سبعة عشر عاماً على انتفاضة 12 آذار العظيمة
صديق شرنخي
لا أعتقد انه سيتكرر يوماً بهذا العمق والشمولية والشموخ، يوم تفاعلت فيه كل خلية في جسم كل كوردي من اقصى قرية في عفرين الى اقصى قرية في ديرك، وفي دمشق وحلب، وكل من عرف نفسه انه كوردي على ارض كوردستان سوريا، يوم تحقق فيه الحلم القومي الذي تخيلناه على ارض الواقع ليومين فقط عندما اقتلعت الانتفاضة العارمة في عمقها ومساحتها وهياجها كل عروش الظلم ودكتها مثلما فعل (إبراهيم الخليل) بتحطيم اصنام العبودية ويوم شهد (كاوى الحداد) على ارض الواقع تجسيداً لشخصه وأسطورته العظيمة. حالة لا تتكرر في تاريخ الشعوب الا في كل قرن، سأموت ولن أجد مثيلا لها في ارض كوردستان.
نحن جيل الخمسينات من القرن الماضي عاصرنا قمة الظلم العربي والشوفينية والعنصرية البغيضة التي أسس لها (عبد الناصر) ليقتلع كل القيم الديموقراطية والحضارية التي كانت قد أسس لها الفرنسيون والأوربيون في المنطقة، وشارك في حينها كوردنا الأوائل كرؤساء جمهورية وقادة ووزراء في بناء دولة حديث العهد اسمها (الجمهورية السورية)
رويدا رويدا تحولت بفعل الفاشية او الاشتراكية القومية التي انطلقت من الوحدة الممسوخة حتى تسلم البعث لقيادة (الجمهورية العربية السورية) التي صبغت بعروبة فجة مزرية كل شيء في السياسة والطبيعة والحجر والشجر، كما الأحزاب والجامعات والجيش والشارع والزبالين والعتالين.
هنا دعونا نقف عند التطور البطيء لحال الكورد من زمن الوحدة والبعث حتى عشية الانتفاضة لأن ذلك يحتاج الى ملف خاص، ولكن لنحاول رسم اللوحة السياسية لما قبل فترة الانتفاضة التاريخية والتي لا يكفيها فعلا هذه التسمية البسيطة كونها كانت ثورة شعب بحق وحقيقة.
كان قد توفي الطاغية حافظ الأسد ليس بوقت بعيد، اعلن ابنه بشار الذي كنا نعتقد بانه شاب هش بأنه سيبدأ عهدا ديموقراطيا وافتحت /المنتديات في دمشق وحلب وقامشلو وغيرها أشارة الى ذلك التحول الخادع .
قبلها بفترة كان قد تجرء حزب يكتي الكوردي في سوريا ليقارع السلطة ويوزع منشورات ضد الحزام والاحصاء العنصري في الجزيرة حيث كسر حاجز الخوف رغم اعتقال كوكبة من المناضلين ثم خروجهم من السجن بعد احكام قاسية ولكن صنع باعتقالهم أجواء نضالية جديدة وكسرو ترهل الحركة الكوردية الني تراخت قبلها بعدة سنوات.
الحدث الأبرز كوردستانياً كان ولادة وتطور الإقليم الكوردستاني في العراق والذي شهد نمواً كبيراً في فترة قصيرة، واحتل الزعيم البارزاني مكانه في قلوب جميع الكورد ودول المنطقة.
لم يستطع الأبوجيون فيه مقاومة تأثيره واستقطابه القومي فأصبح رمزا لكل أبناء الشعب الكوردي، ولخشية النظام الذي تراجع عن جميع وعوده بالديمقراطية وبناء سوريا جديدة تحت مسمى الحرس القديم والحرس الجديد.
بعد أن تمكن بشار الأسد من تصفية وضعه الداخلي تفرغ لتلقين الكورد حسب اعتقاده درساً قاسياً كي لا يفكروا يوماً بالتجربة الكوردستانية العراقية ولذلك فبرك مسرحية ملعب قامشلو مستثمرا حقد أبناء دير الزور على الكورد في مباراة عادية على ارض ملعب الجهاد ذي الطابع الكوردي، ولم يتوقع ابدا ان تلتهب الأوضاع بهذه الحدة ويثور أبناء شعبنا يدا واحدا بدء من قامشلو ومدن الجزيرة وانتشارا في كل ارض وجد فيها كوردي في سوريا .
خرجت الجماهير الى الشوارع قطعت طرقات المدن حطمت اصنام الطاغية في اول حدث تشهده سوريا بعد السبعينيات، هتفت الجماهير بإسقاط النظام، هرب زبانيته او توقعوا في مخافرهم ودوائرهم اكثر من يومين لم يبق أي مظهر للسلطة في مناطقنا أحرقت دوائرهم ومؤسساتهم وسيطرت عليها الجماهير كأنها لوحة لعشرة أيام هزت العالم ل (جون ريد) امتدت موجة التأثير حتى اطراف كوردستان الأخرى وتفاعل شعبنا الكوردي في أوروبا والشتات كما لم يتفاعل قبلها مع أي حدث وقاموا بالمظاهرات امام السفارات وفي شوارع مدن أوروبا، قدّموا المساعدات لأهالي الشهداء والجرحى والسجناء فيما بعد .
حقيقة كان الحلم بالخلاص لم يتصوره أي منا من قبل تجسد فيه كيف يتم تحرير الشعوب وكيف هي لحظة الانقلاب في التاريخ. ولما كان الحدث زلزالا كما وصفه النظام نفسه استدرك حجم الخطر الذي وقع فيه توافد قادته الامنون من بختيار ومحمد منصورة وشقيق الرئيس ماهر الأسد محاولين تدارك الوضع عندما وصلت الموجة الى القمة وبدأت بالانحدار.
وفي هذه اللحظات العصيبة لملمت الحركة الكوردية اشتاتها واتحدت في اطار (مجموع الأحزاب الكوردية ) الذي تكون من أحد عشر حزباً حينها وادار الصراع بإنشاء غرفة عمليات مشتركة بدءاً من الأيام الأولى وحتى الى فترة طويلة ادارت فيها التضامن والتواصل الكوردي العام، ثم التهدئة ومتابعة وضع الشهداء والجرحى وتجريره في خدمة الحدث ثم استلام المساعدات التي قدمها عموم شعبنا وخاصة من أوروبا التي لعبت دوراً كبيراً في هذا الميدان بحيث غطت المساعدات مصاريف الجرحى مع العلم ساهمت كل المستشفيات في ذلك وتم مساعدة ذوي الشهداء والسجناء وما تبع ذلك من أعضاء مالية، حتى تعويض أصحاب المحلات التي نهبت فيما بعد في سوق قامشلو من قبل جنجويد حلكو وجماعة محمد الفارس الذي يعملون الان بنفس المهام لصالح النظام .
أما كيف تفاعلت الأحزاب الكوردية المصدومة في عين الحدث فمنهم من أراد لها الاستمرار والديمومة وترك الأمور تتطور بدون ان يكون هناك تصور واضح الى اين وكيف سيتفاعل العالم مع انتفاضتنا خاصة بعد ان عاد النظام الى رشده، وبدأ يهدد بالعصا الغليظة والتدمير والفتك وخاصة بعدما تركت حركتنا وحيدة في الميدان بدون المعارضة السورية، واستطاع النظام ان يصل مرة أخرى الى مركز القرار الكوردي بواسطة بعض احزابنا الكوردية التي كانت صديقة له سابقا .
في الطرف العربي من سوريا رغم معاناته الطويلة من قمع النظام وفتكه وتدمير حركة المعارضة فيه اعتبر الانتفاضة الكوردية حركة قومية او انه تعامى عن وجودها والتزم الصمت المطبق، ولم يتفاعل وطنيا مع انتفاضتنا رغم اننا تعايشنا سابقا الحراك الوطني مشاركة في المنتديات وانشطة المعارضة جميعها وحينما كنا نقيم مظاهرات في دمشق تضامنا مع معتقلين امام محكمة امن الدولة العليا، وفي المناسبات الأخرى بحيث كنا نرى اغلب الشخصيات الموجودة الان على ساحة الصراع السوري تحضر وتشاركنا تلك الأنشطة. واقتصر حضورها فيما بعد في التضامن مع انتفاضتنا بوفد زار قامشلو، وأقرّ أن القضية الكوردية هي قضية وطنية بامتياز.
إذ وجدنا أنفسنا وحيدين في هذه المعمعة بدون دعم خارجي او تخطيط مسبق او ترتيبات دولية في حين حشد النظام الأنظمة الإقليمية والدولية مثل روسيا لصد الطريق امام تفاعلهم مع قضيتنا، وفي ذلك أذكر ان النظام التركي قدّم دعماً لوجستياً ومعلوماتياً خوفاً من امتداد آثار الانتفاضة الى تركيا.
إعلامياً كانت للانتفاضة يومياتها وبياناتها في الجرائد الكوردية، والمواقع الالكترونية فعلت جيداً لتغطية الأحداث كنا نسجل الاحداث بأرشيف يومي الشهداء والجرحى والممارسات الحكومية المساعدات والتفاعلات مع القوى الوطنية في سوريا المراسلات ثم الوفود القادمة من العاصمة وغيرها من الاوربيين الذين وصلوا سراً وعلنياً، جميع هذه الأحداث كانت ترد في اعلام الأحزاب الكوردية كل على حدة، وثم خاصة في مدونات (مجموع الأحزاب الكوردية) التي تشكلت حين ذاك كما قلنا من اجل قيادة المرحلة حيث كنا في غرفة عملياتها في ظل الاحداث.
للأسف جميع هذه الوثائق والبيانات والصور هي الآن مبعثرة ومشتتة هنا وهناك وهي وحدها التي تستطيع أن تكون سجلاً حافلاً وحياً لرصد تلك المرحلة، وأدعو كل المهتمين والمعاصرين لتلك الانتفاضة المباركة العظيمة أن يستجمعوا إرث تلك الأيام وخاصة في الوطن، اذ لم يكن الإعلام الالكتروني في حينها مثل اليوم يغطي كل شاردة وواردة.
المجد لانتفاضة شعبنا في كوردستان سوريا 12 اذار 2004 وما تلتها من احداث متعلقة بهذه الأيام الرائعة التي افتخر بها كل كوردي في سوريا .