الرئيس مسعود بارزاني... روح كوردستان التي لا تنحني
إبراهيم صبري
في مشهدٍ بسيطٍ لكنه عميق الدلالة جلس الرئيس مسعود بارزاني في مقهى الشهداء في قلب مدينة دهوك الشعبية القديمة متأملًا صور الشهداء التي تزين جدران المكان.
لم يكن حوله موكب رسمي ولا بروتوكول سياسي بل كان بين الناس كما عرفه شعبه دائمًا قريبًا منهم بروحه المتواضعة وهدوئه المهيب.
في تلك اللحظة التي خيّم فيها الصمت بدت ملامح التأمل على وجهه، واغرورقت عيناه بدموعٍ صادقةٍ حملت بين طياتها حكاية قائدٍ عاش لأجل وطنه وحمل آمال شعبٍ تفرقت جغرافيًا لكنها اتحدت في الوجدان.
هذا المشهد الإنساني يعكس جانبًا أصيلًا من شخصية الرئيس مسعود بارزاني، الذي لم ينظر يومًا إلى القيادة بوصفها سلطة بل رسالة ومسؤولية. فمنذ بدايات نضاله كان يؤمن بأن كرامة الإنسان الكوردي هي جوهر القضية، وأن القيادة الحقيقية تنبع من الإخلاص للأرض والشعب لا من مظاهر القوة أو النفوذ.
لقد جسد الرئيس مسعود بارزاني عبر مسيرته الطويلة روح الزعيم الذي يجمع بين البساطة والهيبة بين الحزم والتواضع وبين الإيمان العميق بعدالة قضيته والإصرار على مواصلة الطريق مهما كانت التحديات.
إنّ فكر الرئيس مسعود بارزاني ينبع من مفهومٍ عميقٍ للكوردايتي أي الانتماء القومي الكوردي الذي يتجاوز الإطار السياسي ليغدو هويةً ثقافيةً وإنسانية.
الكوردايتي في فكره ليست دعوةً إلى الانغلاق بل دعوة إلى الوعي والكرامة وإلى أن يعيش الإنسان الكوردي مرفوع الرأس في وطنه وفي أي مكانٍ يكون فيه. ومن هذا المنطلق لم يكن بارزاني زعيمًا لإقليمٍ فحسب بل رمزًا وطنيًا جامعًا لكل أبناء الأمة الكوردية في كل أجزاء كوردستان.
ورغم أنه لم يتدخل يومًا في شؤون الأجزاء الكوردستانية الثلاثة الأخرى – في سوريا وإيران وتركيا – إلا أن روحه كانت حاضرة هناك دائمًا بما تمثله من رمزيةٍ قوميةٍ ووحدةٍ وجدانية. الكرد في مختلف الأجزاء رأوا فيه قائدًا كوردستانيًا لا لأنّه سعى إلى لعب هذا الدور سياسيًا بل لأن شخصيته تمثل بالنسبة لهم جوهر الهوية الكوردية: الكبرياء الثبات والوفاء للمبادئ. لقد أصبح رمزًا جامعًا لأن روحه تحمل فكرة كوردستان الكبرى كمعنى لا كمشروعٍ سياسي وإنما كقيمةٍ إنسانيةٍ مشتركةٍ توحد الكرد في احترامهم لأنفسهم ولدماء شهدائهم.
ولعل أصدق ما يلخص هذه الروح قول الرئيس بارزاني: «من غير الله لا أنحني لأحد لكن لأمهات الشهداء وعوائل الشهداء أنحني دائمًا».
إنها جملةٌ تختصر فلسفته في القيادة والحياة.
فهو لا يرى في السلطة سببًا للانحناء بل يرى في تضحيات الشهداء وأمهاتهم مصدرًا للقداسة والاحترام. في هذه العبارة تتجلى قمة الإنسانية والوفاء وهي التي جعلت من بارزاني قائدًا محبوبًا لا بسبب موقعه بل بسبب مواقفه.
لقد أثبت الرئيس مسعود بارزاني عبر سلوكه وتاريخه أن الزعامة ليست امتلاك القرار بل امتلاك الضمير. ففي كل موقفٍ له تظهر بصمات الوفاء والصدق والإيمان بالحرية وهي قيمٌ أصبحت جزءًا من الوعي الجمعي الكوردي الحديث. فحين يتحدث عن كوردستان لا يتحدث عن جغرافيا محددة بل عن معنى يتجاوز الحدود عن روحٍ توحّد أبناءها في كل مكان. إنه يؤمن بأن الجبال التي قسمت الكرد سياسيًا لم تستطع أن تفرّق قلوبهم وأن الكوردايتي الحقيقية هي تلك التي تحيا في الوجدان لا في الخرائط.
إن مشهد الرئيس في مقهى دهوك ليس مجرد صورةٍ عابرةٍ لحدثٍ إنساني بل تجسيدٌ لرؤيةٍ كاملةٍ للقيادة قيادةٍ تستمد قوتها من التواضع وهيبتها من القيم وخلودها من صدق العلاقة بين القائد وشعبه. فحين انحنى أمام صور الشهداء كان يجدد عهد الوفاء ويؤكد أن القائد الحقيقي هو من يحمل ذاكرة أمته في قلبه، لا في خطاباته.
بهذا المعنى يمكن القول إن الرئيس مسعود بارزاني يمثل اليوم الضمير الحي للأمة الكوردية ورمزًا لوحدة الشعور القومي الكوردي عبر الأجزاء الأربعة من كوردستان. لم يسع إلى توسيع نفوذه السياسي، بل إلى توسيع دائرة الوعي والكرامة. ومن هنا يستمد مكانته في قلوب الكرد الذين يرون فيه ليس فقط رئيسًا بل زعيمًا روحيًا ومعنويًا يجسد قيمهم وهويتهم وتاريخهم.
في زمنٍ تتغير فيه التحالفات والمواقف يبقى الرئيس مسعود بارزاني ثابتًا كجبلٍ من جبال كوردستان لا ينحني إلا لله ويقف شامخًا باسم الشعب الذي أحبّه وأفنى عمره في سبيله. تلك هي روح القائد التي تتجاوز الزمان والمكان وتبقى حاضرةً في ذاكرة الأمة ما بقيت كوردستان تنبض بالحياة.