كُرد خراسان …. الوطن يليق بهم
صالح محمود
الكُرد في شرقي كوردستان، يتوزعون في خمس محافظات بشكل أساسي وهي: كوردستان وكرمنشاه وإيلام وأذربيجان الغربية وخراسان.
المحافظات الأربع الأولى مُتجاورة، وخراسان وحدها تقع شمال شرقي إيران، وهي مفصولة ومقتطعة عن جسم وخارطة كوردستان إيران بالمطلق، وتبعد عنها بمسافة كبيرة، من هنا تبدأ أهمية هذه البقعة الجغرافية الحية بسكانها، ويبلغ عدد كرد خراسان أكثر من ثلاثة ملايين كردي ينتشرون على مساحة وقدرها 64,144 كيلومتر مربع، هذه المساحة أكبر من مساحة دولة مثل قطر أو لبنان أو حتى الكويت.
المساحة الكاملة لخراسان تبلغ 117 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها حوالي ستة ملايين ونيّف، نصفهم من الكرد أي حوالي 50 بالمئة بحسب إحصائية أُجريت للمحافظة عام 2016 وتبلغ نسبة الفرس حوالي 30 بالمئة، والباقي أتراك وقوميات أخرى.
خراسان تقع شمال شرقي إيران، وهي تبعد عن كوردستان إيران أكثر من ألفي كيلومتر، وهذه مسافة كبيرة، وقد كانت السبب الأول في قلة وشحّ المعلومات عنها.
هُجّر الكرد قسراً إلى خراسان من شمال شرقي كوردستان الكبرى في القرن الخامس عشر على يد الشاه الصفوي إسماعيل، ومن بعده الشاه عباس، وقد تم ترحيل نحو خمسين ألفاً من الكرد إلى أقصى الشرق حيث خراسان، وذلك لمنع حدوث أيّ تحالف بينهم وبين العثمانيّين آنذاك، ولكي لا يشكّلوا خطراً على مصالح الدولة الصفوية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هي أنّ خراسان كانت تتعرّض لهجمات متكررة من الأوزبكيين والكازاخيين وشعوب شرق آسيا لكونها منطقة حدودية، لذلك ارتأى الشاه الصفوي إسماعيل أن ترحيل وتوطين البعض من العشائر والأسر الكردية هناك سيؤمّن الحماية الكاملة لتلك المناطق، وسيكون لها بمثابة الدّرع الحصين في وجه الغزاة، وسوف تشكّل هذه المجاميع الكردية قوات الهجانة أو حرس الحدود في مواجهة الخطر الأوزبكي والكازاخي وشعوب شرق آسيا المتكرر على خراسان، وقد شمل التهجير عشائر بعينها كانت تتسم بالشجاعة، وتحّمُل الصّعاب والقدرة على القتال كعشائر الچنكي والپسيان على سبيل المثال لا الحصر.
كرد خراسان يتكلّمون اللهجة الكرمانجية التي يتحدث بها حوالي عشرون مليون كردي، وبشكلٍ خاص كرد أورفا في تركيا، امتاز كُرد خراسان بالحفاظ على لغتهم وتراثهم وتقاليدهم رغم ابتعادهم عن وطنهم الأم كوردستان، كما أنهم مازالوا يحتفظون بتراثهم الموسيقي بشكلٍ خاص، ويغنون الأغاني الكُـردية، ويردّدون الملاحم والأساطير الكُـردية في مجالسهم، ويُعتبر تراثهم الموسيقي نمطاً أصيلاً من أنماط الموسيقا الكُـردية التي تسبح في بحرٍ من الألحان والأنغام، خصوصاً إن كُـرد خراسان يعتزون بأصولهم القومية، ويعدون موسيقاهم موسيقا كُـردية خالصة.
وقد حافظت الموسيقا الكُـردية في خراسان على خصائصها، حيث دوّنت منظمة اليونسكو موسيقا شمال خراسان التي هي موسيقا كورد خراسان، كأحد روافد تراث فن الموسيقا في العالم.
«تتميز هذه الموسيقا عن بقية مناطق إقليم خراسان كونها مقامية، والكثير من نصوص الأغاني والملاحم المغناة عند كورد خراسان هي نتاجات أدبية للحروب التي خاضوها أثناء مقاومتهم لهجمات أقوام آسيا الوسطى.» ولكن هذا لا ينفي تأثرهم بالشعوب التي جاورتهم حيث أزياؤهم تشبه أزياء شعوب القفقاز التي تمتاز باللون الأحمر والأبيض ورقصاتهم، كذلك تشبه رقصاتهم، فهم لا يمسكون أيادي بعضهم البعض عند الرقص مثل باقي أجزاء كوردستان.
كرد خراسان مسلمون، وأغلبُهم يدينون بالمذهب الشيعي، الشيعة الاثني عشرية، والأقلية منهم سنة، وهم يتّسمون بعنصر الأصالة بالرغم من الظروف الصعبة التي عاشوها من خلال الحروب التي خاضوها، وبالرغم من انتزاعهم القسري عن وطنهم الأم كوردستان إلا أنهم مع ذلك حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم وتراثهم ولغتهم.
ما زال الكثير من الأمور المتعلقة بحياة كرد خراسان وروتينهم اليومي مجهولاً وغامضاً لبعد المسافة بينهم وبين كوردستان عموماً، وهناك أدلة وقرائن تدلُّ على أن خراسان كانت منذ القدم مسكونة بالكرد حتى قبل عملية التهجير التي بدأت بالقرن الخامس عشر الميلادي، وأحد هذه الأدلة هو ظهور القائد أبو مسلم الخراساني الكردي الأصل في بداية القرن الثامن الميلادي وترؤسه لثورة العباسيين ضد حكم بني أمية.
المنطق العام للأشياء يؤكّد أنّ أبا مسلم لم يكن يقطنُ بمفرده في خراسان، فلا بد أنه كان محاطاً بأهل وعشيرة، وحاضنة شعبية اعتمد عليها في تأسيس جيشه العرمرم، حيث بدأت الدعوة العباسية من هناك من خراسان، وانطلقت شرارة الثورة على يد أبو مسلم الخراساني الذي وضع حجر الأساس واللبنة الأولى لإمبراطورية بني العباس التي دامت أربعمائة عام، وهو الذي دكّ الأسفين الأول في نعش الدولة الأموية، وضرب قادتهم وولاتهم وأمراءهم بيدٍ من حديد، وقد قال عنه الخليفة العباسي المأمون: «أجّلُ ملوك الأرض ثلاثة الذين قاموا بثقل الدول وهم الإسكندر وأزدشير وأبو مسلم الخراساني».
من المدن الكردية في خراسان مدينة بجنورد، قوجان، شيروان، جناران، ومدينة فاروج، وغیرها من المدن الكردية الخراسانية، وكلها مكتظة بأعداد هائلة من الكرد، وحسب شيكوفته /مؤسس ومشارك في تأسيس منظمة ثقافية تهتم بكورد خراسان، ومقرُّها لندن فإنّ بعض الكرد في خراسان عاشوا صراعات ومضايقات ودخل السجون في سبيل الحفاظ على الهوية الكرديّة، مثل الكاتب والشاعر علي رضا روشان الذي احتجز في سجن "إيفين" السيّئ الصيت في طهران منذ سبتمبر 2011.
يقول المركز السويدي للدفاع عن حرّية التعبير في تقرير له إن روشان متّهم بالانتماء إلى جماعة تسمّى "غونابادي" وأدين «بالتحريض والتواطؤ بقصد الإخلال بالأمن الوطنيّ» بموجب قانون العقوبات الإيرانيّ الإسلاميّ. وقد تحولت منظمة شيكوفنه الثقافية في عام 2009 إلى منظمة سياسية تعمل على ارتقاء الوعي السياسي عند كرد خراسان. ومع ذلك يشكّل كُرد خراسان لغزاً بالنسبة لأقربائهم في كوردستان عموماً، هذا ما أكده شيكوفته حيث أدرك ذلك حين عقدْ مؤتمر صحفيّ في لندن عام 2009 عندما وجّهت إليه الأسئلة لمدّة أربع ساعات حولهم.
من أبرز الشخصيات الكردية في خراسان المؤرخ كليم الله توحّدي (كانيمال) وقد ألف سلسلة عظيمة من الكتب التاريخية بعنوان «الحركة التاريخية للكرد في خراسان» وقد أصبحت أحد أهم المراجع الأساسية لتاريخ الكرد في خراسان، وكذلك الشاعر العالمي بهار والشاعر جعفرقلي زنگي، وكل هؤلاء عاشوا في القرن الماضي.
أختم كلامي بقول أحدهم: «من يملك وطناً عليه أن يحافظ عليه، ومن ضاع وطنه عليه أن يسعى بصبرٍ ودأب إلى أن يستعيده على الأقل ذاكرة وتذكُّراً، وهذا أضعف الإيمان».