أمهات مع وقف التنفيذ

أمهات مع وقف التنفيذ

شيرين أوسي

عندما تكون في الشارع، وتحمل في أحشائها طفلها الأول، تتحدث عنه كأنها تتحدث عن شخص بالغ عن ملاك تتحسسه كل ثانية وتبتسم، ينطفئ نور عينيها وهي تتمنى ضمه، تقضي في حادثة إطلاق نار، رصاصة طائشة نتيجة الفوضى التي تعم المدينة تنهي الحلم.
تموت وهي تحضن طفلها في أحشائها، أم مع وقف التنفيذ، تتحسس بطنها، ثم تتوسل إلى الطبيب المعالج: ساعدني، لا أريد فقد كامل بصري حتى أرى صغيري الأول
فرحتي الأولى، أريد رؤية ملامحه وأن أحتضنها بين تلافيف الذاكرة
تبكي..تبكي
وهي تغرق في ضباب الأسى، تدرك أنها تفقد رويداً رويداً بصرها، بعد الانفجار الكبير الذي حدث في حيها وفقدت عينها اليمنى ونتيجة للمضاعفات هاهي تفقد عينها اليسرى
ببطء
مميت... تحلم وتتوسل كي تراه ولو لساعات..... لدقائق والأمل يتلاشى كضباب
فهي أم مع وقف التنفيذ، تتحسس بطنها وتبكي بحرقة بعد أن أخبرها الطبيب
أنها تحمل طفلاً مشوهاً نتيجة تلوث الجو حولها ونتيجة الحزن والاكتئاب الذي عانته
بعد وفاة أفراد عائلتها في قصف المدينة، وينصحها بالصبر:
الإسقاط لامحالة منه بسبب انفكاك في المشيمة، وضعف كبير في بنية الجنين، هي أم مع وقف التنفيذ، غرق الجميع أمام ناظريها.... أطفالها الثلاثة، تذهب كل يوم إلى الشاطئ تنتظر قميص أحدهم لعلّ أمواج البحر تحملها. أم مع وقف التنفيذ.
تهز سرير وليدها كأنها تهز عمراً في انتظار مؤلم ينتهي بوفاة الطفل الذي لم يبلغ الستة أيام حين تم نقله للمشفى نتيجة ريقان الأطفال بعد تعرض امه للخوف الشديد أثناء تبادل طرفي النزاع الرصاص في ساحة المشفى التي تلد فيها طفلها الأول.
الطفل في الحاضنة ويحتاج للدم لكن الحصار ومنع التجوال حالا دون وصول العلاج في الوقت المناسب. هي أم مع وقف التنفيذ، فكت ربطة شعرها توسلت قائلة:
ضعوها في يد طفلي، لا ينام إلا في حضني، دائماً كان يقول أحب رائحة شعرك أمي.
أريد أن تكون رائحة شعري معه في قبره، سقط وهو يلعب في الحي الصغير نتيجة إطلاق الرصاص على المحتفلين عشية النوروز. هي أم مع وقف التنفيذ
كانت تلف وليدها بلفافة بيضاء ناصعة كأيام تمنتها له، وضعت ورقة صغيرة في لفته
ليس وليد خطيئة، لكني لا أستطيع الإنفاق عليه وتضعه أمام باب المسجد، هي أم مع وقف التنفيذ، في وطني حتى الأمهات لسن كأمهات العالم.
هنا تختلف الأمهات عن أمهات العالم هنا الحزن واسع وسع المدى
الأماكن تضيق رغم اتساعها والفرح سراب حتى الأمومة هنا أمومة مع وقف التنفيذ.