أسباب تشظي الأحزاب السياسية الكردية السورية

أسباب تشظي الأحزاب السياسية الكردية السورية

محمد سليمان كاباري
الحلقة الثالثة: سلبية المثقف الكردي
قبل الخوض في البحث لا بد لنا من التحرر من اشكالية المصطلح (أقصد المثقف) وفهم التطور التاريخي للمصطلح ككل المصطلحات التي استحالت من فردانية المعنى والمآل إلى تعددهما تماشيا مع تحول العلوم الفارزة للمصطلحات ككل وتفرعها من الكم إلى الكيف ومن عنوان عام إلى عناوين متعددة وبمصطلحات متعددة، فلم يعد اسم علم الاجتماع مثلا او الفلسفة أو أي مجال علمي آخر سوى مصطلح عام لا يعبر عن التفاصيل كعلم الاجتماع السياسي أو الصناعي أو الزراعي ..... وهلم جراً.
بناء عليه لم يعد المثقف فقط ذلك الذي (يعرف كل شيء من شيء وشيء من كل شيء) كما هو سائد تعريفه في مجتمعنا وهذا المثقف (الموسوعة بمقتضى هذا التعريف) لا يمثله نسبة تذكر داخل عوالمنا الثالثة والنائية والمتخلفة والمتأخرة وما إلى ذلك إنما يضاف إلى هذه الشريحة مثقفو الشهادات ومثقفو الأفكار ومثقفو الخبرات .... إلخ شريطة ملكيتها لملكة التطوير والإبداع.
هذه الشريحة الواسعة تُكَوِّن المثقف وتمثل مع شريحة السياسيين الدعامتين اللتين يستند عليهما أي شعب في السير المتزن على طريق الانعتاق سواء كان تحرراً لشعب مضطهد أو خلاصاً من موروث عاقٍّ لمسيرة تطور مجتمع وتراكماته.
لقد سلطنا بعض الضوء على دور القيادات السياسية في تشظي الحركة الكردية في ما مضى في صحيفة «كوردستان» والمؤكد أن لسلبية المثقفين وحياديتهم دور لا يقل عن دور السياسي في ذلك التشظّي، وكناتج تستمر الإشكالية لعدم قدرة الطرفين على تجاوز حالة التجافي هذه والتي أنتجت تالياً احتلال السياسي لموقع المثقف واتخاذ الأخير الانهزامية منحى وسلك طريق النأي بالنفس عن الاقتراب من السياسة وأطرها الحزبية.
ثمة أمران ناظمان للعلاقة الطبيعية المنتجة بين المثقف والسياسي، أولهما: الخصخصة في العمل ومأسسته بأن يكون للسياسي خط القيادة وللمثقف خط التطوير وثانيهما: فعل التكامل بين القيادة (مهمة السياسي) والتطوير(مهمة المثقف) بتهيئة السياسي للمثقف العوامل الحاثة على فعل التطوير ومنحه مساحة الحرية اللازمة لتسخير طاقاته ومؤهلاته لرفد خطط واستراتيجيات السياسي وتسويقها.

لكن وللابتعاد عن التنظير والتأملات وللعطف من المأمول إلى الموجود نجد أن الواقع يشير إلى عكس ذلك، ومرده سلبيتان اثنتان من جانب المثقف
أولاهما: التعالي والترفُّع عن المنظومة الفكرية المجتمعية بالحالة العامة واستغلاله للفارق بين السويتين بدل تقزيمه والاستحالة من كشف الأخطاء والسعي لطرح سبل اجتنابها أو تصحيحها إلى الاختصار في فعل النقد فيها دون الولوج الى دوائر الحل وسلك الانتهازية منهجاً وسبيلاً.
لا ينكفئ المثقف الكردي بمناسبة وبدونها عن الجهر بمظلوميته من السياسي، ولا يكل على التوازي من نقد أسقام الحركة السياسية ورعيتها دون أن يقر بمسؤوليته عنها أيضاً، وأن العمل على معالجتها من الداخل كان سيؤتى أُكُلُها، وأن تشكيل كتلة مثقفة كبيرة مؤثرة داخل أي حزب ربما كان صمام أمان لدرء التشظي.
ثانيهما: التوجُّه نحو الفردانية، إذ أن المثقف الكردي لا يجيد العمل الجماعي، ففي الكثير من المجتمعات يأتلف المثقفون من شتى الاختصاصات العلمية ضمن هياكل بمسميات مختلفة كمعاهد او مراكز أبحاث إنْ ضمن الأحزاب أو بالقرب منها تنشط في تقديم المشاريع والخطط للقادة ولئن كان ذلك بمنتهى الصعوبة سابقاً فإنها كانت ممكنة جداً في ظل العاصفة التي ضربت الوطن السوري وبضمنه غرب كوردستان منذ سنوات، لكن ومن منطلق الفردية الذي ينتهجها المثقف توجّه الكثيرُ منهم إلى بناء أحزاب جديدة وعشرات الأحزاب التي استحدثت في سنين انحسار سلطة الدولة عن المنطقة الكردية في سوريا كانت على أيدي المثقفين و ليس السياسيين.
العدل هو أن القادر على شغل موقع يستطيع من خلاله الدفع باتجاه تطوير الصالح العام، ويمتنع من الإقدام عليه يتساوى صاحبه بالجرم مع غير المؤهل لنفس الموقع، ويتهافت على شغله و هذا هو إثم المثقفين بانتقاد السياسيين.
إن تعافي الحركة السياسية يحتاج إلى مختلف شرائح المثقفين وخصوصاً أصحاب المؤهلات العلمية وعلى أصحابها تجنُّب سلوك النأي بالنفس عن السياسة وأطرها، وما يعزّز دورها هو ترك انتهاج الذات الموسوعة و الدفع باتجاه الكتلة الموسوعة والاندماج في الحركة السياسية.
إن قيادة الشعوب نحو الخلاص تتم عبر الحركات السياسية والمثقف هو ثاني اثنين في تحقيق ذاك الخلاص إلى جانب السياسي وليس على النقيض منه.