المواطنة والوطن - نظرةٌ متواضعة من أعين البسطاء و الفقراء
ريزان باديني
لابد و قبل الخوض في غمار هذا العنوان الفضفاض من تعريفٍ للمواطنة والوطن بنظر هذه الفئة أيضاً من الفقراء والبسطاء والمسحوقين من عامة الشعب مثلنا كي نستطيع أن نعي وندرك حجم المعاناة والألم الذي يكابده هذا الشعب من الشعارات الطنَّانة والرنانة الكاذبة والتي لم يعد من متسعٍ لها في صدورهم التي أوغلت وتعششت فيها كربات الزمان وويلات القدر وظلم ذوي البأس والتعدي وذوي الأسنان من القابعين والجاثمين على أنفاس من تبقى مرغماً ومكرهاً في أحضان هذا السياج الذي يمرر من خلاله وبه وبإستغلاله الغيلان آلاف الأكاذيب التي أرهقت وأدمت كاهل الناس لأجيالٍ سيذكرونها بشكل قصصٍ مرعبةٍ عاصروها.
فالمواطنة باتت بنظراتهم الكئيبة سوقاً يرتاده البغضاء والأمراء من قادات الحروب وتوابعهم ممن يتقنون ويتفننون في أساليب وفنون الكلام لجرِّ ما تبقى لهم من فلذات أكبادهم عنوةً إلى ساحاتٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل لخوض غمار حروبٍ وسفك دماءٍ تجرُّ خلفها ثاراتٍ لا يحمل وزرها إلا ذويهم وأهلهم وبهذا يبات الأهل مثقلين بالخسران الأكبر والأعظم.
إذاً نستنتج من نظرتهم للمواطنة بعضاً من المصطلحات القميئة والتي باتوا هم أنفسهم يبغضونها ويصرحون بها لما لاقوه و كابدوه كالاستغلال والإتِّجار بالأرواح والأموال والأعراض والكذب والنفاق على حساب هذه الطبقة المعدومة أصلاً في قواميس هكذا إدارة وهكذا قادة وهكذا حياة التي لم تعد تصحُّ لمن ينادي صرخة الألم فيها.
أما الوطن بنظراتهم البريئة ... هو العيش بكرامة تحت سقفٍ تأوي بها آهاتهم ويستر عوراتهم ويحمي روعاتهم ورعشاتهم في فراش ٍ بليدٍ بارد، ولقمة عيشٍ تغني عن جوعٍ فرضته سنوات الجفاء والقحط والسلب والنهب ودفء لسباتٍ لا يرحم في شتاءات السنين.
فالمواطن الكوردي رغم كل الظروف القاسية المحيطة به ورغم أَنَفَة الحال المعدوم والإنجرافات الدموية التي حاقت به والتسلَّط المفروض عليه بعنجهيةٍ وبفوهة البندقية المأجورة من جميع الأطراف على رقعة الشطرنج والتي بات فيها اللاعبون يتزاحمون ويتوافدون ويقبلون علينا من كل صوبٍ وحدب ومن مختلف الأديان السماوية والأجناس البشرية منها والجنية والفضائية والطوائف المكفِّرة الواحدة منها للأخرى والمذاهب الغارقة في التحليل والتحريم بلوغاً بصوت النساء وما يتشاورون عليها فيتفقون تارةً ويختلفون تارةً بأنها عورة أم لا، ويحدث كل هذا في المناطق الكوردية الحامية الوطيس بالإضافة إلى تلك البندقية التي نخروا بها عظامنا وأدمغتنا ونبَّشوا بها قبور المستقبل للأحياء منا والأموات بحجة حماية العرض والشرف الخرافيتين والمولودتين في بطون الكتب التي ألفها ملهم فكرة أخوة الشعوب والديمقراطية الزائفة والتي راح ضحيتها الآلاف من الشباب الكوردي خدمةً لمصطلحات لا تنتسب إلى ثقافة المناطق الكوردية في كوردستان الجزء الملحق بسورية.
نعم، فالمواطن الكوردي صبر أكثر من نبي الله أيوب في تحمل الويلات وقدم ولايزال يقدم الغالي والنفيس في سبيل إعلاء كل ما من شأنه تثبيت كل الحقوق المنبثقة من الشرائع والقوانين الإلهية منها والبشرية لضمان استمرارية العيش بكرامة في سياج دستورٍ و وطنٍ يحفظ كرامته قبل كل شيء، فذاك الشعب الذي وكَّل أموره كلها لله ولمن يمثلهم في هذه المحنة القاسية والصارمة ليكونوا كلمتهم الحقة للمجتمع الدولي المنافق بكل أبعاده ومثالياتهم في حماية حقوق الإنسان، لكن لم يرتق البعض من هؤلاء الموكلين إلى تحقيق أبسط تخيلات وآمال ما كانوا يصبون إليه فأصبح البعض من هؤلاء السياسيين يحتكرون لهم ولعصبةٍ من الأقزام ومن لفَّ لفيفهم كل المآثر والمغانم وكل ما فاءت من المساعدات والأموال ناهيك عن سرقة الثروات الباطنية وإحتكار السلع و البضائع و التحكم بالأسعار وخلق فوضى الغلاء، ولكن ما يتندى له الجبين وتكفهر لعجائبها الحواس الخمسة هو فقدان الخامة والمادة الرئيسية والتي تشتهر بإنتاجها تلك المنطقة من قمحٍ وشعيرٍ وهو ما يمس أمن المواطنين الغذائي الرئيسي وهو الخبز، ناهيك عن الثروات الباطنية وما يشتق منها، وغيرها الكثير الكثير من المواد الأولية التي تكون سبباً في تشبث المواطن البسيط بأرضه و يفديه بدمه، وقبل أن نختم كلمتنا لابد ومن كلِّ بدٍّ من توجيه أصابع الاتهام لكل من تسول له نفسه في خلق فضاءٍ ومتسعٍ من السطوة والتفرد في صناعة القرار وصناعة ثقافةً الفقر والتجويع والترهيب والتي تحكمها أيضاً جفاء القلوب ونفورها من محبة الأرض والوطن.
في النهاية لابد أيضاً من القول والحثِّ بأن لا تعلبوا أدمغتكم في علب السطوة والعنجهية والتسلط وتذكروا إن الوطن الذي تنشدونه في مآثركم بدون شعبٍ ما هو إلا مساحاتٌ من أراضٍ تمشون عليها لحينٍ من الزمن وتذكروا أن الشعب هو عماد الوطن وهو مصدر أمنه واستقراره وإذا ما هاج عليكم لعنات جوعهم وبردهم التي يكابدونها وعلى وطنكم المزعوم غبتم وغاب وهم بقوا ويغبر عليكم الزمان وما يطيب ويهنأ بعدها لكم عيشٌ.
لذلك احذروا مواقد الآهات المولعات ألماً.