سوى أوهام مستقاة من واقع الفيلم الذي شاهدته.

*عالجي نفسك بالرياضة
التدريبات الرياضية هي الوسيلة المثالية للاستفادة من الطاقة الفائضة وهي أيضا تعيد لجسمك رشاقته وتساعد جسمك على التغلب على ردود الفعل الناجمة عن مشاهد الأحداث المؤلمة والمفزعة أو الأفلام التي تثير التوتر في النفس. وقولي لنفسك أنه «مهما تسبب الفيلم في إزعاجي لكنه لن يغير شيئاً، ولكن ذلك مرتبط بمواصلة تدريباتي الرياضية»

* قوي دفاعاتك بالغذاء
من السهل جداً التغلب على آثار الأحداث المؤسفة التي تبث على شبكة التلفزة عندما تتناول وجبات طعام صحية. وعلى سبيل المثال يمكنك الاستمتاع بتناول المأكولات الكربوهيدراتية مثل الأرز والخبز الأسمر يوميا لتعزيز مستويات السيروتونين لديك والوقاية من تداعيات الأحداث غير المتوقعة.

*روح الفكاهة
هناك فكاهة وضحك في كل المواقف، ولهذا السبب يفضل خمس الشبان الحصول على المواقف السياسية من المشاهد الكوميدية السياسية. والضحك علاج مؤثر ومعروف وأهميته أنه يطلق الايندورفينات ويمكن أن يساعد على التخلص من المواقف التي تحتبسها الذاكرة وتلحق بالإنسان التوتر والمصاعب النفسية. ويشبه أحدهم الضحك على أنه الجري ولكن في داخل النفس. ويبدو أنه من الصعب أن تقول أنك مجهد عند تقهقه.

*المشي السريع، التدليك، التأمل
هناك أمور كثيرة تساعد في عملية الاسترخاء والراحة ومنها المشي السريع للتخلص من الإجهاد. كما أن التدليك والتأمل من الأمور المهمة التي تؤدي إلى الاسترخاء وتنقية العقل. والحقيقة أنك إذا لم تكن تفكر كثيرا فإن ذلك يعني أنك لا تعاني من الحيرة والضيق وأن جسمك محظوظ في تجنب الانخراط في مشاهده مشاهد مجهدة، والمعروف أنه من الممكن القيام بهذه الأنشطة في أي وقت وأي مكان وهو ما يجعل مسألة تحقيق الاسترخاء ممكنة في أي وقت.