الكورد في غربي كوردستان ..ومرحلة جديدة من التحديات والتطلعات نحو مستقبل واعد
عزالدين ملا
سقط نظام الأسد، بعد خمسة عقود من القهر والظلم عانى منها السوريون جرّاء ظلمه واستبداده، وجعل من سوريا مزرعة له ولعائلته.
من يوم سقوطه، بدأت صفحة جديدة في تاريخ سوريا والسوريين، سقط النظام على يد هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة الأخرى بعد أحد عشر يوماً من الهجوم الذي شنّتها الهيئة بالسيطرة على حلب وحماة وحمص ومن ثم دمشق العاصمة أمام الانسحابات الكبيرة لجيش النظام السوري
الآن سوريا أمام مرحلة جديدة، مرحلة يتطلب من الحكومة الانتقالية التي تمّ تشكيلها من قبل أحمد الشرع قائد هيئة تحرير الشام ومدتها ثلاثة أشهر إلى حين تشكيل حكومة جديدة، وإنجاز المهام كوضع دستور جديد يلامس حقوق كافة مكونات المجتمع السوري دون إقصاء أو تهميش، والتمهيد لانتخابات حرة يشارك فيها جميع السوريين.
كوردياً، المرحلة حساسة ودقيقة، يتطلب المزيد من الجهود والدبلوماسية والتحرك على كافة الصعد لتثبيت ما يمكن تثبيته من حقوق الشعب الكوردي المشروعة ضمن سوريا المستقبل، سوريا لكل السوريين.
1- ما تحليلك لكل ما يجري الآن في سوريا، محلياً وإقليمياً ودولياً؟
2- كيف تقيم إجراءات هيئة تحرير الشام وقائدها احمد الشرع منذ تشكيله لحكومة انتقالية؟
3- هل باعتقادك ان سوريا ستكون مختلفة بعد سقوط الأسد وبوجود الكم الهائل من الفصائل المسلحة؟
4- ما المطلوب كوردياً تنظيميا وسياسياً لتثبيت الحقوق المشروعة للشعب الكوردي في دستور سوريا الجديدة؟
الكرد والقضايا الملحة والمعالجة العاجلة
تحدث سكرتير تيار المستقبل الكوردستاني- سوريا، ريزان شيخموس لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «شهدت سوريا تطوراً تاريخياً غير مسبوق مع سقوط نظام بشار الأسد، الذي استمر في السلطة لأكثر من خمسة عقود، محكماً قبضته الحديدية على البلاد. هذا الحدث لم يكن مجرد نهاية لنظام استبدادي بل بداية لتحولات جذرية تحمل في طياتها تحديات وفرصاً كبيرة، على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
شكَّل سقوط نظام الأسد نقطة تحوُّل في المشهد السوري الداخلي. الفصائل المسلحة، التي كانت تعمل منفردة خلال سنوات الصراع، وجدت نفسها فجأة أمام فرصة لملء الفراغ السياسي. هيئة تحرير الشام، التي قادت الهجوم الأخير على العاصمة دمشق والمدن الكبرى كحلب وحماة وحمص، ظهرت كلاعب رئيسي، حيث سارعت إلى تشكيل حكومة انتقالية لغاية بداية شهر آذار. لكن هذه الحكومة، رغم أنها تمثل خطوة أولى نحو تنظيم المرحلة الانتقالية، تواجه تحديات هائلة تتعلق بشرعيتها وشموليتها.
على الأرض، ورغم الاحتفالات بسقوط النظام، لا تزال سوريا تعيش حالة من الانقسام والتوتر. الكم الهائل من الفصائل المسلحة يعكس واقعًا هشًا، حيث تفتقر البلاد إلى سلطة مركزية قادرة على فرض الأمن والاستقرار. كل فصيل يسعى لتعزيز نفوذه، مما يهدد باندلاع صراعات جديدة ما لم يتم توحيد هذه القوى تحت مظلة وطنية جامعة.
إقليمياً، المشهد السوري بعد سقوط الأسد يعكسُ تعقيداً كبيراً. تركيا، على سبيل المثال، ترى في المرحلة الجديدة فرصة لتعزيز نفوذها في شمال سوريا. دعمها الفصائل المسلحة المدعومة منها وحربها مع قسد يعكس رغبتها في ضمان استمرار تأثيرها في المنطقة. في المقابل، إيران، التي كانت حليفاً رئيسياً لنظام الأسد، تواجه تحدياً كبيراً للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في سوريا، خاصة في ظل تقليص نفوذها بعد سقوط النظام.
أما دول الخليج، خاصة قطر والسعودية والإمارات والأردن فتسعى إلى لعب دور في إعادة تشكيل المشهد السوري بما يخدم مصالحها، سواء من خلال دعم بعض القوى السياسية أو المشاركة في جهود إعادة الإعمار. إسرائيل، من جانبها، استغلت الفراغ السياسي والأمني لتكثيف ضرباتها في سوريا، مستهدفة البنى العسكرية التي كانت تديرها إيران والنظام السابق.
دولياً، القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا تجد نفسها في موقف معقد. الولايات المتحدة تدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية شاملة تمثل كافة أطياف الشعب السوري، مع التركيز على ضمان حقوق الأقليات والمكوّنات المجتمعية. روسيا، التي فقدت حليفها الأساسي في دمشق، تسعى لإعادة التموضع وضمان مصالحها عبر الحوار مع الأطراف الجديدة في السلطة، خاصة هيئة تحرير الشام. كما وتلعب الدول العربية دوراً محورياً في هذه المرحلة الحساسة. دعم سوريا لإعادة بناء دولتها واستعادة قرارها الوطني يجب أن يكون أولوية عربية، ليس فقط من الناحية المالية، ولكن من خلال تقديم دعم سياسي لإعادة سوريا إلى محيطها العربي والدولي».
يتابع شيخموس: «إن عقد مؤتمر وطني جامع يضمُّ كافة المكونات السورية هو خطوة أساسية في هذه المرحلة. هذا المؤتمر يجب أن يمهد الطريق لصياغة دستور جديد يضمن حقوق كافة السوريين، بما في ذلك الكرد الذين عانوا طويلاً من التهميش والاضطهاد تحت حكم الأسد.
على الرغم من الجهود الدولية، لا تزال هيئة تحرير الشام تواجه انتقادات واسعة بسبب نهجها الأحادي في تشكيل الحكومة الانتقالية. عدم إشراك المعارضة المدنية والسياسية بشكل فعال يعكس مخاوف من إعادة إنتاج نظام استبدادي جديد، لكن هذه المرة بواجهة مختلفة».
يضيف شيخموس: «إن الوضع الحالي في سوريا يعكس مشهداً مليئاً بالتحديات. سقوط النظام فتح الباب أمام مرحلة جديدة، لكنها لا تخلو من المخاطر. الكم الهائل من الفصائل المسلحة، التوترات الإقليمية، والتدخلات الدولية تجعل من الصعب تحقيق استقرار سريع. المرحلة القادمة تتطلب قيادة شجاعة ورؤية وطنية جامعة قادرة على تجاوز الخلافات وإرساء أسس دولة ديمقراطية تمثل جميع السوريين».
يعتقد شيخموس: «انه في ظل الحديث عن بناء سوريا المستقبل، لا يمكن تجاهل ضرورة إشراك جميع المكونات السورية في إدارة المرحلة الانتقالية. المشاركة السياسية والاقتصادية لكل من العرب، الكرد، والتركمان، والدروز وغيرهم من المكونات هي الأساس لضمان دولة ديمقراطية تمثل الجميع. وعدم إشراك هذه المكونات سيؤدي إلى تفاقم التوترات الداخلية ويزيد من تعقيد الوضع.
يردف شيخموس: «أنه هناك انتقادات واضحة لأداء أحمد الشرع، حيث يبدو أن معظم جهوده منصبة على توجيه الرسائل للخارج في محاولة لإرضاء الأطراف الدولية، بينما يتم تجاهل القضايا الملحة داخل سوريا، مثل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى إهمال قضايا المكونات السورية المتنوعة. أحد التحديات الرئيسية التي تواجه هيئة تحرير الشام في هذه المرحلة الانتقالية تكمن في بنيتها العقائدية، التي كانت على مدار السنوات الماضية سبباً في رفضها من قبل العديد من القوى الداخلية والخارجية. الانتقال من فصيل عقائدي مسلح إلى كيان سياسي قادر على قيادة المرحلة الانتقالية يتطلّب تغييرات جوهرية على مستوى الفكر والسياسات. هذا التحول لن يكون سهلًا، خاصة في ظل وجود تيارات متشددة داخل الهيئة قد ترى في أي تغيير تهديدًا لهويتها ومبادئها الأساسية.
في هذا السياق، يضيف شيخموس: «يمكن أن يشكل الدور العربي، إلى جانب الدعم الدولي، ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار وإعادة السيادة الوطنية السورية. ومع ذلك، فإن نجاح هذا الدعم يعتمد إلى حد كبير على استعداد القيادة السورية الانتقالية، وعلى رأسها أحمد الشرع، للانفتاح على مشروع ديمقراطي حقيقي يعيد لسوريا مكانتها كدولة لجميع أبنائها».
يلاحظ شيخموس: «أن هيئة تحرير الشام تعتمد حاليا على سياسة “شرعية الأمر الواقع”، حيث قامت بنقل سلطات حكومة الإنقاذ من إدلب إلى دمشق وتشكيل حكومة انتقالية حتى بداية مارس المقبل. لكن حتى الآن، لم يبادر أحمد الشرع إلى لقاء أي مكونات سياسية سورية أو كتل وطنية، رغم أهمية ذلك لعقد مؤتمر حوار وطني جامع يمكن أن يشكل أساسًا لوحدة وطنية حقيقية».
بالنسبة للقضية الكردية يشير شيخموس: «أنها تمثل ملفاً حساساً في هذه المرحلة. الكرد، الذين عانوا طويلاً من التهميش والقمع تحت حكم نظام الأسد، يرون في سقوطه فرصة تاريخية لتحقيق مكاسب سياسية ودستورية تضمن حقوقهم المشروعة. لكن الواقع على الأرض يشير إلى استمرار التحديات. الفصائل المدعومة من تركيا تواصل استهداف المناطق الكردية، مما يعمق التوترات. الحكومة الانتقالية، بقيادة أحمد الشرع، لم تقدم أي ضمانات واضحة بشأن حقوق الكرد، ما يثير تساؤلات حول التزامها بمبدأ الشمولية.
المجتمع الدولي يشدد على أهمية إدراج حقوق الكرد في أي دستور جديد لسوريا، كجزء أساسي من بناء دولة ديمقراطية شاملة. لكن تحقيق ذلك يتطلب جهداً دبلوماسياً مكثفاً من القيادات الكردية، إضافة إلى تنسيق داخلي قوي لتقديم رؤية موحدة حول المطالب الكردية».
يختم شيخموس: «ان الكرد، كجزء أصيل من النسيج السوري، أمام فرصة تاريخية لتثبيت حقوقهم. المطلوب هو التركيز على الدبلوماسية، التنسيق مع القوى الوطنية والدولية، والعمل على تعزيز الوحدة الداخلية لتقديم رؤية موحدة حول حقوق الشعب الكردي في سوريا الجديدة. سوريا، التي كانت لعقود مسرحاً للظلم والاستبداد، يمكن أن تكون نموذجاً للديمقراطية والعدالة إذا ما تمكنت جميع الأطراف من وضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
الحكومة الانتقالية بحاجة إلى موقف واضح وصريح من هذه الصراعات. لا يمكن الاستمرار في سياسة الصمت أو الانحياز لطرف دون آخر، بل يجب العمل على إيجاد حلول تضمن أمن واستقرار الجميع، بما في ذلك الكرد.
قسد، من جانبها، مطالبة بإعادة النظر في سياساتها الإقليمية وفك ارتباطها مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي يشكل عائقا أمام تحقيق شراكات حقيقية مع المجلس الوطني الكردي والقوى الوطنية السورية ومعالجة التوترات مع تركيا، وإزالة كل التحديات امام توحيد الموقف الكردي وآليات واضحة لتشكيل وفد كردي موحد في معالجة القضية الكردية في دمشق والمشاركة في مؤتمرات الحوار الوطني وصياغة روية كردية في المستقبل السوري».
نقاشات جادة وعميقة وشاملة وتوحيد الموقف السياسي كردي
تحدث عضو الهيئة السياسية لحزب يكيتي الكوردستاني- سوريا، فؤاد عليكو لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «ما جرى في أحد عشر يوما في سوريا يذكرنا بكتاب "عشرة أيام هزت العالم" لجون ريد، الذي يصور إسقاط الإمبراطورية القيصرية من قبل الثورة البلشفية في عشرة أيام. وذلك لأن ما حصل في سوريا فاق تصوُّرات كل الخبراء والمحللين السياسيين، ليس في سوريا فحسب، بل في العالم أجمع. حيث لم يتوقع أحدٌ انهيار دمشق انطلاقاً من إدلب وبأسلحة أقل حجما وكفاءة مما يمتلكه جيش النظام السوري وحلفاؤه من الإيرانيين والعراقيين والروس وحزب الله اللبناني. حتى الفصائل بقيادة هيئة تحرير الشام لم يكونوا يتوقعون مثل هذا الانهيار السريع للجيش السوري وحلفائه.
وقد يأتي يوم يُكشف فيه الغطاء عن تفاصيل ما حدث في 11 يوماً، حين تخلّص الشعب السوري من أسوأ حقبة تاريخية، من حيث إرهاب الدولة الأمنية لأكثر من نصف قرن، مارس فيها الأسد الأب والابن أبشع أنواع الجرائم في تاريخ البشرية في العصر الحديث التي يمارسها نظام بحق شعبه.
وبالعودة إلى منطق التحليل الموضوعي، نجد أن سياسة تأهيل النظام إقليمياً ودولياً بدأت بالمراجعة الجدية منذ عام 2022، حتى من قبل القوى الحليفة للثورة السورية، ممثلة بالدول العربية وبعض الدول الأوروبية، ثم دخلت تركيا على خط التفاهم فيما بعد.
إذ قامت معظم الدول العربية بإعادة علاقاتها مع النظام السوري وفتح قنصلياتها أو سفاراتها في دمشق، مقابل وعود قاطعة من النظام بالقيام بإصلاحات سياسية حقيقية من شأنها إنهاء الصراع في سوريا بما ينسجم مع القرارات الدولية، وخاصة القرار 2254، وكذلك إنهاء الدور الإيراني وميليشياته في سوريا.
لكن النظام مارس سياسة المماطلة والتسويف، ولم يتقدّم خطوة واحدة في هذا الاتجاه نتيجة الضغط الإيراني عليه. ثم جاءت حرب غزة في أكتوبر 2023، حينها تغيّرت قواعد الصراع السياسي في المنطقة، ودخل محور المقاومة، ممثلًا بحزب الله والحوثيين، في الحرب إلى جانب حماس، مع رفض النظام الطلب الإيراني في المشاركة وفتح جبهة الجولان، وفضل الموقف المتفرج من الأحداث. وهذا ما أغضب إيران وحلفاءها كثيرًا.
وفي الجانب الآخر، دخلت روسيا على خط التقارب التركي/السوري، لكن النظام مارس المماطلة أيضاً، وأفشل هذه الوساطة، وهذا ما أغضب بوتين أيضا. وهكذا نلاحظ أن كل من كان يمد يد الدعم للنظام فشل في انتزاع أي شيء منه. وهكذا أصبح وضع النظام كمن يرقص على عدة حبال بأنغام مختلفة، فسقط من على الحبال جميعها دون أن ينقذه أحد، وكأن الجميع كانوا راغبين في سقوطه أو إضعافه كلٍّ من زاويته.
إضافة إلى كل ذلك، كان لانهيار المعنويات لدى الجيش ورغبته في الخروج من هذه الحرب العبثية، التي أنهكته اقتصادياً ومعنوياً دور في السقوط المدوي دون أن يأسف عليه أحد. علما أن إيران وحزب الله حاولا إنقاذه على مشارف حمص، لكنهم فشلوا بسبب رفض الجيش المشاركة في الهجوم المعاكس. وهكذا أصبحت أبواب دمشق مفتوحة دون مقاومة وهرب الطاغية إلى غير رجعة».
يتابع عليكو: «حتى الآن، ما يصدر من أحمد الشرع قائد هيئة تحرير الشام، يتمثل في تصريحات مطمئنة للشعب السوري بمختلف مكوناته. فهو يعبر عن ذلك كرجل دولة يعرف بدقة تعقيدات المشهد السياسي السوري الداخلي والإقليمي والدولي. لذلك شُكّلت حكومة أمر واقع لمرحلة قصيرة (80 يوماً) لترتيب الوضع الأمني وتشكيل نواة جيش وطني موحد، رغم صعوبة ذلك في هذه المرحلة القصيرة نظراً لتواجد عدد كبير من الفصائل بتوجهات مختلفة، سواء فصائل ريف حلب الشمالي أو فصائل منطقة درعا أو قوات قسد في الشمال الشرقي من سوريا او جيش ثوار سوريا في تدمر والتنف.
إضافة إلى الأعباء الاقتصادية الكبيرة وتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية للمواطنين، وكذلك عودة الكثيرين منهم إلى منازلهم وقراهم المهدمة كلياً أو جزئياً. ناهيك عن ضرورة التواصل مع القوى السياسية السورية الموجودة على الساحة، بغية توجيه الدعوات لهم لعقد المؤتمر الشامل لكل المكونات السورية.
مما سبق، نلاحظ عمق المشاكل وتعقيداتها، ولا أعتقد بأن هذه الفترة كافية لإنجاز كل هذه المهام الكثيرة والكبيرة. لكن الخطوات التي يسير عليها حتى الآن تصب في الاتجاه الصحيح، والمطلوب اليوم هو مراقبة كل هذه التطورات بتفاؤل مشوب بالحذر».
يضيف عليكو: «أستطيع التأكيد بأن سوريا لن تعود إلى الحقبة الأسدية المظلمة رغم الكثير من التعقيد وعوامل الإبطاء داخلياً وخارجياً. فعلى الصعيد الداخلي، وكما أشرت سابقاً، هناك ضرورة للتأسيس لجيش وطني حقيقي وموحد بعيداً عن الانتماءات السياسية والعقلية الفصائلية المقيتة. خاصة وأن هذه العقلية تعششت في ذهنية قادة الفصائل، حيث يسيطر كل منهم على جزء من الجغرافيا السورية، بما في ذلك فصيل هيئة تحرير الشام نفسه.
لذلك يتطلب من أحمد الشرع البدء بالانقلاب على نفسه وتحرير رفاقه من العقلية الفصائلية والجهادية التي يتبناها، والتحول إلى عقلية بناء الجيش الوطني لكل سوريا. ثم بعد ذلك يطلب من الآخرين الاقتداء به والسير معه في ذلك. وهذه ليست بالمهمة السهلة وربما هي أصعب مهمة يواجهها اليوم».
أما كردياً، يشير عليكو: «إلى أن الأمر يتطلب أولاً توحيد الموقف السياسي بين المجلس الوطني الكردي وبين أحزاب الوحدة الوطنية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD). وهذا ما يستلزم من الطرفين نقاشات جادة وعميقة وشاملة في كل القضايا الخلافية بينهما، سواء ما يتعلق بالجانب السياسي أو العسكري أو الإداري، والمشاركة الحقيقية في قرار الحرب والسلم وفي بناء التحالفات مع القوى السياسية السورية، وأن يتم ذلك بعيدا عن هيمنة القوى السياسية الكوردستانية، وخاصة حزب العمال الكردستاني، الذي لا يزال يتدخل في كل شاردة وواردة في المفاصل الحياتية اليومية في كوردستان سوريا، مما يتسبب في إعطاء الذرائع لتركيا للتدخل عسكريا في المناطق الكردية، كما حصل في عفرين وسرى كانية وكري سبي.
كما يجب ألا تتكرر التجارب الفاشلة في التفاهمات التي حصلت سابقًا (هولير 1، هولير 2، دهوك 1). لذلك أؤكد على ضرورة مناقشة كل الخلافات العالقة بين الطرفين، حتى لا نعود من دمشق إلى القامشلي للتراشق الإعلامي ومن ثم الضغط على المجلس الوطني الكردي من خلال أذرعه (الخاصة).
وإذا ما تحقق ما ذكرنا أعلاه، حينها يمكن القول إننا سنذهب إلى دمشق من موقع القوة وليس من موقع الضعف. خاصة وأن المناخ السياسي مناسب تماما، ولم يعد أحد من التيارات العربية ينكر وجود القضية الكردية وضرورة حلها ديمقراطيا وعبر الحوار. ولكن لكل جهة وجهة نظرها، وما علينا سوى تعزيز ملكات قوة الإقناع بمشروعنا الوطني السوري والكردي معاً».
تمرير الورقة الكوردية والمطالبة بالحقوق المشروعة
تحدثت عضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، هيام عبدالرحمن لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «نعم سقط النظام الأسد الطاغي الذي حكم البلاد أكثر من خمسة عقود وخلال تلك الحقبة من الزمن أصبحت سوريا منفى حقيقياً، وذاق شعبها الويلات ومرارة الظلم والحرمان من الحقوق، نعم ها قد نالت سوريا حريتها بعد أن قدمت مليوني شهيد، والآلاف من الجرحى والمعوقين جراء الحرب، ومئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين، وكم هائل ربما يتجاوز تعدادهم الى أكثر من خمسة عشر مليون نازح ومهاجر قسراً وتحت التهديد ضمن و خارج البلاد، كان ميلاد السوريين مؤخراً في الثامن من تشرين الثاني من هذا العام 2024، بسقوط تمثال الرعب وشبيحة الأسد الذي جعل من سوريا سجناً كبيراً، هذا النظام الذي طالت يداه إلى كلّ مكوّنات المجتمع السوري من القوميات والأديان والمذاهب والطوائف، ليحكم عليهم بالذل والاضطهاد والقمع وكم الأفواه ومصادرة الحريات العامة، وعمل من لنفسه ترسانة عسكرية مرعبة، وكان للكورد النصيب الأكبر من هذه الانتهاكات اللا إنسانية وتطبيق المشاريع العنصرية ضدهم، وعند سقوطه استيقظ الشعب السوري على بشرى سارة أثلجت قلوبهم بفرحة النصر على الطاغية، وهتفوا بصوت واحد صباح الحرية خطيناها بالدم».
تتابع عبد الرحمن: «إن ما يجري الآن هي انتصار ثورة الشعب والجماهير الوطنية الذي لم يرضَ بالظلم والخنوع حتى نال مراده في كسر طوق طاغيته بهمّة وإرادة الشعب، الذي لم يمل يوماً من التظاهُر والنضال السلمي والمسلح. حيث بدأت هيئة تحرير الشام وبدعم من بعض الدول المجاورة مثل تركيا وغيرها حتى جاءت اجتياحها لمدينة حلب مفاجئة لبعض الدول والبعض الآخر كانت على الخط الساخن، وتسارعت الأحداث من حلب الى باقي المناطق للاستيلاء على مواقع النظام وانسحاب قواتها وترك أسلحتهم وعتادهم، وفي الوقت ذاته طلبت روسيا والصين من رعاياها مغادرة سوريا فوراً كما فعلها الحرس الثوري الإيراني وقام الأخير بتسريح جميع عناصرها ليتركوا مواقعهم. بعد تحرير قرية كفر حلب من قبل هيئة تحرير الشام بقيادة زعيمهم أحمد الشرع الملقب بـ أبو محمد الجولاني، توالت تحرير باقي المناطق خلال ايام قليلة متتالية ومعظمها دون مقاومة تذكر. وبذلك أعلنت القيادة العامة للجيش العربي السوري وقف جميع العمليات العسكرية وتسليم كامل إدارة العمليات العسكرية إلى الجيش السوري الحر، وبذلك اصبح قائد هيئة تحرير الشام الرجل السباق لتحرير الشعب السوري وبدعم دولي، مستغلاً انشغال حلفاء النظام بأولوياتهم مثل روسيا، وفي الوقت ذاته أعلن أحمد الشرع بياناً صرح فيه عن إنهاء النظام وبدأ بتطمين الشعب بكافة أطيافه ومكوناته بـ بدء مرحلة انتقالية جديدة، في حال التزمت حكومته بتشكيلها والتي ستشمل كامل شرائحها بطبيعتها الفسيفسائية، وسوف تلبي طموحات هذا الشعب. في حين لاقت تصريحاته استحساناً وترحاباً وارتياحاً من قبل الشعب من جهة ومن قبل المجتمع الدولي من جهة أخرى، ووجدوها خطوة إيجابية ويرى البعض في تصريحه بان تُرفع عنه وعن منظمته صفة الإرهاب».
تضيف عبدالرحمن: «نعم، سوريا اليوم يجب ألا تشبه أمسها لأنها أمام مرحلة جديدة، مرحلة مفصلية ودقيقة، هي مرحلة الاستحقاقات الإيجابية، ويتطلب من الشعب التكاتف والتعاضد ونبذ الخلافات، فحياته الآن مشروطة بترك التعصبية الدينية والعرقية والمذهبية، ويشترط على كل الجماعات والمنظمات المسلحة ترك السلاح والتوجُّه الى الحياة المدنية، وإلغاء حالة التجنيد الإلزامي، والقيام بمؤتمر وطني وبمشاركة كل المكونات للوصول الى تفاهمات عن طريق حكومة تصريف الأعمال، والاقبال على انتخابات جماهيرية لتشكيل حكومة جديدة تحفظ وتصون الحقوق وتلتزم بالواجبات الوطنية».
أما كورديًا، فتختم عبدالرحمن: «يتطلب من جميع الأحزاب السياسية الكوردية تفضيل المصلحة الفضلى لشعبنا الكوردي على المصلحة الحزبية، وترتيب البيت الكوردي وتوحيد خطابها السياسي عبر لقاءات شاملة ومكثفة مع بعضها البعض ومع القوى المجتمعية والمدنية الكوردية من المنظمات والوجهاء والنشطاء، والأخذ بمطالبهم ضمن المصلحة العامة لهذا الشعب الذي لاقى من المعاناة والويلات طيلة حياته، والعمل على وحدة الخطاب الكوردي للمطالبة بحقوقهم المشروعة وتمرير الورقة الكوردية بصوت الحق، وبالضمير الحي عبر تشكيل وفد مشترك وموحّد، مصطحبين من القانونيين والاكاديميين والمستشارين للتفاوض على حقوق شعبنا الكوردي مع المسؤولين في دمشق العاصمة، لنكون جزءاً مهماً من العملية السياسية في المرحلة المقبلة.
لذا علينا نكون في استعداد تام للمرحلة الجديدة، ونطمح ونتطلع بان تكون سوريا المستقبل وطن يحتضن كل السوريين، سوريا تعددية ديمقراطية لا مركزية ينعم الجميع فيه بأمن والاستقرار والرفاه».