المشهد السياسي الكردي في سوريا: الاتهامات تستمر دون استحداث

المشهد السياسي الكردي في سوريا: الاتهامات تستمر دون استحداث

زينه عبدي

التوسع المطّرد في الفوضى السياسية التي تعيشها سوريا وخاصةً في ظل حالة الانقسامات والانشقاقات وعدم التوافقات اللانهائية واللامحدودة واللامعدودة والتي لا بد من الاعتراف بها كأمر واقع على مدار السنوات ال13 المنصرمة من عمرنا، ناهيك عن الأزمات على المستوى الإنساني والاجتماعي والأمني والاقتصادي والنفسي التي يعيشها البلد والتي على ما يبدو بات معقداً للغاية رغم المحاولات والمساعي والجهود المحلية والإقليمية والدولية التي من شأنها إحراز تقدم في مسار الحل السياسي السوري والذي أصبح أبعد من الأجندات الدولية ومطالب مَن في الداخل بل بات على ما يبدو أقرب لفترة صدور "بيان جنيف" عام 2012 م.
لم تكن الحالة السياسية الكردية بمنأىً عن الحالة السورية أو منفصلةً عنها، بل بات المشهد ذات رؤى مختلفة ولكن بتصادمات تلو الأخرى دون الوصول لتوافق مرضٍ لكل الأطراف، التي تسعى كل واحدة منها لرسم ووضع إطار سياسي بما يتواءم مع تصوراتها ورؤاها وتوجهاتها المنضوية خارج الأهداف المرسومة لها ضمن التعددية والتقبل بعيداً عن الصراعات والانقسامات الداخلية.
وتزامناً مع اقتراب انعقاد أي اجتماع كردي- كردي للتقارب الذي يشي بالتفاؤل نوعاً ما في المستقبل القريب المنظور، نرى أن الأمور تنقلب رأساً على عقب والمشهد الكردي (سياسياً) يعود بنا إلى نقطة الصفر، والذي يتم فيه تبادل الاتهامات بعرقلة العملية السياسية الكردية وبالتالي تقليص الخيارات التي من شأنها تفكيك حالة التشرذم السياسي التي نعيشها منذ عقود، وأيضاً الانتقال إلى الواقع بعيداً عن الفرضيات البلهاء التي يتم تداولها ومناقشتها دون التطبيق المنفعي العام لخطاب كردي منقذ يلامس الذات الكردية بعيداً عن إطار التخوين والغدر والزور، الذي يعظِّم من مخاوف الكرد التي تطفو على السطح حيال أي خلاف كردي كردي أو خلاف كردي-الآخر.
كلنا لا يخلو من الهزائم وكذلك الانتصارات وهذه حقيقة غير مجتزأة، ولكن أن نتعمَّد (أحد الأطراف الكردية) في إظهار كوننا منتصرين على الدوام ونتآمر على عقول الآخرين بالشيطنة والباطل، وأننا نملك الأحقية في توجيه ما يحلو لنا هذا ما لا يقبله أي منطق أو أي واقع حقيقةً، وللأسف هذا ما تفعله العقلية الكردية غالباً ببعضها بدلاُ من استحداث ما ينقذنا من الوضع المأساوي المستفحل الذي نحن عليه الآن والاستبسال قدماً، وهذا ما يتطلب تحريك العقول الكردية السياسية الناضجة ذات المعالم الواضحة غير المبرمجة على نظريات المؤامرة والتقويض وغياب التنوير الفكري، والتي بإمكانها دفع العملية السياسية الكردية نحو صحوة استثنائية بعيداً عن الاستهجان والزمجرة والغذمرة أو الاستشاطة غضباً من الطرف الأخر المختلف عنه رأياً وموقفاً.
جولات التفاوض التي بدأت عام 2020م بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي متضمنة أحزاب الوحدة الوطنية، فشلت فشلاً ذريعاً في التوصل إلى أي اتفاق بشأن رؤية سياسية توافقية مشتركة حول القضية الكردية وذلك بسبب النقاط الخلافية التي مازالت تطفو على السطح لكليهما ضمن إطار المناهج التعليمية مثلاً، التجنيد الإجباري، غياب وجود التشريع الرسمي لبيشمركة روجآفا وكذلك النشاط السياسي الحر لأية جهة كانت، إضافةً إلى عدم تجاوب الطرفين للكثير من القضايا التي طرحت منهما بغية الوصول إلى توافق حول تشكيل مرجعية كردية موحدة، وحالت دون تقديم تنازلات من الطرفين كما العادة التي اعتدنا عليها سابقاً وعدم تقبل المجلس الوطني الكردي للإدارة الذاتي كسلطة أمر واقع، فكل منهما يرفض الاعتراف بالآخر بطريقة متباينة ولا يزال الطرفان في حالة الايماءات والإيحاءات غير المجدية واللابريئة التي تضع الوضع والحل السياسي الكردي في مأزق حقيقي أشبه بالكابوس المصاحب لخطر محدق ملموس ومحسوس.
القراءة للوضع والأداء السياسي الكرد ي في روجآفايي كردستان(شمال شرق سوريا) باتت محكومةً بفوضى وعبثية مبرمجة على التآمر والاتهامات المتبادلة والتي صارت من المسلمات لدى كافة الأطراف الكردية، وأقول أنه في أفضل حالاته وليس أفضل مما كان عليه، دون تصويب بوصلتها التي لا بد أن تلتزم وتصحح اتجاهاتها ذات المسؤولية تجاه المصير الكردي، ومحاولة تجنب تلك التبعات الكارثية التي ستؤول إليها الحالة الكردية من شحنات الغضب والتضاد، حيث في نهاية المطاف لا غالب سوى حالة التفكك والضياع بكل الأحوال التي استساغوها ولا يزالون، بدءاً من معاهدة لوزان 1923م وحتى الآن مروراً باحتلال سري كانيه وكري سبي وعفرين.
غياب أو عدم وجود خطط استراتيجية ذات أهداف واضحة ومحددة للكرد، الكل مساهم وبقوة في تنمية هذا العامل وصلده، يوحي بعقلية الفوضى والازدراء السياسي، الأمر الذي يعد عائقاً أمام أية خطوة من شأنها بلورة أوراق شكيمة الذات الكردية وفرض هيبتها ومتانتها وليس هيمنتها، بمنأىً عن الاستقطاب الذي بدوره يقلص أو يعدم الخيارات الكردية المتاحة والتي تتطلب جهوداً نضالية سديدة بعيداً عن المظلومية التي توارثوها عبر عقودٍ من الزمن والتي أوقعتهم في فخ النموذج التقليدي بعمدٍ أو عدمه.
الحركة الكردية وبسبب عدم قدرتها على التشخيص الجاد لحالتها السياسية الصاعدة والهابطة قد بددت مكامن الأمل والتصالحات الممكنة والمؤجلة الآمال، والتي غالباً ما يتم إغلاق قريحة الكردي بخصوصها في الزمان والمكان المناسبين الذين لابد للكردي أن يستغلها لصالح المسألة الكردية بدلاً من المراوحة والتلفيق، ناهيك عن المكانة الإقليمية والدولية اللتين استحوذ عليهما الكرد في الآونة الأخيرة عقب أحداث 2011 السورية جماهيرياً وسياسياً وعسكرياً، والتي أوحت نوعاً ما للاعتراف بسلطة الأمر الواقع في مناطق شمال شرق سوريا(الإدارة الذاتية)، والتي لا تزال الدولة التركية تقاتل لأجل تهديما وتقويضها دون كلل أو ملل أو انحسار.
حضور العديد من القوى الكبرى الدولية في المشهد الكردي خلال السنوات الأخيرة والتي لعبت دوراً شائكاً ما بين تحقيق مصالحها على الأرض من جهة وما بين تقديم الدعم للكرد في محاولة منهم لدفع الكرد بتوقيع اتفاقيات معهم في مسألة دحر تنظيم الدولة الإسلامية والقضاء عليها كما يستوجب من جهة ثانية، بالإضافة إلى الأدوار والمساعي الكردية والتي لا تزال في طور الحركة البطيئة والاستمرارية ولكن دون تحقيق نتائج محسوسة تذكر، الأمر الذي يقوض العملية التفاوضية السياسية بين الأطراف الكردية، حيث يعزوه الكثير ل الشللية التي تلازم الكرد بعيداً عن التشخيص والتحليل الضامن للحوار الكردي- الكردي أملاً في انتزاع الحقوق المشروعة بالشكل الحقيقي وألا يمت للجدل والشيطنة والعدوانية بأية صلة، وكذلك ردات الفعل التي لطالما كانت المؤثر السلبي على تقديم أية خطوة جادة، تلك الخطوة التي من شأنها ترجمة وتمثيل النتائج التي من الممكن أن تتمخض عنها على كافة الصعد بشكل واقعي، بعيداً عن أية مؤثرات خارجية.
الحالة السياسية الكردية وخاصةً أننا في خضم الحوار الكردي – الكردي المرتقب، تحتاج إلى بلورة وفهم الإخفاقات والتراجعات اللامعدودة والتي تمخضت عن خيارات واختيارات محدودة للكرد، كما أنها تتطلب حنكة أدق تحمل في ثناياها سبلاً لبلورة العجز السياسي المراحلي وتشخيصه بما يتواءم مع الظروف الآنية في عصرنا الحالي، والتي من شأنها فهم ومعرفة أعظم وأدق بالعلاقات الدبلوماسية داخلياً وخارجياً، وبناء جدار سياسي جدير بالتأسيس لعمل سياسي نزيه وذو مصداقية ويتمتع بالجِدة في جوهره تماشياً مع الزمان والمكان والظروف حالياً.