فن الاعتذار وشجاعة الاعتراف بالخطأ
جيهان حاجي
في ظل الظروف الصعبة التي تمرُّ بها البلاد واستمرار الحرب وهشاشة الوضع المعيشي داخل سوريا والتي تكثر فيها أصوات الفتن والتحريض على العنف والاقتتال والانقسام والهجرة.. الخ، كلُّ هذا جعل الإنسان في وضع عدم القدرة على التحكّم بالعواطف والشعور بالغضب الذي قد يحول دون قبول آراء مختلفة.
البعض يجدُ صعوبةً في التعامل مع المتغيرات التي تجعلها الآراء الجديدة والاختلافات في القيم والأولويات قد تؤدّي إلى صدام في وجهات النظر، وحدوث تنافر بين بعضهم البعض، وفي خلق جو مبني على ارتكاب الأخطاء بحق البعض. و(كلّ بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون)
قد نغزو حيثيات ذلك إلى سوء التربية والبيئة المحيطة، ومن المجتمع نفسه، فنحن نعيش في مجتمعات تفتقر لمثل هذه الأخلاقيات، مجتمعات في الحقيقة جبلت على عدم الاعتراف بأخطائها وإهانة الآخر.
للاعتذار قوة بالغة التأثير، فهو يحلُّ الخلافات دون عنف، ويصلح بين الأمم المتنازعة، ويتيح للحكومات أن تقّر بألم مواطنيها، ويعيد التوازن إلى العلاقات الشخصية لذلك أبدأ بنفسك واعتذر من أسأت إليه. اعتذر بصدق وإخلاص يمكن الطرف الذي يُقدّم له من استعادة الكرامة، ويبدد المخاوف من الانتقام، وبالنسبة للطرف الذي يقدم الاعتذار، فإن تقديمه يمكن أن يكون أداة قوية لإصلاح علاقات العمل وللشروع في إعادة بناء الثقة في بيئة تنافسية فتقوض السلطة وتؤثر إيجابياً على ديناميات العمل.
نحن حين نتكلّم عن الاعتذار فليس معنى ذلك أننا نحصره في إطار طريقة تعاملك مع صديق لك، بل هو الاعتذار الذي يدخل في نطاق كلّ العلاقات الإنسانية على اختلافها، وضمن إطار العلاقات الرسمية أياً كان منصبك لأنها ثقافة أصلية عليك أن تدرك ماهيتها، وهي عميقة كل العمق في نفوس الأقوياء أصحاب الأخلاق العالية.
اعتذر.. اعترف أنك ستحاول عدم القيام بالخطأ مرة أخرى، وبالضرر الذي تسببت به لأن الشخص يهتم حقاً باعتراف الطرف الآخر بخطئه وقيامه بإصلاح الضرر والتعبير بصراحة عن الأسف.
يعدُّ اعتذار الإنسان المذنب مع اعترافه بالخطأ في التعامل مع الآخرين، والذي يبعد الإنسان شعوره بالتكبر، وينفي في قلوب الآخرين شعور الحقد والكراهية، ويعتبر خلق الاعتذار عند الخطأ من التواضع، فالإنسان المتواضع بعيد كل البعد عن المكابرة في الدفاع عن نفسه، وهو يدرك جيداً أن الاعتراف بالذنب فضيلة وهو الأحب للقلب.
نحن بحاجة إلى إعادة قراءة أنفسنا من الداخل، وأن نعيد ترتيب فوضانا الداخلية، علينا إعادة النظر والتفكير في القيم أن نفهم معنى الأخلاق حقاً في الوقت الذي نكون فيه بحاجة إلى إعادة النظر في مجتمعاتنا، أن نؤمن، ونعتقد أن الاعتذار عن الخطأ ليس ضعفاً، هو قوة وثقافة في مجتمعات متحضرة، استطاعت أن تنهض بواقعها حتى وصلت إلى ما هي عليه.
نحن أمة أولى لها أن ترسّخ تلك الثقافة في واقعها أن تغرسها في نفوس النشء لأن ثقافة الاعتذار سمة حضارية تظهر القدرة على تحمّل المسؤولية واحترام الآخرين، وتعدُّ ركيزةً أساسيةً لبناء مجتمعات صحية ومنسجمة، وهي ضرورية للتنشئة الاجتماعية وللتطوّر الأخلاقي للفرد والمجتمع.