سوريا الجديدة، تحديات الانتقال السياسي وآفاق التعايش والشراكة

سوريا الجديدة، تحديات الانتقال السياسي وآفاق التعايش والشراكة

عزالدين ملا

بعد سقوط نظام بشار الأسد، بدأت سوريا تتّجه نحو مرحلة جديدة من إعادة البناء السياسي والمجتمعي، وسط تطوّرات دولية وإقليمية متسارعة. يتطلب هذا التحوّل تعاوناً بين كافة المكوّنات السورية، بما في ذلك الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع رئيس المرحلة الانتقالية، والمكونات مثل الكورد، الذين يسعون لتوحيد رؤاهم ومواقفهم. في الوقت ذاته، تلعب القوى الإقليمية والدولية دوراً هاماً في تعزيز الحوار والتعاون.
كما أن لاهتمام حكومة إقليم كوردستان والرئيس مسعود البارزاني بواقع الحكومة السورية الانتقالية بشكل عام والأطراف الكوردية السورية بشكل خاص دور هام في تعزيز الحوار والتعاون وبناء سوريا المستقبل.

1-ما هي أولويات الحكومة السورية الانتقالية في بناء العلاقات مع الدول الإقليمية والدولية، وما هي التحديات التي تواجهها؟
2-كيف يمكن إعادة بناء الثقة بين المكوّنات السورية المختلفة بعد عقود من الانقسامات والصراعات التي عمّقها النظام السابق؟
3-ما هي رؤية الشعب الكوردي لسوريا المستقبل، وكيف يمكن التوفيق بين مطالبهم واحتياجات الحكومة الانتقالية لتحقيق شراكة بنّاءة؟
4-ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الرئيس مسعود بارزاني وحكومة إقليم كوردستان في توحيد الصف الكوردي وضمان مشاركتهم الفعالة في إعادة بناء سوريا؟
5-كيف يمكن الاستفادة من التجارب الدولية والإقليمية في تحقيق العدالة الانتقالية وبناء نظام سياسي يحترم التنوع السوري العرقي والطائفي والديني؟
سوريا المستقبل وبناء نظام سياسي يحترم التنوع
تحدث عضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، محمد صالح شلال لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «مع سقوط نظام بشار الأسد دخلت سوريا مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص، فبعد الإعلان عن الحكومة الجديدة وتنصيب قائد قوات العمليات السيد أحمد الشرع رئيساً للدولة السورية الجديدة بات لزاماً عليهم إعادة هيكلية الدولة على أسس ديمقراطية تتسع لجميع مكوناتها الاثنية والطائفية، تلعب القوى الإقليمية والدولية دوراً بارزاً في تشكيل المشهد السياسي الجديد، في وقت تسعى الحركة الكوردية لتأكيد وتثبيت حقوقهم المشروعة وضمان دورهم في مستقبل البلاد من خلال مشاركتهم الفعالة في رسم ملامح الدولة الجديدة،
لا بد للحكومة السورية الانتقالية أن تضع في سلم أولوياتها العمل على إعادة بناء الثقة بين المكونات السورية المتعددة وتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية للحفاظ على السلم الأهلي وعدم تكرار أخطاء الماضي، وبناء دولة القانون والمؤسسات وذلك عن طريق عقد مؤتمر حوار وطني شامل يتم خلاله وبشكل توافقي على شكل الدولة وشكل نظام الحكم، بإقرار دستور مدني يتوافق مع التنوع القومي والطائفي للمكونات السورية المختلفة مبني على احترام حقوق الإنسان بشكل عام، ومن المؤكد الإقرار بأن سوريا دولة متعددة القوميات والأديان والثقافات، والاعتراف بوجود الشعب الكوردي كأحد المكونات الأساسية في البلاد، هذا من جهة وأن تسعى الحكومة الانتقالية من الجهة الأخرى إلى إعادة بناء علاقتها مع المجتمع الدولي لتأمين الاعتراف بشرعية الدولة الجديدة ونظامها الديمقراطي لضمان الدعم السياسي والاقتصادي، وخاصة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول المؤثرة مثل الولايات المتحدة والدول العربية، كما عليها التعاون مع الدول الإقليمية لبناء علاقات متوازنة معها، مثل تركيا والعراق والأردن وغيرها بما يضمن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد ودعم جهود الإعمار، ولضمان الاستقرار لا بد من التعاون مع دول ذات الشأن لمكافحة التنظيمات الإرهابية وخاصة تنظيم داعش ومنع عودة التطرف، كما عليها العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية وإعادة تأهيل البنية التحتية.
يتابع شلال: «انه بعد عقود من الانقسامات والصراعات، فإن إعادة الثقة بين مختلف المكونات السورية تعد تحدياً أساسياً أمام السلطة الانتقالية وحكومة السيد أحمد شرع ولتحقيق ذلك لابد من التركيز على ضمان إشراك جميع المكونات في العملية السياسية دون تمييز وإقصاء، والإسراع في تنفيذ الخطوات العملية للانتقال السياسي عبر الانتقال من الحالة الثورية إلى حالة بناء الدولة وذلك من خلال تشكيل لجنة مختصة لإعداد مسودة دستور على أن يضمن الحقوق الثقافية والسياسية لجميع المكونات والتأكيد على أن الجمهورية السورية هي لكل السوريين والتأكيد على مشاركة جميع المكونات من العرب والكورد والآشوريين والسريان والدروز والعلويين والإيزديين وغيرهم والتأكيد على اللامركزية كخيار لحكم أكثر عدالة، وإلغاء جميع القرارات والإجراءات الشوفينية التي تم إقرارها في زمن النظام البائد وإزالة آثارها والاعتراف بالمظالم التاريخية التي تعرضت لها بعض المكونات وخاصة الكورد والعمل على تعويض الضحايا وضمان عدم تكرار الانتهاكات وتعزيز مفهوم المواطنة لكي يشعر جميع السوريين على اختلاف مشاربهم بأنهم جزء من كيان مشترك يحترم تنوعهم الاثني والطائفي، والذهاب إلى مؤتمر حوار وطني شامل يشارك فيه الجميع للتوافق على ما تم ذكره، لقد عمل النظام البائد على مر عقود على بث روح التفرقة والعنصرية البغيضة بين مكونات السورية المتنوعة وذلك لتثبيت دعائم حكمه مما ولد الشعور بعدم الثقة بين غالبية المكونات.
أوعن رؤية الكورد لمستقبل سوريا، يشير شلال: «إلى ان الخطوط العريضة التي تدعو إليها الحركة السياسية الكوردية لضمان الشراكة الحقيقية والحفاظ على وحدة البلاد وهي أن تكون سوريا دولة ديمقراطية تعددية لا مركزية، يقرّ الدستور بوجود الشعب الكوردي، ويدرج حقوقه السياسية والثقافية فيه بما في ذلك التعليم باللغة الكوردية وضمان الاعتراف بالهوية الوطنية، ويجب أن يكون للكورد الحضور الفعال في مؤسسات الدولة المركزية وتوسيع صلاحيات الإدارات المحلية مع الحفاظ على الوحدة السياسية بين المناطق الكوردية (الجزيرة، كوباني وعفرين) ولا بد من مراجعة شكل الوحدات الإدارية وإلغاء المشاريع والقوانين العنصرية التي طبقت بحق الكورد في زمن النظام البائد لغاية التغيير الديمغرافي للمناطق الكوردية وإزالة آثارها وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل تطبيق تلك القوانين وتعويض المتضررين الكورد.
يؤكد شلال: «بأن الرئيس مسعود بارزاني يتمتع بدور مؤثر في توحيد الصف الكوردي وتعزيز مشاركته في العملية السياسية لما لشخصه الكريم من الدور المؤثر على الساحة الكوردية وكذلك على المستوى الإقليمي والدولي، ولطالما كانت لحكومة إقليم كوردستان وبالأخص لجناب الرئيس مسعود بارزاني دور فاعل في تقريب وجهات النظر بين الكورد السوريين وله في ذلك محطات عديدة حيث كان سباقاً لدعوة أطراف الحركة الكوردية لتوحيد خطابها السياسي وما دعوته الأخيرة واستقباله لقائد قوات قسد وكذلك رئاسة المجلس الوطني الكوردي وحثهم على توحيد الموقف الكوردي وبناء رؤية سياسية موحدة وتشكيل وفد موحد يمثل الكورد، للتوجه إلى دمشق للمشاركة في رسم الخارطة السياسية الجديدة لسوريا والمطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الكوردي إلا دليلاً على حرص الرئيس البارزاني على الكورد وحقوقهم، كما أن الرئيس بارزاني يمكن أن يلعب دوراً فاعلاً في فتح قنوات بين الكورد والحكومة الانتقالية بما يسهم في تحقيق شراكة سياسية حقيقية بين شركاء الوطن».
يختم شلال: «ان تحقيق العدالة الانتقالية يتطلب بناء نظام سياسي يحترم التنوع في سوريا الجديدة إلى عوامل عدة منها داخلية وأخرى خارجية، لا بد من تحقيق ذلك أن يكون هناك دعم دولي وذلك من خلال برامج الأمم المتحدة ودول التحالف لتعزيز الحكم الرشيد وبناء مؤسسات الدولة، ولضمان نجاح الانتقال السياسي يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى مثل جنوب أفريقيا والبوسنة والعراق وغيرها من التجارب في العالم وذلك عبر الدعوة للمصالحة الوطنية مع محاسبة من تلطخ أيديهم بجرائم ضد الإنسانية كما يجب تبني نموذج دستوري يعكس التنوع العرقي والطائفي للمجتمع السوري وكما لا يمكن تحقيق الاستقرار دون وجود قضاء مستقل وأن يكون هناك فصل بين السلطات وأن تكون هناك قوانين تحمي حقوق الأفراد والمجموعات المختلفة وباختصار أن يكون الوطن للجميع».

لا حل سوري دون حل القضية الكوردية
تحدث السياسي، الدكتور كاوا أزيزي لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «من اولويات الحكومة السورية الانتقالية هي بسط الأمن وجمع السلاح والقوى المسلحة تحت أجنحة الدولة الجديدة وتأمين الخدمات الأساسية للمواطنين. ومن جهة أخرى هي مخولة للقيام بتنظيم وإدارة الدولة بشكل تشاركي وتأسيس عملية سياسية شفافة يشترك فيها جميع فئات ومكونات الشعب السوري، لكن هذه المهمات تواجهها تحديات كبيرة وخطيرة، اهمها قضية الأمن واستيعاب الاطراف جنوب البلاد وشمال شرق سوريا والساحل. نعلم جيدا ان القوة الرئيسية المكلفة بهذا المهام هي فصائل هيئة تحرير الشام، هذه الفصائل الكثير، منها مؤلفة من اجانب غير سوريين كالطاجيك والاوغوز وغيرهم. هؤلاء ينحدرون كما الآخرين في هيئة تحرير الشام من منظمة القاعدة، وتمتاز الفصائل عادة بالتطرف الديني والمذهبي. حسب بيانات المنظمات الدولية تقوم هذه الفصائل بحجة ملاحقة فلول النظام السابق بانتهاكات فظيعة في الساحل السوري ضد الطائفة العلوية، وفي شمال شرق سوريا هناك حرب طاحنة مع قسد تحت انظار النظام الجديد. وهناك استفزازات للمكون المسيحي، وسيأتي الدور على الدروز والاسماعيليين وغيرهم، إذا استمرت الحكومة الانتقالية بعقلية الفصائل. من جهة أخرى مازال هناك فصائل من الجيش الوطني السوري لم تنضم الى النظام الجديد، وقسد وقوات الكرامة في السويداء وقوات درعا وجيش سوريا الحرة لا ترغب بتسليم السلاح إلا بعد تأسيس الحكومة وكتابة دستور جديد للبلاد تضمن حقوق جميع المكونات.
الحكومة الجديدة من طرفها تستعجل بتسليم السلاح والانضمام الى الجيش المشكل، وتهدد بالقوة أن لم يتم ذلك. بهذه العقلية من الصعب ان تستطيع الحكومة الانتقالية ضبط الأمور، وإذا استمرت بإصرارها وتهديداتها فإنها ستنجر إلى حروب اهلية وسفك للدماء.
تحاول الحكومة الجديدة بناء علاقات مع دول الجوار، وارسلت رسائل مختلفة في هذا المجال. واستقبلت الحكومة السورية وفوداً من دول عربية واجنبية، وقام رئيس الجمهورية المعين من الفصائل المسلحة السيد احمد الشرع بزيارة إلى السعودية والى تركيا.
وتشترط الدول الغربية والعربية على النظام الجديد في سوريا بعلاقات طبيعية ومساعدات اذا استطاعت ان تؤسس عملية سياسية سلمية تشاركية شفافة يشترك فيه جميع المكونات وحماية حقوق المكونات وخاصة المكون الكوردي، النظام الجديد في امتحان امام الراي العام العالمي».
يعتقد أزيزي: «انه لا يمكن أن ينجح النظام في استتباب الامن والاستقرار، اذا لم يحظى بتأييد وثقة المكونات الاساسية للشعب السوري. لغة التهديد والوعيد واستخدام العنف سيجر النظام الى حرب اهلية، وسيفسح المجال امام التدخل الخارجي، وهذا سيشكل خطرا حقيقيا على وحدة سوريا ارضا وشعبا. وحل جميع المسائل بالحوار السلس والمستمر جنبا إلى جنب تأسيس عملية سياسية شفافة، وتعيين خبراء يمثلون جميع الاطراف لكتابة دستور جديد الذي سينظم الانتخابات وتأسيس حكومة وبرلمان وتأسيس جيش وطني ونظام امن جماعي للجمهورية، غير ذلك ستكون حكومة فاشلة وسينتهي الأمر الى أحوال لم يرغب بها أحد. يجب وضع عقلية الثورة والفصائل والتطرف جانبا والعمل بعقلية الدولة من دون تفرقة وانحياز، والعمل مع المواطن كمواطن سوري وليس كدرزي وعلوي وسني وكوردي ..... الخ».
يضيف أزيزي: «لا سوريا من دون كوردها، لا ديمقراطية في سوريا من دون حل القضية الكوردية في سوريا. الشعب الكوردي شعب مسالم وتعرض للقمع وانتهاك فظيع لحقوقه المشروعة، تمَّ تحريمه وتجريده من جنسية دولته، تعرض الى تعريب فظيع وتغيير ديمغرافي ومنع ثقافته ولغته. الكورد والكوردية كانت من الممنوعات في سوريا، لذلك تم فقدان الثقة بين الكورد والدولة السورية. الرؤية الكوردية في سورية هي سوريا للجميع، سوريا دولة ديمقراطية تعددية لا مركزية. يتحقق فيها مطالب وحقوق جميع المكونات بضمانات دستورية ومشاركة لكل المكونات. سوريا ليست فقط عربية انها متعددة القوميات والاديان والطوائف، لذلك هي سوريا وسوريا فقط . لا يمكن لسوريا ان تنمو وتتطور من دون مكوناتها الاساسية من عرب وكورد ومسيحيين وغيرهم، لا يمكن السماح بدولة مركزية تعتمد ايديولوجية محددة بعثية او اسلامية. نطالب بسوريا دولة مدنية علمانية تفصل الدين عن الدولة، وتحقق الحريات الاساسية والحقيقية لكل مواطنيها دون تفرقة أو تمييز».
يتابع أزيزي: «يبقى لـ جناب الرئيس مسعود البارزاني دور رئيسي في ترتيب البيت الكوردي في سوريا، كما له من دور في تنظيم وترتيب البيت الكوردي في العراق وتركيا ايضا. كان جنابه دوما حاضرا في كل المنعطفات التي يمرّ بها كورد سوريا. تحت اشراف جنابه عقدنا ثلاث اتفاقيات هولير 1 و2 واتفاقية دهوك، واليوم يلعب دورا محوريا ليس بين الكورد السوريين فحسب، بل بين كورد سوريا والدولة السورية ايضا، وسيبقى اقليم كوردستان هو القوة المعنوية الكوردية القوية لمساندة كورد سوريا، وجناب الرئيس مسعود البارزاني هو من المشجعين لكورد سوريا بلعب دور فعَّال في العملية السياسية الجارية، والمشاركة الفعالة في حكومة سوريا الانتقالية، وأخذ المكانة اللائقة للكورد في سوريا الجديدة».
يشير أزيزي: «إلى انه من المهم جدا ان نستفيد من تجارب العالم المشابهة للوضع السوري المتعدد الثقافات والاعراق والاديان ومرّت بتجارب مماثلة وخاصة تجربة جنوب افريقيا. كما ان الشعب السوري ايضا يجب ان يخرج بنموذجه الانساني بحل مشاكله المُعلّقة منذ تأسيس الجمهورية وحتى الان، ويجب ان تكون سوريا صاحبة تجربتها الخاصة. ونحن الكورد مستعدون ان نقدم كل ما يتطلب منا من واجب سنقدمه لبلدنا سوريا, لجعلها جمهورية ديمقراطية تعددية لامركزية بدستور ديمقراطي عصري يضمن حقوق جميع المكونات دون تمييز».

بناء سوريا والاعتراف الدستوري بحقوق المكونات
تحدث عضو الهيئة القيادية لحزب اليسار الديموقراطي الكوردي في سوريا، عبدالرحيم حسن لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «ان اولويات الحكومة السورية الانتقالية، إعادة بناء الثقة من خلال بناء علاقات متوازنة مع الدول الاقليمية والدولية بِناءً على المصالح المشتركة لدعم الاستقرار الاقليمي من خلال تأمين المساعدات لإعادة الاعمار. لكن التحديات تشمل الخلافات السياسية والعقوبات الاقتصادية والتأثيرات الخارجية على القرار الوطني الداخلي».
يضيف حسن: «انه من الممكن إعادة بناء الثقة بين المكونات السورية عبر ترسيخ قيم العدالة الاجتماعية والمساواة وتعزيز ثقافة التسامح، وضمان مشاركة جميع الاطراف والمكونات في صياغة مستقبل بشكل عادل وشامل، وعدم التفرقة بين الشعب السوري بسبب العرق أو الدين أو المذهب».
يشير حسن: «إلى أن الكورد يتطلعون إلى بناء سوريا لامركزية ودولة ديموقراطية تعددية تعترف بكافة مكوناتها لبناء شراكة حقيقية، يتطلب من الدولة الاعتراف الدستوري بحقوقهم كمكون رئيسي وضمان تمثيلهم العادل من خلال إدخال مواد فوق الدستور لضمان حقوق الكورد والمكونات الأخرى».
يتابع حسن: «انه يمكن لسيادة الرئيس مسعود البارزاني بحنكته السياسية ومكانته كرمز للامة الكوردية ان يسهم بشكل فاعل في توحيد الرؤى بين الاطراف الكوردية في الجزء الكوردي الملحق بالدولة السورية، وتعزيز الحوار بينهم، مما يسهل تشكيل وفد كوردي موحد، للمشاركة بفعالية في ايصال الصوت الكوردي إلى السلطات السورية الجديدة في العاصمة دمشق».
يختم حسن: «انه يمكن الاستفادة من التجارب الدولية في تحقيق العدالة الانتقالية عبر ضمان تمثيل جميع المكونات دون تهميش، واحترام التنوع العرقي والديني، وإشراك الشباب والمرأة في بناء مستقبل سوريا، ومن الضرورة بمكان ترسيخ الديموقراطية الحقيقية، وضمان حرية الرأي البناء واحترام المعتقدات».

توازن بين مطالب الكوردية ووحدة سوريا
تحدثت رئيسة محلية أوروبا للمجلس الوطني الكوردي، نجاح هيفو لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بعد سقوط نظام بشار الأسد، وجدت الحكومة السورية الانتقالية نفسها أمام تحدٍ كبير يتمثل في بناء علاقات دبلوماسية قوية ومستدامة مع الدول الإقليمية والدولية. من أهم أولويات الحكومة الانتقالية هو ضمان الدعم السياسي والاقتصادي لإعادة بناء البلاد، بعد سنوات من الخراب. لذا، يجب أن تبدأ الحكومة الانتقالية في بناء شراكات استراتيجية مع دول الجوار، وعلى رأسها تركيا والعراق، حيث أن هذه الدول لها مصالح كبيرة في الوضع السوري، تعزيز التعاون مع هذه الدول يمكن أن يشمل التنسيق الأمني لمنع تسلل الجماعات الإرهابية، وتنسيق الجهود لتوفير المساعدات الإنسانية، فضلاً عن الانخراط في مشاريع إعادة البناء الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة الانتقالية تطوير علاقات مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا. هذا التوازن بين الشرق والغرب ضروري لضمان استقرار سوريا في المستقبل. علاقات التعاون مع الولايات المتحدة يمكن أن تشمل تقديم الدعم السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى مساعدة الحكومة السورية في استعادة أراضيها ومحاربة الجماعات الإرهابية. من جهة أخرى، التعاون مع روسيا يبقى أساسياً بالنظر إلى دور موسكو التاريخي في دعم النظام السوري خلال الحرب. التحديات التي قد تواجه الحكومة في هذا المجال تشمل التنافس الإقليمي على النفوذ في سوريا، خاصة بين إيران وتركيا ودول الخليج. كما أن التوترات الدولية حول قضايا مثل الوجود العسكري الإيراني في سوريا تظل قضية مثيرة للجدل بين القوى الدولية».
تضيف هيفو: «من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية السورية هي كيفية إعادة بناء الثقة بين المكونات المختلفة للشعب السوري بعد سنوات من الانقسامات والصراعات. فالنظام السابق كان قد لعب دوراً في تعزيز هذه الانقسامات، حيث عمد إلى استغلال الخلافات العرقية والطائفية بين السوريين لخدمة مصالحه. لذلك، يتطلب العمل على بناء الثقة خطوات سياسية واجتماعية ملموسة. أولاً، يجب على الحكومة الانتقالية التأكيد على مبدأ العدالة والمساواة بين جميع المكونات السورية، بما في ذلك العرب والكورد والعلويين والسنة، وضمان أن تكون الحقوق متساوية للجميع، دون تمييز أو إقصاء.
لتحقيق هذا الهدف، لابد من الالتزام بالمصالحة الوطنية. يجب أن تتضمن المصالحة إرساء سياسات شفافة للتعامل مع آثار الصراع، مثل العنف ضد المدنيين، والتهجير القسري، وانتهاكات حقوق الإنسان. العدالة الانتقالية تعد من الأدوات الرئيسية لتحقيق هذا الهدف. إنشاء آليات قانونية محايدة للمحاسبة على الجرائم المرتكبة خلال الحرب سيسهم بشكل كبير في إعادة بناء الثقة بين السوريين. لكن العدالة وحدها لن تكفي.
تشير هيفو: «إلى أن الشعب الكوردي في سوريا له رؤية واضحة لسوريا المستقبل، تتضمن تحقيق حقوقه الثقافية والسياسية في إطار دولة ديمقراطية تعددية. الكورد يطالبون بالحصول على حقوقهم في التعليم بلغتهم الخاصة، والثقافة الكوردية، والمشاركة الفعالة في العملية السياسية. لكن الأهم من ذلك هو مطالبهم بالحكم الذاتي أو الفيدرالية، حيث يسعى الكورد إلى إقامة نظام لامركزي يمكنهم من إدارة مناطقهم بأنفسهم، وبالتالي الحصول على مزيد من الاستقلالية في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية.
هذا التوجه يتطلب توفيقاً بين مطالب الكورد ورؤية الحكومة الانتقالية التي تسعى إلى الحفاظ على وحدة سوريا. فالحكومة الانتقالية تركز على بناء دولة ديمقراطية تحتفظ بالوحدة الوطنية، مع الاعتراف بحقوق كافة المكونات العرقية والطائفية. للوصول إلى هذا التوفيق، يتطلب الأمر حواراً دائماً بين الكورد وبقية المكونات السورية. يمكن التفاوض على منح الكورد حقوقهم الثقافية والإدارية ضمن إطار دولة واحدة.
تؤكد هيفو: «الرئيس مسعود البارزاني وحكومة إقليم كوردستان يلعبان دوراً مهماً في توحيد الصف الكوردي في سوريا. فالرئيس البارزاني يعتبر شخصية محورية في العالم الكوردي، ولديه تأثير كبير على الأحزاب الكوردية في سوريا. من خلال تقديم الدعم السياسي والمعنوي، يمكن لبارزاني وحكومة إقليم كوردستان تسهيل الحوار بين القوى الكوردية المختلفة في سوريا، التي قد تكون لديها اختلافات حول شكل الحكم الذي يرغبون فيه.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لحكومة إقليم كوردستان تقديم الدعم الفني واللوجستي للمناطق الكوردية في سوريا. يشمل ذلك مساعدات إنسانية، دعم في بناء البنية التحتية، وتقديم تدريب فني وإداري للكفاءات الكوردية في سوريا. بهذا الشكل، يمكن لحكومة إقليم كوردستان أن تساعد في بناء القدرات المؤسساتية للمناطق الكوردية السورية، مما يعزز من قدرة الكورد على المشاركة الفعالة في العملية السياسية السورية».
كما أشارت هيفو، من أجل بناء نظام سياسي يحترم التنوع السوري: «إلى أنه من ممكن الاستفادة من تجارب العدالة الانتقالية التي نجحت في دول أخرى، مثل جنوب أفريقيا ورواندا. ففي جنوب أفريقيا، أظهرت تجربة المصالحة الوطنية أهمية إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة، والتي عملت على كشف الحقائق المتعلقة بالانتهاكات التي ارتكبها النظام العنصري في الماضي.
من ناحية أخرى، كانت تجربة رواندا بعد الإبادة الجماعية عام 1994 أحد الأمثلة على تحقيق العدالة الانتقالية. تم إنشاء محاكم خاصة لمحاسبة مرتكبي الجرائم، بالإضافة إلى برامج تهدف إلى إعادة دمج الجناة في المجتمع بعد قضاء عقوباتهم. هذه التجارب يمكن الاستفادة منها لتصميم آليات مناسبة في سوريا لمحاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان أثناء الحرب.
كما يجب التركيز على ضمان تمثيل عادل لجميع المكونات السورية في العملية السياسية، بحيث يشعر كل مكون بأن له مكانته في بناء المستقبل السوري. من خلال تضمين جميع المكونات في الهيئات الحكومية، والمؤسسات التشريعية، والمجالس المحلية، سيتم ضمان احترام التنوع العرقي والطائفي والديني في سوريا المستقبل».