أين ذهب المثقفون؟

أين ذهب المثقفون؟

آناهيتا حمو

سؤال نابع من هاجسين عميقين: "فقدان البوصلة الفكرية "، ومشكلة التسطيح المؤسساتي والاجتماعي "
ترى ماذا حلت بالبوصلة الفكرية؟ لما كل هذا "التشيؤ والتسطيح الفكري"؟
بودلير الشاعر الفرنسي كتب وحلل بعمق، كتب أروع دواوينه عن الخير والشر، عن التضاد في مدينة باريس،" محاسن ومساوئ" "و"المثالية " إيديال، "وسبليين " بأسلوبه أوجد مصطلحات تعبّر عن أزهار الشر وبعمق تفكيره، وحدته، ونبوغه، عبقريته الشعرية، وبحرائق غروب شمسه وجمالها في صوره الشعرية وعلاقته بلهيب الإلهام، وبالملهمة البوصلة الشعرية، ربة الشعر في "أزهار الشر" مجموعته الشعرية وفي قصيدته بالتحديد "ماذا ستقول روحي الوحيدة هذا المساء؟ "سواءً في الليل أم في العزلة سواء في الشارع أم بين الجمهور، شبحه في الهواء يرقص مثل الشعلة،
وأحيانا تتحدث وتقول: "أنا جميلة وآمرك ألا تحب إلا الجمال من أجل حبي، أنا الملاك الحارس، أنا الملهمة، ومادونا." ناهيك عن الشعراء الكورد مثل الشاعر جكرخوين الذي تطرق إلى فكرة الخير والشر والفلسفة الايزيدية:"أهورامزدا "وأهريمان "آلهتيين، قوتيين، تضاد المجتمع الكوردي.
يتحدث عالم النفس البريطاني في كتابه عن مآل" التسطيح الفكري" للإنسان المعاصر، ويعول أسباب هذه المتاهات إلى غياب المفكر الحقيقي، الذي بات ضرباً من الخيال، وبالمقابل سيادة التفكير السطحي سبباً لسيادة السطحيين لا بل وضعهم في مقدمة الأولويات، وتمجيدهم، تقديرهم وتكريمهم. وبذلك النمط من التفكير والمنطق نفسه تم منع عرض معزوفة الموسيقي والمبدع موزار، آنذاك من العرض "زواج فيغارو" وهي مسرحية لكاتب فرنسي يعالج الأزمات في المجتمع ومشكلة الطبقات الاجتماعية، ولعل من أهم أسباب لعدم عرض معزوفته الموسيقية آنذاك، كي لا تصاب العلاقات بين البلدين بالترهل والنزاع بين الملوك.
بهذا النمط من التفكير التقليدي تم تهميش المبدع "موزار" بل ورميه على حاوية القمامة في ذلك الزمن الممنوع في أوربا إبان الحكم الملكي في النمسا، واليوم تفتتح حدائق بسمه لا بل يعتبر الأوروبيون مجرد ذكر اسمه، غنى وثراء لأوطانهم، والآليات للأنماط الفكرية التقليدية مستمرة وما زال صدى صوته نفسه، كم وصفها الكاتب جان فرانسوا ليوتار في كتابه مجتمع الفرجة، ومفهوم "التشيؤ "، يتم الترويج بل التمجيد والتصفيق لكل ما هو زيف وبهرجة تلمع وأساليب الدعاية بعيدا عن المفهوم الحقيقي...!
ماذا حلت بها البوصلة الفكرية؟
ترى لماذا هو مغيب مع سبق الإصرار، المثقف الحقيقي أمثال الكاتب ريموند ويليامز؟ وغاب تفاعل المفكر والمثقف والباحث المدرك الذي تكمن في قدراته ثراءً للوطن، ومخزونا من الإبداع والرؤيا الجديدة. والانخراط الاجتماعي واتخاذ مواقف مؤثرة في المجتمع؟
هل تحولت مهمة مختبرات البحوث في الجامعات إلى توزيع الشهادات والتوظيف؟
ذلك الباحث، النبوغ الكوردي الأصيل الحقيقي، الحقيقي في الحياة وفي مختبرات البحوث الفكرية والعلمية والمتفاعل مع أمواج الحركة الثقافية لتغيير ماهو تقليدي وسطحي؟ والمدرك لماهية مسؤولياته! ماهي مسؤوليته التاريخية التحررية الكوردستانية؟
كلنا يدرك كيف قام المفكرون في أوروبا بنقد المجتمع والاديان والاوهام وما يحصل فيه من كوارث، أوهام دينية وخرافات هدفها الأساسي هو السيطرة على الفكر الحر التنويري العلمي، ومنعه من إكمال مسيرته العلمية على إثرها قامت الثورةالفرنسية إثر اندلاع شعلة الفلاسفة والأدباء والحركات الفكرية، مثل الفلاسفة:"ديدروا وفولتير وروسو"؟
ألم يتم إعدام المناضلة جان دارك الفرنسية وهي في ذروة شبابها مثل المناضلة ليلى قاسم على يد التفكير التكفيري، أعداء الفكر الإنساني التنويري؟
تراودني تساؤلات وتدعوني للكتابة مجددا وأجوبة لا بد من الإبداع في التفكير العلمي والإجابة لا بد أن تكون وافية!
وأنا اقرأ أفكار عالم النفس البريطاني "فرانك فوريدي "
مقارنات تحاكي مشاهد رياضية وفنية لتصنع منهم نجوم الرياضة قادة عظماء ومثالا يحتذى بهم.
الفيلسوف الكوردي الذي عشق كوردستان فأبدع في الوصف وتحليل أسباب تمزق الكوردي وتشرذمه بلا وطن، فكتب "أحمده خانه" رائعته "ممو زين " وما زال صدى صوته وأفكاره مرجعا للبحوث في مختبرات طلاب اللغة الكوردية في باريس وعواصم أوروبية عدة، حيث يدرس الأدب الكوردي واللغة الكوردية. وهو إيقونة الفكر بين معاصريه من الشعراء والكتاب والمثقفين الكوردستانيين الكلاسيكيين" بيره ميرد، هجار موكرياني، ممن كتبوا للأدب الكوردي الكلاسيكي، مجلدات مازالت إلى يومنا هذا. وما زلنا نرسم ابتساماتنا ونحمل همومنا ونحلم لعلنا نهتدي ببوصلة فكر متنور كوردي ينهل من معين الأدب الكوردي والأدب العالمي، بين النوم واليقظة تولد لحظات الإلهام، كما كتبها الشعراء السورياليون، لنصل بقاربنا إلى بر الأمان كما قال الكاتب الفرنسي جان كوكتو:"الأحلام هي أدب النوم "
ولعله الحلم وحده يمكن أن يمارسه الإنسان دون أن يراقبه أحد.