مذكّراتُ قارئ - كتاب اليوم: «حوارات وشخصيات» للكاتب الكردي السوري حواس محمود
هنر بهزاد جنيدي
عمل يفيض بالمعلومات، حيث يأخذنا في رحلة حوارية مُلهمة بين عوالم الإبداع والفكر. إنه كتاب لا يقتصر على التعريف بالمبدعين، بل يكشف عن ملامحهم الإنسانية العميقة، ويفتح نوافذ على حياتهم وتجاربهم الحافلة.
ينقلنا الكاتب عبر صفحات هذا العمل إلى لقاءات متنوّعة مع نخبة من المثقفين والفنانين والمفكرين، الذين تناثرت إبداعاتهم على خريطة العالم، موزعين بين الرواية والشعر والفن والفلسفة. هؤلاء المبدعون، الذين اختيروا بعناية.
يبدأ الكتاب، بعد الإهداء، بسلسلة حوارات ممتعة وعميقة، تلقي الضوء على بدايات الإبداع ومصادر الإلهام. مع الكاتبة المغربية "زهور كرام" نجد الإبداع متجذرًا في عادات الطفولة، حيث كان تلخيصها للكتب وكتابة اليوميات في صغرها بابًا واسعًا للكتابة.
أما الكاتب الكردي السوري "إبراهيم يوسف" فقد تشكّلت هويته الثقافية وسط أجواء أسرية مشبعة بالأدب والقرآن وقصائد الشعراء الكلاسيكيين الكرد والعرب. تلك البيئة، التي امتزجت بالقصص والحكايات الشعبية التي حفظها من والده ومحيطه صنعت منه كاتبًا وشاعرًا، ومن ثم روائيًا.
«جان دوست» الكاتب الكردي السوري الآخر، يُبرز جانبًا مشابهاً، حيث كانت القراءة لعبته المفضلة منذ الطفولة، بفضل مكتبة والده العامرة وتشجيعه المستمر له على المطالعة مما أرسى جذور عشقه للمعرفة والكتابة.
الغربة، ذلك الشعور الذي يعصف بالروح، كان لها نصيب بارز في الكتاب، حيث يعرض الكاتب تجارب متباينة لمبدعين عاشوها. الشاعر والناقد العراقي «محمد صابر عبيد» يمثل الوجه المأساوي للاغتراب. اضطراره لمغادرة الموصل، مدينته الأثيرة، أفقده توازنه الروحي، فصار يقاتل ذاكرته كي لا تعيده إلى بيته القديم، حيث الروح والمكتبة والذكريات. الغربة، بالنسبة له، تحولت إلى نزيف دائم.
على الجانب الآخر، نجد الأديب العراقي «محمد سيف المفتي» المقيم في النرويج، الذي أضاء وجه الغربة بنور الإرادة والتحدي. حول اغترابه إلى قوة خلاقة، يرى فيها درسًا قاسيًا ولكنه مثمر. فهو يقول: "من يبكي على ذكرياته لن يعيش في النرويج ولن يعيش في بلاده." كلماته هذه تنبض بروح تتحدى الانكسار، وتؤمن أن الإرادة والأمل هما وقود الحياة بغض النظر عن الزمان والمكان.
أما الأجواء الفكرية والتفاؤل التاريخي والثوري، فنجدها في تفاصيل الحوار مع المفكر اللبناني الراحل كريم مروة، الذي يتناول فيه الثورات التي عُرفت بالربيع العربي. يرى مروة أنه، على الرغم من المراحل الدموية والخسائر المادية التي مرت بها تلك الثورات، فإنها تحمل أهمية تاريخية كبيرة. فهو يعتبر أن الثورات العربية، كغيرها من الثورات العظيمة مثل الثورة الفرنسية والاشتراكية، تحتاج إلى فسحة زمنية طويلة من التجارب والتطورات حتى تنضج، وتُقطف ثمارها من قبل الأجيال القادمة.
في الجزء الثاني من الكتاب، يقدم الكاتب مقالات مختصرة عن شخصيات أبدعت وتركت بصمة في عالم الفكر والفن. نلتقي مع «ممدوح عدوان»الذي يرى أن صفاء الذات هو المنبع الأهم للشعر. ومع «كنوت هامسون» أديب نوبل، الذي انتقل من العمل كصانع أحذية وعامل في الحجارة إلى عالم الأدب الرفيع. أما «مارسيل بروست» فتطل رؤيته للسعادة كأغنية بسيطة مفعمة بالجمال: العيش قرب الأحبة، الاستمتاع بجمال الطبيعة، ورفقة الكتب.
بهذا الأسلوب، يغزل الكاتب لوحة متنوعة المعاني والألوان، تأخذ القارئ في رحلة بين عوالم مختلفة، تكشف أسرار الإبداع الإنساني، وتمنحنا دروسًا في الفن والحكمة والحياة، كتاب «حوارات وشخصيات» نافذة تطلّ على عوالم أرواح عاشت الحلم، وخاضت التجربة، وصنعت من الوجع جمالًا خالدًا.
المقالات المكتوبة عن الكتب دعوة لقراءة تلك الكتب حتى تكتمل رسالة المتعة والفائدة.