ممارسة الحرية
فرهاد شاهين
سقط نظام الطغمة، تحطم القفص، وخرجنا إلى الحرية..
حرية لم نمارسها من قبل، بل حتى لم نتذوق طعمها
حرمان وجوع كبير للحرية، وجد فرصته للتعبير، فانطلق كالسيل الجارف، لا يلوي على شيء.
بحماس ورغبة في تفريغ ما تراكم، وتعويض ما فات، انخرط الجميع في الاستحقاق الجديد، كتابة ونشرًا وتظاهرًا ومشاركةً في المنتديات وظهورًا على الفضائيات وممارسات على الأرض..
لكن للأسف، لم يصاحب تلك الاندفاعة نحو عيش الحرية وممارستها، ما تتطلبه تلك الممارسة ومن وعي ومن شعور بالمسؤولية، خاصة ونحن نعيش حالة من الهشاشة الخطرة على كل المستويات: ضعف في مؤسسات الدولة، انقسامات مجتمعية من كل الأنواع.. مستوى متقدم من الريبة والشك والخوف في الصدور..
الرغبة في الشهرة وفي تحقيق الإعجابات وفي تسطير المواقف والبطولات لإرضاء الذات أو الآخرين قد تفعل فعلها المدمر في ظروفنا..
الكلمة كالرصاصة الآن، ومقطع فيديو قد يحرك آلاف الرؤوس الحامية والمستفَزَّة، فكيف ننشر دون وعي وإحساس بالمسؤولية؟؟ وكيف نشارك دون أن نتحقق من المصدر؟؟
ما ينطبق على الرأي والكلمة والنشر ينطبق على التظاهر وعلى أي شكل آخر من أشكال ممارسة للحرية..
إذن علينا ممارسة الحريات بوعي وإحساس عالٍ بالمسؤولية: وعي بالتأثيرات المحتملة، وعي بالعواقب، وعي بمنظومة القيم والأخلاق السائدة.. كي لا يتحول هذا الحق المقدس في ممارسة الحرية إلى أداة هدم وتخريب وأذى، خاصة في ظروف هشة وحساسة كظرفنا الحالي.
الحرية دون وعي ومسؤولية تعني الفوضى، وقد تتحول إلى أداة هدم وتخريب.
إذا كنا في الحالات الطبيعية نعد للعشرة قبل أن نقول أو نكتب شيئًا، فعلينا الآن أن نعد للمئة.
إذا كان من واجبنا في الحالات الطبيعية أن نتأكد قبل مشاركة منشور أو مقطع فيديو، فعلينا الآن أن نتأكد عشر مرات.
هل يريد كاتب هذه الكلمات القول: ليس الآن وقت النقد وممارسة الحريات؟
بالتأكيد لا، بل إن هذا أسوأ ما قد يُقال.
ما أريد قوله تحديدًا هو أن على الجميع أن يمارس حريته، ولا يتوقف عن التعبير والنقد والضغط وحتى السخرية.. إنما بوعي ومسؤولية، أي بشيء من التفكير وحساب التأثيرات والمضاعفات والعواقب، كي لا نعمق، من دون قصد، الشروخ القائمة، ولا نصب الزيت على النار، ولا نقدم الفرص للمتربصين، ولا نستدعي ردات فعل غير مرغوبة من قبل السلطة أو من قبل آخرين..
هي مرحلة بالغة الحساسية والخطورة، علينا اجتيازها بمنتهى الوعي والإحساس بالمسؤولية، كي لا نفقد حلمًا طالما انتظرناه.