الكورد.. وصعوبة إيصال الصوت إلى العالم
محمود حسين
في عالم اليوم، حيث الإعلام يلعب دورًا جوهريًا في تشكيل الرأي العام وتوجيه توجّهات الشعوب، تعاني العديد من القضايا العادلة من غياب حضورها الدولي نتيجة افتقارها للمنصات الإعلامية المناسبة. في هذا السياق، يمكننا تسليط الضوء على واحدة من أبرز القضايا التي يعاني فيها شعب من نقصٍ في تمثيله الإعلامي على الساحة العالمية، وهي قضية الكورد. مقابل هذا الواقع، نجد دولة مثل تركيا تعتمد على إعلام خارجي واسع الانتشار، مما يسمح لها بالتأثير على الرأي العام الدولي بشكل قوي وفعّال.
الافتقار إلى الإعلام الكردي العالمي
رغم أن الكورد يُمثّلون واحدة من أكبر القوميات في العالم دون دولة مستقلة، ويمتدُّ وجودُهم إلى مناطق واسعة تشمل تركيا وسوريا والعراق وإيران، إلا أن قضيتهم لم تأخذ حيزًا كافيًا في الإعلام العالمي. يعود هذا إلى عدة عوامل، أهمها افتقار الكورد إلى إعلام دولي متمكّن، قادر على نقل صوتهم وتعريف العالم بقضاياهم. يتواجد بعض الإعلام الكوردي على الساحة، لكن تأثيره لا يزال محدودًا بالمقارنة مع وسائل إعلام دول إقليمية مثل تركيا وإيران، اللتين توظفان الإعلام كأداة فعّالة في دعم مواقفهما وتلميع صورتهما على الساحة الدولية.
يمتلك الكورد محطات إعلامية محلية، تُبث باللغات الكوردية في بعض المناطق، ولكنها لا تمتلك القوة ولا الحضور اللازمين للظهور على المسرح الدولي. هذه القنوات غالبًا ما تفتقر إلى الموارد المالية والبشرية التي تمكّنها من إنتاج محتوى إعلامي بلغات متعددة تستهدف جمهورًا عالميًا، أو توفّر تغطية إعلامية حيادية وموضوعية تستطيع الوصول إلى صناع القرار الدولي.
استثمار ضخم في الإعلام الخارجي
في المقابل، نجد التجربة التركية التي يمكن أن تُضرب بها أمثلة متعددة حول كيفية استغلال الدولة للإعلام كأداة سياسية واستراتيجية خارجية. تركيا تستثمر ملايين الدولارات في إعلامها الخارجي، ولديها وسائل إعلام ناطقة بلغات عدة، منها الإنجليزية والعربية والفرنسية والألمانية، مما يمكّنها من الوصول إلى جمهور واسع.
بهذه الأدوات الإعلامية، تتمكن تركيا من تقديم سردية متكاملة ومتعددة الأوجه تخدم مصالحها السياسية وتؤثر في الرأي العام الدولي. هذه القنوات تمثل نافذة مفتوحة للجمهور العالمي على تركيا، وتجعل من السهل عليها التحكم في طريقة عرض قضاياها بشكل يخدم مصالحها، ويُسهم في تعزيز تواجدها على الساحة الدولية بصورة إيجابية.
أثر الغياب الإعلامي على القضية الكوردية
غياب الإعلام الكوردي العالمي يجعل من الصعب على الكورد إيصال قضاياهم وتوضيح مواقفهم بشأن المواضيع الحساسة التي تهمُّهم، ويترك المجال مفتوحًا أمام الإعلام الخارجي لتشكيل الصورة العامة حولهم دون وجود أي توازن في الروايات المتداولة. هذا الفراغ الإعلامي يجعل الكورد يعتمدون بشكل كبير على وسائل الإعلام الإقليمية أو الدولية، التي قد تكون غير محايدة أو قد تتناول قضيتهم بشكل مشوّه، الأمر الذي يؤدي إلى تضليل الجمهور الدولي حول حقيقة أوضاعهم وطموحاتهم الوطنية.
لذلك، يؤدي غياب الإعلام الكوردي إلى تفاقم العزلة الدولية التي يعاني منها الشعب الكوردي، حيث يتمُّ تصوير قضاياهم في الإعلام الدولي إما بشكل مقتضب أو من خلال الروايات التي تروّجها الدول التي لها نفوذ في المنطقة، خاصة تركيا وإيران. وهذا يشكل عائقًا حقيقيًا أمام محاولات الكورد لطرح قضيتهم بموضوعية، ويضعف قدرتهم على حشد التأييد والدعم الدولي الذي يحتاجون إليه للدفاع عن حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية.
الحاجة إلى إعلام كوردي عالمي مستقل
لتعزيز حضورهم الدولي، من الضروري أن يستثمر الكورد في إنشاء إعلام عالمي مستقل يروج لقضيتهم، ويدافع عن حقوقهم، ويتيح لهم منافسة الدول الأخرى في تقديم روايتهم بشكل مباشر. يمكن للإعلام الكوردي أن يساهم في تصحيح الصورة المغلوطة التي تم ترويجها عنهم على مر السنين، ويضع قضيتهم في إطارها الصحيح كقضية قومية وإنسانية.
من خلال إنشاء قنوات فضائية ومواقع إخبارية إلكترونية بعدة لغات، وتدريب كوادر إعلامية شابة وموهوبة، يمكن للكورد بناء جسر تواصل حقيقي مع الجمهور الدولي. كما يمكنهم الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت اليوم إحدى أهم أدوات نشر الوعي حول العالم، بما يتيح لهم الوصول إلى جمهور أوسع بطريقة أقل تكلفة، ويعزز من قدرتهم على التواصل المباشر مع الجمهور دون الحاجة إلى وسطاء.
بينما يتقدّم الإعلام في الدول التي تتحكّم بمصير الكورد بخُطا ثابتة على الساحة الدولية، ويمتلك تأثيرًا واسعًا، يعاني الإعلام الكوردي من نقص شديد في الموارد والقدرة على الوصول. هذا الواقع يجعل من الضروري للكورد العمل بشكل منظم وموحد لملء هذا الفراغ الإعلامي وتأسيس منصات إعلامية مستقلة، قادرة على نقل روايتهم إلى العالم بصدق وموضوعية.
إن الحاجة إلى إعلام كوردي عالمي أصبحت ملحّة، خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية. بدون هذا الإعلام، ستظل قضاياهم معلّقة ومعرضة للتشويه، ولن تتاح لهم فرصة إيصال رسائلهم للعالم بشكل عادل ومتوازن.