الإنسانية قانوناً للكون
هنر بهزاد جنيدي
إن كانت الديانات نجوماً فالإنسانية شمسها الأوضح، وإن كانت القوميات أقماراً فالإنسانية فضاؤها الأوسع، إن كانت الأعراق كواكبَ فالإنسانية سماؤها الأفسح.
سنذهب في مقالنا هذا صوب جرأة بريئة ونرجو أن نحسن البيان في رفع قيمة الإنسان فقط كإنسان دون شرط الانتماء الديني والمذهبي، وبعيداً عن التّفاضُل العرقي والطبقي، وألا يُساء الفهم والتفسير كما هي العادة غالباً مع هذه الطروحات المهمة والحساسة.
فحديثنا هنا بعيدٌ عن الغيبيات، وعن الماورائيات وقريبٌ من الواقع ومن لغة العقل ولغة الحياة.
المسلمون خيرُ أمّةٍ أُخرِجت للناس، واليهود شعب الله المختار، والعرق الآري أقدس وأنقى الأعراق……!
هذه النظريات وغيرها يتبنّاها بتأويلاتها السطحية ويصدّقها، ويرتاح إليها مَنْ ينظر إلى الكون من ثقوب دينية وسياسية مغلقة ومتشددة، لكنها جميعها تسقط، وتذوب إن كشفناها تحت شمس القيم الإنسانية الكونية العليا، وستندثر أمام رياح عدالة رسالة الله وسنته في محكمة الدنيا والآخرة.
فلا شعوب مختارة سوى شعوب الإنسانية ولا أمم خيّرة سوى أمة الإنسانية ولا دماء خضراء، ولا أعراق سوداء أو ملونة، فكلُّ الأمم والشعوب، وكل الدماء والأعراق تحوم في دائرة واحدة مركزها الله، وتحت سقف كوني واحد هو سقف الإنسانية، وتحكمها قانون واحد هو قانون التعارف والمودّة والاحترام والرحمة، أما مقولات التفاضل المغلقة وشعارات التنافس الدموي فما هي إلا خروج من الجوهر الإنساني، وتعكير للمزاج الروحي وإفساد للبراءة الكونية.
لا أدري من قالها لكنه أبدع في التشخيص وأصاب الوصف في شرح واختصار فلسفته ونظرته البعيدة والثاقبة في الحياة: «ما دمت تحترم حقّي فأنت أخي، آمنت بالله أم آمنت بالحجر».
قانون التقبُّل والاحترام المتبادل بين المختلفين ديناً، وبين المتباعدين جغرافية وأمماً، أو بين المختلطين عرقاً وأصولاً هو جوهر القوانين والدساتير السماوية والأرضية.
الحل والخلاص لا يكمن في الإسلام، ولا في اليهودية، ولا في المسيحية أو البوذية ولا في الماركسية أو الرأسمالية..!!
الحل الأقوى والأعم كامن في تقديس روح الآخر، الآخر المختلف، واحترام عقله وخياراته طالما أن هذا الآخر لا يتبنى عنفاً ولا يضمر شراً للفرق الأخرى.
على الإنسان المعاصر أن يؤمن أن ما من جهة تحتكر كلّ الحقيقة، وأن يؤمن أن للجنة مفاتيح كثيرة وطرق كثيرة، وأنّ بناء السلم الإنساني في الأرض هو صورة بل وشرط للخلاص وللسلام الأبدي في الآخرة.
الحقيقة أجزاء وكل جهة يمتلك جزءاً منها، وإنقاذ البشرية في دولنا ومجتمعاتنا المتخلفة والمنغلقة بحاجة إلى توليفة محكمة وحكيمة بين جميع الشركاء وعلى أساس المصلحة الإنسانية المشتركة بين الجميع دون استثناء.
كن وطنيّاً، كن مُتديّناً، كن قوميّاً، كن عشائرياً، كن ما شئت، ولكن تحت ظلال الرحمة الإنسانية المفتوحة، الوطن الذي لا يحترم إنسانية مواطنيه تمردْ عليه، والدين الذي لا يحترم عقول وقناعات الآخرين ارتدْ عنه، والقومية التي تدفعك إلى كره الآخرين اقتلع منها الكره، وازرع مكانه حباً وتقبلاً!.