مصطلحات جذابة رنانة .. أكره سماعها

مصطلحات جذابة رنانة .. أكره سماعها

شادي حاجي- ألمانيا

مصطلحات بصياغات قوية وبراقة وجذابة رنانة تطرح من قبل طرفي الأزمة السورية (النظام والمعارضة) مثل الوحدة الوطنية والنسيج الوطني والمواطنة والديمقراطية من خلال دساتيرها أو مجموعة قوانينها بالنسبة للنظام، ومن خلال برامجها السياسية وأوراقها ومذكراتها وتقاريرها بالنسبة للمعارضة ليست إلا فخاً لخداع الشعب الكردي والمكوّنات القومية والدينية والطائفية الأخرى فتجدهما يطرحونها، ويستخدمونها، ويرددونها كثيراً في الخطب والمقالات السياسية، ويرددها بعض الكرد منا سياسيين ومثقفين دون أن يدركوا معناها أو مفهومها مثل «الوحدة الوطنية» وكذلك تعبير «النسيج الوطني» وهذان التعبيران في رأيي هما تعبيران فى منتهى السوء ويتم طرحهما، وترديدهما بدون فهم أو وعي كافٍ، فهما تعبيران ينفيان التعددية القومية والسياسية والثقافية والدينية.
كما إن هذين المصطلحين شموليان، ويتّسمان بالتسلُّط يمنعان أية مجموعة أو أي شخص أن يُعبّر عن ذاته مصرّحاً أنه مختلف مع الأكثرية.
فالذي يُريد أن يُعلن على الملأ أنه مختلف عن النسيج الوطني هو ليس عربياً ولا مسلماً وأنه كردي سوري أو مسيحي سرياني آشوري سوري أو إيزيدي أو ملحد أو أو ... إلخ وبالتالي يُنبذ، ويُضطهد من الجماعة الوطنية.
هنا السؤال يطرح نفسه: هل عندما نريد أن نُعَرف مفهوم الشعب السوري أو النسيج الوطني نقول: «السوريون عدا الفئات التالية ذكرها؟... إلخ».
إن هؤلاء المختلفين عن الأكثرية فى البلاد الديمقراطية العريقة يحميهم القانون، ويعاقب من يرفضهم أو حتى من يسيء إليهم، ويعتبرون وجودهم مصدر قوة لترسيخ الديمقراطية الواعية ووعي الشعب وإغناء للمجتمع، ولعل الجميع يلاحظ أن هذه التعبيرات (الوحدة الوطنية والنسيج الوطني) تبرز وبقوة عندما يحدث خلاف ما بين الكرد والعرب حول حقوق الشعب الكردي في سوريا، وحل القضية الكردية أو بين مسيحيين ومسلمين على بناء كنيسة أو مشكلة طائفية ما، والهدف من إبراز وطرح واستخدام هذه المصطلحات الرنانة والجذّابة هو رفض تناول المشكلات التعدُّدية القومية والدينية والطائفية بموضوعية وعمق وعدم الرغبة فى حلها بشكل جذري.
مثل هذه المصطلحات والقضايا لا تتحدد ولا تستقيم إلا بالرجوع الى الممارسة على أرض الواقع لأن التطابُق بين النصوص والوقائع على الأرض هو المحدد الوحيد لهذه القضايا (المصطلحات) المطروحة ولا يكفي لقياس الالتزام بمجرّد الطرح لأننا كردياً رأينا، وعانينا كثيراً من قبل النظام السوري على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن في أوقات الأزمات، وحتى في الحالات والأوقات العادية من خلال تعطيل الدستور والانتهاكات الدستورية والقانونية بفرض قانون الطوارئ واستبدال سلطة القانون بسلطة الأشخاص دون أن تتمكن تلك المصطلحات الدستورية الرنّانة أن تمنع إساءة استعمال السلطة السياسية عامة، والإساءة الى العدالة نفسها بصفة خاصة كما أن الشعب الكردي عانى، ومازال يعاني من الممارسات الاجرامية وانتهاكات حقوق الانسان كما، يعاني الشعب الكردي في عفرين وسره كانييه وكري سپي من قبل الفصائل المسلحة عندما عملت كمرتزقة لتركيا، وسهلت لها وساعدتها باحتلال تلك المدن الكردية، وارتكبت الجرائم بحق أهالي تلك المناطق الكردية من قصف وتدمير وقتل وخطف وسرقة وسطو وتهجير وتشريد وتغيير ديمغرافي وهذا يؤكد أنه من السهل في بلادنا ذات الأنظمة الديكتاتورية المستبدة والحركات العنصرية العروبوية الاسلاموية التي تفتقر بل وتفتقد الثقافة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان منح السلطة للشعب والسيادة للقانون بالخطب الرنانة والبرامج المؤدلجة وماأسهل سحب هذه السلطة وتلك السيادة حينما تشاء وفي المكان الذي تشاء!!
لذلك على الجميع أن يدرك أنه في الديمقراطيات الحقيقية لا يستخدمون هذه التعبيرات العامة (النسيج الوطني والوحدة الوطنية) التى تُجنب أعداداً ليست بقليلة بل لا يصفون الشعب بصفات عاطفية تشمل الجميع بلا استثناء.
إنّهم يعطون حقّ الاختلاف للأفراد على أساس انتماءهم القومي أو السياسي أو الديني أو الجنسي... إلخ. لذلك هذه المصطلحات التى يلوكونها، ويطرحونها بهدف معاقبة من يرفضها لأنه يرفض فكرة الجسد الواحد للشعب الواحد إنما يدمّر كل أمل فى تحقيق ديمقراطية حقيقية ويمنع معنى المشاركة لأن المشاركة تعتبر مقوماً أساسياً من مقومات المواطنة، وهنا سوف لن أتناول موضوع المواطنة من حيث تعريفها ومفهومها وأصلها وفصلها من عدة جوانب (فلسفية – اجتماعية – سياسية – قانونية ... الخ) .
لماذا؟ لأن مفهوم المواطنة مايزال ضبابياً وموضع نقاش واسع وخاصة في العالم العربي والشرق أوسطي عموماً، وهو مفهوم خلافي بين المثقفين القوميين العرب السوريين والكرد والأقليات غير العربية، بالتأكيد لن يكون بمقدور أحد أن يقدم إجابات عن كل التساؤلات التي ستواجهه لأن الهوة أوسع من أن تردم بين يوم وليلة.
لابدّ من تظاهرة ثقافية تحت عنوان (المواطنة) بين المثقفين السوريين العرب والكرد تتضمن برنامجاً غنياً بالنشاطات الثقافية والأكاديمية (محاضرات وندوات وحلقات نقاشية وورشات عمل) لأن المواطنة عنوانٌ مهمٌّ وخاصة في خضم الجدل الشائك بين السوريين بجميع مكوناتهم، وبشكل خاص بين المكونات غير العربية وبين صفوف طرفي الأزمة السورية المعارضة العروبية الاسلاموية والنظام، فالمسألة ليست بسيطة ولا تحل برأي ومقال أو برأي.
لذلك سأدخل مباشرة في الموضوع من وجهة نظري كإنسان كردي أنتمي إلى شعب كردي مضطهد ومحروم من أبسط الحقوق الانسانية والقومية في سوريا، ويتعرّض إلى أبشع أنواع الظلم والإنكار والصهر القومي والتهجير من مناطقه الكردية دون أدّعي امتلاك الحقيقة كل الحقيقة.
المواطنة التي أريدها لا ينبغي أن تختزل في مجرد الحصول على بطاقة تعريف (الهوية الشخصية) أو جواز سفر أو انتسابي الجغرافي للوطن (الدولة) بغياب هويتي وانتسابي القومي والثقافي، فالهوية بالنسبة لي كإنسان كردي متلازمة مع المواطنة: لأن المواطنين لابد لهم من نظام سياسي ديمقراطي وعلاقات ثقافية واقتصادية واجتماعية وقوانين تضبط هذه العلاقات، وكل هذا إنما تبنى على معتقدات وقيم ومعايير ديمقراطية حقيقية أي على هوية معينة ليس الوطن الذي ينسب إليه المواطنون هو الذي يحدّد لهم نوع الهوية التي إليها ينتسبون، فالروس كانوا مواطنين روساً حين كانوا ينتمون الى الاتحاد السوفييتي وهم الآ ن مواطنون روس بعد تفكك الاتحاد السوفييتي فإذا اختلفت الهويات اختلفت الرؤى في النظرة الى الوطن.
المواطنون مهما كان إخلاصهم لوطنهم وحرصهم على مصلحته لا يمكن أن ينظروا الى تلك المصلحة باعتبارهم مواطنين فقط بل لابد أن ينظروا إليها بحسب هوياتهم القومية والثقافية واللغوية والتاريخية بالإضافة الى الفلوكلور والعادات والتقاليد والأرض التاريخية التي يعيشون عليها.
يتوهّم من يقول أنه بإمكان المواطنين في بلد ما أن يحلوا مشكلاتهم بمجرد انتمائهم الوطني فيقولون مثلاً:
لماذا لا نجلس باعتبارنا سوريين أو أتراك أو فارسيين أو عراقيين، وننسى انتماءاتنا الأثنية لنحل مشكلاتنا؟
نعم قد تكون هناك مشكلات يمكن حلها باعتبارنا بشراً، ولكن ما كل المشكلات كذلك وإلا ماانتمى الناس أصلاً الى شعوب وأقليات وأديان وطوائف والى ثقافة من الثقافات، فمفهوم المواطنة ووحدة المواطنة لدي ككردي سوري لا تنحصر في حمل جنسية الدولة أو الوطن فقط بل تعني لي الكثير:
تعني لي الشراكة لأن المشاركة تعتبر مقوماً أساسياً من مقومات المواطنة حيث أنها تشتمل على معنى قانوني، فالمواطن هنا ليس مجرد فرد له حضور مادي لكن هو شخص قانوني بمعنى أنه يمتلك حقوقاً مدنية وسياسية، ويتمتع بالحريات الشخصية، وهي حرية العقيدة والتعبير وحرية التنقل والزواج والحق فى الدفاع عن نفسه إذا مثل أمام العدالة كذلك له حق الحياة السياسية بالمشاركة كأفراد وكمجموعة إذ له حق الانتخاب والتصويت والترشُّح لتولي كلّ الوظائف السيادية والعمومية وحرية تأسيس الأحزاب والنقابات.
والمواطنة كذلك لها معنى متصل بما يمكن أن نسميها الشرعية السياسية، فالمواطن ليس شخصاً قانونياً باعتباره فرداً فقط لكنه أيضاً يتمتع بنصيب من السيادة السياسية باختياره لممثليه، وهذا يُطلق عليه: «مبدأ التحقيق الذاتي والجماعي » والذي يختصر هدف الدولة في «تحقيق الحرية».
فلكي يكون دستور الدولة حقيقياً وصحيحاً وشفافاً وصادقاً يجب أن يُعبر عن الإرادة والروح العامة لكل المكونات القومية والدينية وإحساس الجميع بالقيمة (الانسانية والأخلاقية والثقافية والاقتصادية " توزيع الثروة وواردات الدولة للمناطق المتضررة نتيجة الاجراءات الاستثنائية التي جرت بشكل منهجي متعمد وأخص بالذكر المناطق الكردية") وكذلك عن تقاليدهم وطموحاتهم وتطلعاتهم المستقبلية على حد قول جهابذة الديمقراطية الأوروبية جان جاك روسو، وكانط، وهيجل، ولذلك أصبح هذا المبدأ أهم أسس الديمقراطية الحديثة، ومفهوم الحكومة المعاصرة.
لما سبق ذكره من أمور أقول مفهوم الدولة الوطنية لدي ليس على أساس (كلنا مواطنون وكلنا أخوة) فإن هذا المفهوم لا يختلف كثيراً عن مفهوم الدولة الوطنية لدى دولة البعث والفكر البعثي العفلقي السوري الحالي والعراقي سابقاً الذي قام، ويقوم على أساس صهر جميع الأقليات والقوميات الأخرى غير العربية في بوتقة القومية العربية والتي أثبتت الوقائع التاريخية فشلها، وأهمُّها انهيار الاتحاد السوفييتي والاتحاد اليوغسلافي، وحتى حكم البعث السابق المنحل في العراق، وهذا يدل على أن مفهوم الدولة الوطنية والاستقرار القائم على أساس الاضطهاد وكبح حق تقرير المصير للشعوب ليس إلا استقراراً مزيفاً.
بناءً على ما ذكر يجب أن تكون الجنسية السورية هي جنسية الفرد والدولة وليس الجنسية العربية السورية كما هو الآن وهذا ما يذكّرنا بالنظرة الأتاتوركية التي تتميز بتبجيل وتعظيم الذات وإنكار الآخر والذي يقوم على منطق (تركي + كردي= تركيين) فإذا كانت المواطنة على هذا الشكل وقياساً عليها ووفق النظرة البعثية (عربي سوري + كردي سوري= عربيين سوريين) هذا منطق مرفوض وغير مقبول ومردود عليه، وتضرب أسس التعايش السلمي بعرض الحائط ولا تحمي، ولا تحفظ، ولا تحترم خصوصيات كافة مكوّنات المجتمع، وتخل باستتباب أمن واستقرار البلد أما عن الديمقراطية والنظام الديمقراطي بأنه الحل الأمثل لكل قضايا الهوية في العالم العربي ومنها سوريا، هنا أستشهد بما خلص عياض بن عاشور فى خاتمة كتابه «السياسة والدين والقانون في العالم العربى» بقوله: «إن الديمقراطية الممنوحة للشعوب العربية ليست إلا فخاً جُعل لخداع الأبرياء».
لأن الديمقراطية كما أفهمها وعايشتها في غربتي في أوروبا، وكتبت عنها أكثر من مرة أنها ليست لصقة تلصق على الجبين فيصبح الفرد ديمقراطياً كما أنها ليست حقنة يحقن بها الفرد كما يحقن المريض فيصبح ديمقراطياً وهي ليست مجرد تسمية نسمي بها أحزابنا أو دولنا فتصبح أحزابنا ودولنا أحزاب ودول ديمقراطية .. فالديمقراطية ثقافة وتربية وتجربة وممارسة في البيت في المدرسة في العمل في العلاقات الأسرية والاجتماعية والسياسية والادارية وو.
مازال الطريق حتى يفهم المجتمع السوري بشكل عام وطرفي الأزمة السورية (المعارضة والنظام) بشكل خاص الديمقراطية وحتى تنتشر الثقافة الديمقراطية، وتترسّخ مبادئها أمامهم مشوار مازال طويلاً في منطقتنا، وقد يحتاج الى أكثر من نصف قرن من الزمن.
لذلك بالنسبة لي ومن وجهة نظري ككردي سوري وقد لا يعجب الكثيرين عرباً وكرداً وو .. هو وضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بأسمائها بكل جرأة وصدق وصراحة ووضوح هو الاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي وحقه في تقرير مصيره كما يشاء، وكما يراه مناسباً وما يترتب على ذلك من حقوق سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية وبمواد فوق الدستورية، إذ دون هذه الخطوة يبقى كل ماعداه فاشلاً وغير مُجدٍ.
لأنه لابد من الاطار القانوني لحل القضية الكردية وبانعدام الحماية القانونية والضمانة في الدستور لا تتمتع أية عملية لحل القضية الكردية بمصداقية.