الكورد في سوريا المستقبل، نحو شراكة وطنية عادلة وإنهاء التمييز

الكورد في سوريا المستقبل، نحو شراكة وطنية عادلة وإنهاء التمييز

عزالدين ملا

الكورد هم جزء لا يتجزأ من الهويّة السورية، تاريخاً وحضارة، ورغم مساهماتهم الكبيرة في بناء الوطن، فقد تعرّضوا على مدى عقود للإقصاء والتهميش من قبل الأنظمة الحاكمة، حيث مورست بحقهم أساليب من الاضطهاد والتمييز على مختلف الأصعدة. وعلى الرغم من هذه المعاناة، كان نضال الكورد دوماً جزءاً من نضالات السوريين، وشاركوا إخوانهم العرب في الثورة ضد نظام الأسد المجرم.
مع سقوط هذا النظام البعثي وعائلة الأسد البائد بدأت سوريا تدخل مرحلة جديدة تتطلب تعاوناً حقيقياً بين جميع مكوّنات المجتمع السوري لبناء وطن جامع يحقق تطلّعات الشعب بكلً أطيافه دون إقصاء أو تمييز. لكن ما هو المطلوب من الكورد في هذه المرحلة الجديدة، وما الذي يجب على الحكومة الحالية القيام به لضمان حقوق جميع السوريين؟

1. ما الدور الذي يجب أن يلعبه الكورد في بناء سوريا المستقبل والمساهمة في تحديد شكل الدولة الجديدة؟
2. ما هي الخطوات التي يجب على الكورد اتخاذها لتعزيز وحدة المجتمع السوري وتجاوز الماضي المليء بالإقصاء؟
3. كيف يمكن للحكومة السورية الحالية أن تضمن حقوق الكورد بشكل فعلي وتجنب تكرار سياسات التمييز السابقة؟
4. ما هي الإجراءات التي يجب أن تتخذها الحكومة لتحقيق مشاركة فعلية وعادلة للكورد في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
5. كيف يمكن بناء الثقة بين الكورد وبقية مكونات الشعب السوري في ظل التحديات التي تواجههم؟

الكورد مكون اساسي وفاعل عبر تاريخ سوريا
تحدث المستشار الإعلامي لمكتب الزعيم مسعود بارزاني، كفاح محمود لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «الكورد مكون اساسي وفاعل عبر تاريخ سوريا السياسي والاجتماعي والعسكري، ولطالما كان معطاء في كل المجالات العلمية والصناعية والزراعية والاقتصادية ناهيك عن دورهم السياسي رغم القمع الذي تعرضوا له منذ مطلع ستينيات القرن الماضي وعمليات التغيير الديموغرافي العنصرية الا ان ارتباطهم وانتمائهم لسوريا لم يتزحزح، واليوم وبعد التضحيات الجسام التي قدموها في حربهم ضد الارهاب الذي استهدف سوريا بأكملها بل الشرق الاوسط والعالم برمته، وعليه فان دورهم يتأتى من تلك التضحيات وذلك الانتماء والمواطنة الحقة التي تجعلهم في صدارة مراكز القرار وتحديد شكل الدولة ومستقبلها».
يضيف محمود: «ان وحدة المجتمع السوري تأتي من وحدة المجتمعات والمكونات المؤسسة له وفي مقدمتها وحدة المجتمع الكوردي وخاصة فعالياته السياسية وجمعياته ومنظماته حول هدف مشترك وخطاب موحد متين خال من سلبيات الماضي وثقافة الاقصاء والتهميش والابعاد عن فكرة الانتقام بالتسامح والتعايش بين الجميع».
يشير محمود: «إلى ان الشعب الذي قدم على مذبح الحرية يستحق كل تقدير واحترام، وفي مقدمة ذلك حقوقه وخصوصيته التي ناضل من اجلها عشرات السنين، تلك الحقوق التي يجب تضمينها في دستور عصري ديمقراطي دائم يصون كرامة وثقافة ولغة وهوية الكورد وحريتهم».
يؤكد محمود: «ان ذلك ليس اجراءات بل مبادئ العهد الجديد الذي تمخضت عنه تضحيات كل مكونات سوريا القومية والدينية والمذهبية التي تحتم اشراكهم جميعا في رسم خارطة سوريا الجديدة ونظامها ودستورها الذي يضمن حقوق الجميع في دولة الحرية والقانون والديمقراطية، وفي مقدمتها الاعتراف الدستوري بالمكون الكوردي الرئيسي الثاني بعد العرب في سوريا وما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات».
يختم محمود: «ان بناء الثقة يأتي من مجموعة القوانين التي تضمن حقوق الجميع في دستور يستظل به الجميع ويكون الاساس الذي تقوم عليه دولة سوريا الجديدة ونظامها الديمقراطي التعددي».

القضية الكردية هي جزء من القضية الوطنية السورية العامة
تحدث الكاتب، ابراهيم اليوسف لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بداية، لا بد من التأكيد أن الكرد جزء أصيل من الهوية السورية، تاريخاً وحضارة، ورغم مساهماتهم العميقة في بناء الوطن، فقد تعرضوا على مدى عقود للإقصاء والتهميش الممنهج من قبل الأنظمة الحاكمة. إذ لم يكن اضطهادهم مجرد انعكاس عام للقمع الذي طال السوريين جميعاً، بل كان سياسة مدروسة استهدفت وجودهم القومي، لغتهم، ثقافتهم، وحقوقهم التاريخية. لقد واجه الكرد حملات تعريب وتغيير ديمغرافي في مناطقهم، إلى جانب حرمانهم من الحقوق السياسية والاقتصادية التي يتمتع بها غيرهم».
يتابع اليوسف: «انه على رغم كل هذه المعاناة، ظل نضال الكرد جزءاً لا يتجزأ من نضال السوريين عموماً. كانوا في طليعة القوى المعارضة للاستبداد، حيث سجلوا مواقف بطولية في مقاومة الدكتاتورية، بدءاً من انتفاضاتهم المتكررة، كما في عام 2004، وصولاً إلى انخراطهم الفاعل في الثورة السورية. إن مساهماتهم في النضال من أجل الحرية والديمقراطية، ودماء شهدائهم التي امتزجت بدماء إخوتهم من المكونات الأخرى، تؤكد أن القضية الكردية ليست مسألة انفصالية كما يحاول بعضهم تصويرها، بل هي جزء من معركة السوريين في سبيل العدالة والكرامة.
ومع انهيار نظام البعث ودخول سوريا مرحلة جديدة، أصبح من الضروري إعادة بناء الدولة على أسس تضمن حقوق جميع مكوناتها القومية والدينية، بعيداً عن الإقصاء والتمييز. في هذا السياق، يطرح السؤال الجوهري: كيف يمكن تحقيق العدالة للكرد في سوريا المستقبل؟ وما الدور الذي ينبغي أن يلعبوه في إعادة بناء الدولة السورية؟».
يشير اليوسف: «إلى ان الكرد اليوم يواجه تحديات كبيرة في تثبيت حقوقهم ضمن سوريا موحدة، حيث إن الحلول المطروحة تتراوح بين اللامركزية الموسعة والفيدرالية، بينما تحاول بعض القوى فرض مركزية جديدة تعيد إنتاج الاستبداد بصيغة أخرى. إن أي مشروع مستقبلي لسوريا يجب أن يكون قائماً على مبدأ المواطنة المتساوية، والاعتراف بالحقوق القومية للكرد، وضمان حرياتهم السياسية والثقافية، من خلال نظام ديمقراطي يكرس العدالة لكافة السوريين.
لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب من الكرد تجاوز التشرذم السياسي الذي عانى منه نضالهم طويلاً. فالانقسامات الداخلية بين القوى الكردية تشكل- يا للأسف- عائقاً أمام توحيد الرؤية والموقف السياسي، وتضعف قدرتهم على فرض مطالبهم في المحافل الدولية والإقليمية. إن بناء موقف سياسي موحد للكرد، قائم على رؤية واضحة لمستقبلهم داخل سوريا، سيكون حجر الأساس لضمان حقوقهم. كما أن تعزيز العلاقات مع المكونات الأخرى، وخاصة العرب، ضرورة لا غنى عنها، إذ إن مصير جميع السوريين مرتبط ببعضهم بعضاً. لأن أي مشروع كردي لن ينجح في غياب التوافق الكردي الكردي ومن ثم الوطني العام الذي يحاول أعداء وئام السوريين كبحه وإفشاله.
إضافة إلى ذلك، فإنه يجب اتخاذ إجراءات عملية لإنهاء الظلم التاريخي الذي تعرض له الكرد. حيث يتطلب ذلك تعديلات دستورية وقانونية تعترف بحقوقهم القومية، وتضمن لهم الحق في استخدام لغتهم وتعليمها في المدارس، وتطوير ثقافتهم بحرية، وإعادة الجنسية لمن حرموا منها قسراً، وتعويض المتضررين من سياسات التغيير الديمغرافي والتهجير القسري. هذه الخطوات ليست مجرد استحقاقات للكرد، بل هي شروط ضرورية لتحقيق الاستقرار في سوريا الجديدة».
على المستوى الاقتصادي يضيف اليوسف: «فإن المناطق الكردية عانت ولما تزل تعاني من تهميش متعمد حال دون تطويرها على مدى عقود. ينبغي أن تتضمن أي رؤية لسوريا المستقبلية خططاً لتنمية هذه المناطق، وإعادة تأهيل بنيتها التحتية، وتحقيق تنمية متوازنة بين جميع الأقاليم السورية. كما أن مشاركة الكرد في الحكم، ليس فقط على مستوى الإدارة الذاتية لمناطقهم، بل أيضاً في مؤسسات الدولة المركزية، ضرورة لضمان تمثيلهم العادل في مراكز صنع القرار».
على المستوى الوطني، يردف اليوسف: «فإن بناء الثقة بين الكرد وباقي الشركاء من المكونات السورية أمر لا غنى عنه لتجاوز الماضي. وتأسيساً، على كل هذا وذاك، فإن المصارحة والمصالحة يجب أن تكونا جزءاً من أي مشروع وطني مستقبلي، بحيث ينبغي أن يتم الاعتراف بالمظالم التاريخية التي تعرض لها الكرد، ومعالجتها بشكل عادل. كما أن على القيادات الكردية والعربية- وبالتعاضد مع باقي شركاء الوطن- العمل المشترك من أجل بناء تفاهمات واضحة حول المستقبل، بعيداً عن الخطابات الإقصائية والتخوين المتبادل اللذين تم تكريس ثقافتهما، عبر عقود. ولهذا فإن الدور المعول على الإعلام الحر والمستقل جد مهم، إذ إن من شأنه أن يؤدي دوراً مهماً في تعزيزمثل هذا التقارب، من خلال تسليط الضوء على القضايا المشتركة، وإعادة تصحيح الصور النمطية المتبادلة، وإعادة وتعزيز الثقة المتبادلة التي اشتغل النظام البعثي- لاسيما في زمن الأسدين الأب والابن خلال نصف قرن ونيف- على محاولة نسفها وتدميرها».
يؤكد اليوسف: «إن مستقبل سوريا يعتمد على قدرتها على تجاوز العقلية القومية الضيقة التي سادت لعقود، والتحول إلى دولة قائمة على أسس ديمقراطية حقيقية. لا يمكن بناء وطن مستقر دون الاعتراف بالتعدد القومي والثقافي، وضمان حقوق جميع المكونات. الفيدرالية، التي تُعدّ نموذجاً ناجحاً في العديد من الدول، ليست مشروع تقسيم كما يروج له بعضهم، بل قد تكون الإطار الأنسب لضمان حقوق الكرد وتحقيق الاستقرار في البلاد. إن رفض الحلول العادلة وفرض هيمنة مكون على آخر لن يؤديا إلا إلى استمرار الصراع، وإبقاء البلاد رهينة للتوترات والمظالم المتراكمة».
يختم اليوسف: «إن القضية الكردية ليست مجرد قضية أقلية تبحث عن حقوق، بل هي جزء من القضية الوطنية العامة، التي تتمثل في بناء سوريا ديمقراطية يتساوى فيها جميعهم، دون تمييز أو إقصاء. تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية واضحة، ورؤية متقدمة تتجاوز عقلية الاستبداد والإقصاء، وتعترف بأن استقرار سوريا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر العدالة الحقيقية لجميع أبنائها».

بناء الثقة يأتي عبر ترسيخ دعائم الديمقراطية
تحدث عضو ممثلية إقليم كوردستان للمجلس الوطني الكردي في سوريا، رامان محمود ملا لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «يُلاحظ إسهام الكورد في التعاون مع القوى الوطنية السورية من مختلف مكونات الشعب، حيث تُظهر الوقائع التاريخية مساهماتٍ قيّمةً في بناء وتطوير المجتمع السوري. ويُجسّد دورهم الفعّال في شتى المجالات روح المبادرة والمسؤولية. إن مشاركتهم الفعّالة تُعزّز الوحدة الوطنية، وتوطّد أواصر التعاون، وتُسهم جهودهم في بناء مستقبلٍ مشرقٍ لجميع السوريين. وقد شاركوا منذ بداية الثورة السورية جنباً إلى جنب مع الأحزاب والمكونات المعارضة لنظام الأسد، متضامنين مع إخوانهم من أبناء الشعب السوري لبناء سوريا جديدة تلبي طموحات جميع مكوناتها، وذلك من خلال دستورٍ يكفل كرامة جميع السوريين ويضمن حقوق الشعب الكردي باعتباره ثاني أكبر قومية في البلاد».
يتابع ملا: «أن الحروب التي شهدتها سوريا، والتي شنها النظام على شعبه الساعي للحرية والكرامة، خلفت وراءها خسائر فادحة من ضحايا وشهداء ومفقودين، إضافة إلى أعداد كبيرة من المعتقلين السابقين الذين يعانون من أمراض نفسية وجسدية، مما زرع بذور الكراهية بين مكونات الشعب السوري. ولذا، يتعين على الكورد المبادرة بطرح مفهوم العفو والمصالحة تجاه من لم تتلوث أيديهم بدماء السوريين، بينما يجب محاسبة مرتكبي الجرائم، ومن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، وفقًا للقانون، وعلى الحكومة الجديدة أن تضطلع بهذا الدور، وأن تخضع لضغوط محاسبة جميع المجرمين، وخاصة رموز النظام، على جرائمهم ضد الشعب السوري».
يضيف ملا: «ان مسؤولية حماية حقوق الشعب الكردي ومنع تكرار ممارسات التمييز السابقة تقع على عاتق الإدارة الجديدة. فالحكومة الحالية، باعتبارها جزءا من الثورة السورية ضد النظام السابق، وبرئاسة السيد أحمد الشرع الذي عانى شخصيًا من ظلم النظام وتجربة اللجوء والتشريد، تدرك تمامًا معنى الظلم، وبالتالي تتحمل مسؤولية تحقيق العدالة في المرحلة الانتقالية. ويتمثل ذلك في رد الحقوق لأصحابها، ورفع الظلم عن المتضررين، بمن فيهم الشعب الكردي الذي عانى من سياسات تمييزية عبر التاريخ. وعلى الحكومة العمل على إعادة حقوق الكورد، خاصة المحرومين من الجنسية، وإعادة النازحين من عفرين وسري كانيه وكري سبي إلى ديارهم، مع ضمان استعادة ممتلكاتهم وحقوقهم، لا سيما في المناطق التي سيطرت عليها الفصائل المسلحة، كعفرين وسري كانيه».
يشير ملا: «إلى ان هناك مسؤوليات جسام تقع على عاتق الحكومة الجديدة، ويتعين عليها ضمان مشاركة شاملة لجميع فئات المجتمع السوري، بما في ذلك مكوناته القومية المختلفة، كأساس لبناء مستقبل شامل. وتعزز هذه المشاركة، ولا سيما مشاركة الكورد الذين ساهموا في الثورة السورية ولم يتعاونوا مع النظام السابق في قمع الشعب، الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار. ومن الضروري إشراك جميع القوى الوطنية في عملية البناء، إذ يمثل التعاون والتكاتف بين جميع المكونات ضمانة لوحدة البلاد. يجب أن تشمل هذه المشاركة الكورد، عبر إشراك الكفاءات منهم في الحكومة وفي جميع مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبذلك، يكون للكورد ولجميع مكونات الشعب السوري دور فاعل في بناء سوريا الجديدة».
يؤكد ملا: «إلى ان بناء الثقة بين الشعب الكردي وسائر مكونات المجتمع السوري يأتي عبر ترسيخ دعائم الديمقراطية، وصياغة دستور جديد يكفل حقوق جميع المواطنين على أساس المواطنة المتساوية. يجب أن يصون هذا الدستور الحقوق المشروعة للشعب الكردي، بما في ذلك الاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية، وإقرار مكانة الشعب الكردي كونه ثاني أكبر قومية في البلاد، متجذراً في أرضه التاريخية. كما يتعين بناء جسور الثقة بين جميع المكونات، والابتعاد نهائياً عن سياسات الأنظمة السابقة القائمة على تهميش الكورد وغيرهم من المكونات المهمشة خلال عهد حزب البعث ونظام الأسد والأنظمة المتعاقبة في سوريا. نأمل من هذه الحكومة الجديدة أن تتسم بالإنصاف في توزيع المهام والمسؤوليات، وأن تشرك جميع مكونات المجتمع السوري، لا سيما الشعب الكردي الذي عانى الأمرين على يد الأنظمة السابقة».