إقليم كوردستان ودبلوماسية التعاطي مع كافة الصراعات على صفيح شظايا حروب الغدر والخيانة
عزالدين ملا
التحرُّكات الدولية في منطقة الشرق الأوسط لها أبعاد متعددة، والصراع الدائر بين كافة الفرقاء يوحي بأن المنطقة على حافة التغيير، والقصف المتبادل بين إسرائيل وإيران ليست سوى سيناريوهات لتلك الأبعاد السياسية والمصالحية.
ويبدو ان زيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى واشنطن تعطي دلالات كثيرة منها سحب البساط من تحت أقدام أدوات إيران في العراق وتحقيق الأمن والاستقرار وخلق مناخات آمنة بين الحكومة العراقية وإقليم كوردستان لمواجهة الإرهاب بكل أنواعه واشكاله، كما وسبقتها زيارة رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني، وعقد عدة لقاءات مع مسؤولين كبار في المؤسسات الأمريكية السياسية والاقتصادية والتجارية والمالية وحتى العسكرية.
كما أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق ومن ثم زيارة إقليم كوردستان ولقاء الرئيس مسعود بارزاني والمسؤولين الكبار في إقليم كوردستان تخلق أبعاد جديدة في السياسة والمصالح والعلاقات الإقليمية والدولية.
1- كيف تحلل كل ما تمّ ذكره؟
2- برأيك، هل هذه التحركات تدخل في صالح استقرار شرق أوسط جديد؟ أم لا؟ كيف؟ ولماذا؟
3- لماذا كل هذه الزيارات في هذا التوقيت؟ وما دلالاتها السياسية والمصالحية؟
4- أين ترى موقع إقليم كوردستان في كل هذه التحركات؟
إقليم كوردستان والموقع السياسي والدبلوماسي
تحدّث عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، نافع عبدالله لصحيفة كوردستان، بالقول: «أحياناً يجب أن نستعين ونستفيد من تجارب التاريخ جاء في كتاب رقعة الشطرنج العظمى للكاتب الأمريكي بريجنسكي أن من يحكم أوروبا الشرقية يحكم الأوراسيا، ومن يحكم الأوراسيا أي قلب الأرض يحكم العالم، والشرق الأوسط يقع ضمن الأوراسيا لذلك نجد الصراع على من يسيطر على الشرق الأوسط لأهمية موقعه الجيوسياسي والاستراتيجي كونه يمتلك أكبر احتياطي الطاقة(النفط والغاز) على مستوى العالم والمرشح الأول لهذا الدور هي الولايات المتحدة الأمريكية؟
أصبحت الولايات المتحدة القطب الأوحد في الساحة الدولية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، عرفت الاستراتيجية الأمريكية عدداً من التحوُّلات في تحديد المخاطر والأهداف والوسائل والتحالفات، ولئن كان إحساسها لأكثر من عقد بغياب المنافسة، جعلها تتبنى استراتيجية القوة الناعمة أحياناً للسيطرة، وتارة استخدام القوة العسكرية أو الذكية؟
الفراغ السياسي والأمني الذي أحدثه الانكفاء الأمريكي عن الشرق الأوسط في فترة ما، شكل عامل جذب لروسيا والصين، اللتين وجدتا فيه فرصة سانحة، للعب دور رئيسي في عمليات التوازن المطلوبة للدخول في منافسة مع امريكا، وهو ما وجدت فيه دول من المنطقة مثل إيران وتركيا فرصة لتنويع سلة الشركاء، وعدم الاعتماد على اللاعب الأمريكي لوحده، واستخدمت إيران وكلاءها في المنطقة للتأثير والنفوذ وكان آخرها القصف المتبادل بين إيران واسرائيل. وأيضاً تركيا تحركت واعتمدت على موقعها الجيوسياسي لكي تحصل على جزء من الكعكة؟
العراق مارس كل الضغوط على اقليم كوردستان وخاصة عبر ما يسمى بالمحكمة الاتحادية، ولكن اللقاءات الأخيرة بين رئيس حكومة الإقليم والساسة الأمريكيين أحبطت كل محاولات وكلاء ايران في العراق وكوردستان.
بالنسبة لروسيا، وفر لها الدخول إلى سوريا في عام 2015، تأمين موقع استراتيجي في المتوسط، وهي بذلك تصبح لاعباً رئيسياً في معادلات المنطقة الأمنية والعسكرية. ولكن حربها ضد أوكرانيا منعتها من تحقيق استراتيجيتها ولو مؤقتا؟
في صراع اقتصادي هو صراع القرن بين القطبين الأمريكي والصيني، عبر إحراز كل طرف لنقاط قوة إضافية، تمكنه من إضعاف الخصم، ذهبت الولايات المتحدة إلى حصار الصين وتطويقها في محيطها الجيوسياسي، وإبرام تحالفات أمنية واقتصادية مع جيرانها، في الوقت الذي تستثمر فيه الصين بالتراجع الأمريكي والغربي في الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث هناك فرص واعدة في الساحتين، يمكن عبر هذه الفرص، إضعاف القطب الأمريكي على نحو استراتيجي، والمضي نحو حالة من ثنائية القطبية الجديدة، وهو ما يجعل الشرق الأوسط ساحة تنافس وصراع وحرب بين إمبراطورية أمريكية لا تريد التنازل عن موقعها، وإمبراطورية صاعدة، تريد تأكيد جدارتها العالمية. ومن كل ما ذكرنا من تنافس وصراع على المصالح نجد هذه التحرُّكات الدبلوماسية والسياسية للقادة الدوليين والإقليميين توحي أن المنطقة تتجه نحو التغيير سواء في الخرائط أو في المبادئ والمفاهيم، ومن ناحية أخرى أين نقف الكورد من كل هذا باعتقادي يجب أن ندعم البقاء الأمريكي والتحالف الدولي في المنطقة كون الشعب الكوردي وكوردستان برمتها مهددين من الدول الإقليمية».
يعتقد عبدالله: «إن كل هذه التحرُّكات هي صراع على النفوذ والمصالح، ولا تخدم الاستقرار في الشرق الأوسط، كون هناك قضايا لم تجد لها حلول وفق العهود والمواثيق الدولية مثل القضية الكوردية في عموم أجزاء كوردستان وحل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين والقضاء على الإرهاب وتحقيق النظام الديمقراطي وتطبيق القانون الدولي الإنساني بعبارة أخرى لن تستقر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط إلا باحترام إرادة شعوب المنطقة».
يتابع عبدالله: «كان زيارة رئيس الحكومة الاتحادية في العراق محمد شياع السوداني إلى واشنطن بمثابة استدعاء بسبب تدخُّلات المحكمة الاتحادية التابعة لإيران في شؤون إقليم كوردستان من قانون النفط ورواتب الموظفين....إلى انتخابات البرلمان الكوردستاني وإلغاء كوتا المكونات في كوردستان وأيضاً كان هناك ملفات أخرى منها أمنية وبقاء القوات الأمريكية في العراق لمكافحة الإرهاب.
أما بخصوص زيارة رئيس حكومة إقليم كوردستان إلى واشنطن واللقاءات مع الساسة الأمريكيين فق كان لها صدى واسع على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وأثمرت الزيارة عن نتائج كبيرة حول نفط الإقليم وأمور تتعلق بالتدخلات الإقليمية وبالانتخابات والعملية الديمقراطية.
والأهم كان زيارة الرئيس التركي إلى العراق ومن ثم إلى كوردستان واللقاء بالرئيس مسعود البارزاني وبغض النظر عن الملفات التي تم مناقشتها بين الطرفين، وسوف اختصر بجملة بأن الزيارة كانت اعترافاً من الرئيس التركي بإقليم كوردستان وبصواب قرار السروك بارزاني بإجراء الاستفتاء؟».
يشير عبدالله: «إلى أن الشرق الأوسط يتمتع بأهمية كبيرة على مستوى العالم وإقليم كوردستان جزء من الشرق الأوسط يتوسط الإقليم الدول تركيا وسوريا وإيران والعراق، وله تأثير مباشر على الملفات السياسية في الدول الأربع والملفات الاقتصادية والتجارية ايضاً، كما أظهر الإقليم وبحكمة وحنكة مهندس الديمقراطية والاعمار الرئيس مسعود البارزاني وتفوقه العسكري والأمني في محاربة الإرهاب أكثر من بعض الدول الإقليمية، لذلك أعتقد يتمتع إقليم كوردستان بموقع سياسي ودبلوماسي مهم جداً ضمن التحركات الجارية على كافة المستويات؟».
إقليم كوردستان ودبلوماسية التعاطي مع كافة الصراعات
تحدث المستشار الإعلامي لمكتب الرئيس مسعود بارزاني، كفاح محمود لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «المنطقة غارقة بدوامة عنف أنتجتها حربان ظالمتان، الأولى: غزو العراق للكويت، والثانية: احتلال امريكا للعراق، وما يحصل اليوم هو تداعيات هاتين الحربين التي حاولتا تغيير خارطة الشرق الأوسط دونما قراءة معمقة لطبيعة مجتمعاتها وتناقضاتها، فلا العراق استطاع ضمّ الكويت ولا الامريكان نجحوا في تغيير جذري للنظام، حيث أزالوا هيكل النظام دونما الانتباه الى الطبيعة السايكلوجية والاجتماعية للعراقيين الذين حالهم حال بقية شعوب المنطقة لا تتقبل نظاماً ديمقراطياً على شاكلة النموذج الاوروبي او الامريكي، ولذلك لا اتصور ان هذه التداعيات ستحدث تغييراً جذريًا في طبيعة المنطقة».
يتابع محمود: «من هنا لا أتصور أن هذا الصراع المحتدم اليوم سينتهي قريبا لأنه نوع من الصراعات الافقية العميقة ذات العلاقة بطبيعة المجتمعات وتحوّلها إلى نمط جديد.
الشرق الأوسط الجديد مصطلح فضفاض لم تظهر او تتبلور ملامحه رغم هذا الصراعات الحادة، وأرى ان الأمريكان وحلفاءهم الاوروبيين والمحليين قد اغفلوا مسألة في غاية الدقة والخطورة معا، ألا وهي الإشكالية الكوردية في الشرق الأوسط التي تعتبر أكثر تعقيداً من مسألة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وربما هي الأهم أيضاً لأنها ترتبط بقوتين كبيرتين في المنطقة، إيران وتركيا، ناهيك عن العراق وسوريا، ورغم أنصاف الحلول للإشكالية في كل من العراق وسوريا إلا انها كالجمر تحت الرماد، وما يجري الآن في كلا البلدين يؤكد ان القوى المضادة لحل الإشكاليتين فيهما تتغول وتقترب من الهيمنة على السلطة.
إزاء ذلك لا أرى في المستقبل المنظور أي استقرار نوعي في الشرق الأوسط الذي ما يزال كما هو منذ اتفاقية سايكس بيكو وحتى الآن».
يشير محمود: «إن جميعها تبحث عن أنصاف الحلول لكي لا تنفلت الأمور، وتخرج من أيديها خاصة، وإن تداعيات حرب أوكرانيا وما بعدها في غزة تركت ظلالا قاتمة في اقتصاديات معظم الدول ناهيك عن محاولة توسيع ساحة الصراع سواءً في أوروبا أو في الشرق الاوسط ومحاولة إيران توريط دول مجالها الحيوي (العراق واليمن ولبنان وسوريا) في حرب ثانوية ضمن حرب غزة ونجاح الأمريكان في كبح جماح الإيرانيين ووكلائها».
يؤكد محمود: «إن ما يميّز الإقليم في خضم هذه الصراعات هي دبلوماسية التعاطي مع كل هذه الصراعات رغم تعرُّضه إلى شظايا هذه الحروب بل والهجوم عليه من قبل الأتراك بحجة (حزب العمال) أو الإيرانيين ووكلائهم من الميليشيات بحجة القواعد الأمريكية ومقرات المعارضة الإيرانية، إلا أن القيادة الكوردستانية بشخص الرئيس مسعود بارزاني تفاعلت بحكمة وعقلانية، ولم تفسح أي مجال لتوسيع دائرة الصراع التي يطمحون إليها للانقضاض على تجربة الإقليم ومحاولة إرباكه وافشاله سواء من الداخل أو بالضغط الخارجي. لقد نجحت قيادة كوردستان بالحفاظ على كيان الإقليم السياسي والدستوري بالحوار والخيار السلمي».
إقليم كوردستان في التعامل مع الصراعات، قلب الحكمة وصانعها
تحدث الكاتب، ابراهيم اليوسف لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «مازلنا نتفاءل أن هناك تغييرات منتظرة ستتم في منطقة الشرق الأوسط- عامة- وفي مطلعها ما يخصُّ الكرد، على نحو خاص، رغم أننا نتفاجأ في كل مرة، بإدارة لاعبي الرقعة الكبار ظهورهم للوحة، فيما يخصُّ الكرد الذين ظل ملفهم عالقاً، منذ نشوء خرائط المنطقة، ولاسيما إن الدول التي تتقاسم خريطة كوردستان- على اختلاف أنظمتها المتعاقبة- لاتزال تتعامل مع الكرد من منطلق أن خريطتهم المبتلعة ضمن الخرائط المستحدثة التي لا جذور تاريخية لها، بهذا الشكل إنما هي مقدسة، ومطوبة بأسمائها، عبر صكوك سماوية، وما الكرد، في النهاية، إلا دخلاء على خريطتهم المقسمة، ولايزالون رغم مرور أكثر من قرن كامل مستعصين على سياسات الانصهار في القوميات الثلاث التي ألحقت خريطتهم بها، وفي هذا ما يسوغ للحكام الذين يتوالون على إدارة دفة الحكم في هذه الدول المصطنعة، على مختلف مشاربهم، إلا أن يترجموا- ميثاق الانصهار القومي- بحق الكرد، لتأخذ كل منها حصتها من هذا الرصيد البشري، بعد محاولات زرع ثقافات دخيلة، في إطار الإبادة العرقية، على نحو استراتيجي، بعيد المدى، وهو ما يتم أمام أعين العالم. أمام أعين صناع هذه الخرائط المزورة الذين هم شركاء، بل رأس الحربة، في هذه الجريمة التاريخية بحق الإنسانية، وما محاولة أحفاد هؤلاء لرفع الحيف عن الكرد إلا بمثابة اعتذار عن مخطط أسلافهم الذي لابد من العودة إلى استقراء دواعيه، وأسبابه، بتأن، عبر أبحاث ودراسات ومؤتمرات، لإعادة هذا الإنسان إلى موقعه التاريخي!؟».
يتابع اليوسف: «ليس لدي ما أجزم به على حسن نوايا كل شركاء التآمر على الكرد، والوكلاء الحصريين على هضم حقوقهم وابتلاع خريطتهم، بل إنني أحد هؤلاء الذين لا يتوقعون من أي شريك أو صانع مقتلة ضد الكرد التطوع في تقديم- خريطة كوردستانية- إليه، على طبق من ذهب، ولا حتى إجراء أي تغيير مفصلي، يخدم وجود ومستقبل شعبنا واستقلاله وحريته. قد يسأل سائل هنا: إذاً، لم كل هذه الصولات والجولات؟ وهو في الحقيقة سؤال مهم، لابدّ من أن يطرحه كل معني ومتابع لشأن المنطقة، إذ إنني أرى أن أي عنوان معلن ينطلق منه هؤلاء فهو- في الحقيقة- يكاد لا يرتبط بجوهر المخطط الذي يترجمه هؤلاء اللاعبون الصغار والكبار في آن، مع الاعتراف سلفاً، أن الفريق الأول منهما إنما هو في الواقع ليس إلا أكثر من بيادق في أيدي ثانيهما، إلا إن ما يجمع هؤلاء، وعلى ضوء كل ما قرأناه، وتابعناه، من حركات موشور الخط البياني العام، لا يخرج عن هندسة مصالح هؤلاء: الكبار منهم أولاً، والصغار منهم ثانياً، من دون الاهتمام، ضمن هذه المعادلة مستحيلة الديمومة بمصالح الضحايا: الكرد والمستضعفين ممن ألحقوا بهذه الخرائط المزورة، وحتى من يتفاخر بانتمائه لقوميات الدول الحاكمة!؟».
يشير اليوسف: «أنه من يستقرئ واقع المنطقة والعالم، بإمعان فإنه وجد أن ثمّة حالةٌ غليان، يكاد لا يظل أحد إلا وهو متضرّر منها، بمن فيه الأطراف التي تتوهم انتصارها في هذه الجهة أو تلك، فمن يصنع الطغاة الصغار، ويولهم الإمساك بمقاليد وزمام الأمور في هذا الموقع الصغير أو الضئيل في الخريطة لابد من أن يحقق التوازن بين أطراف المعادلة الصعبة: إرضاء الداخل والخارج، بل إن أي إرضاء لأي طرف من الطرفين يؤدي إلى فشله، ما يدفع بصانعيه إلى التخلص منه، ضمن دورة تكاد تكون لامتناهية، في ظل سيران هذه السياسات المشوهة في المنطقة كلها: هادئة المياه السطحية منها كما يبدو أم هادرة الأمواج. الباردة والمتجمدة منها أو المغلية، إذ لا أحد إلا وهو تحت نطاق عين المراقبة والرصد والريبة، المطواعة منها أو المتذبذبة أو المتمردة في آن. لا ضير، دعونا نفتح نافذة التفاؤل- كرة أخرى- لعل استفحال الواقع، هنا وهناك قد أوصل مهندسي الفوضى العالمية، في نسختها، أو نسختهم، ما بعد الحداثية إلى الإقرار بأن لعبتهم ما عاد في إمكانها الديمومة، وأن الشعوب المغلوبة التي تزجُّ بها أتوناً في جحيم هذه المخططات الوحشية لابد وستكتب تاريخها، وأن هذه الأولويات التي باتت تفرض ثقافتها على العالم لا مستقبل لها، إذ إن سليل راسم الخرائط التاريخي في المنطقة، لابد من أن يخرج عن سنن أبيه وجده، حتى تستقر المنطقة، ولا سبيل لهذا إلا بعد تأمين حقوق الشعوب المضطهدة، محتلة الأوطان، وأولها: الشعب الكردي، بطل تراجيديا التاريخ، بلا شك!».
يضيف اليوسف: «لقد كتبتُ مراراً، في أكثر من مقال منشور لي، مشيراً إلى ما أسميه ب- الحكمة الكردية- وإذا كانت هناك حكمة كردية حقاً، فإن إقليم كوردستان يقع في قلب هذه الحكمة وهو صانعها، بما يفيد هذا الجزء الكوردستاني، بالإضافة إلى ما يهم واقع الأجزاء الأخرى، رغم كل التحديات التي تواجهه، سواء الكوردستانية منها، أو تلك المتعلقة بمعادلات المنطقة و - أو الدول العظمى المتحكمة، إذ إن إقليم كوردستان قد أكد بحق أنه العمود الفقري في القضية الكوردستانية، مع تأكيد خصوصية كلِّ جزءٍ، وعدم تدخُّله في شؤون الآخر، والإبقاء على روابط التعاون والاحترام ووعي المصير المشترك غير التسلطي من قبل أي طرف بحق الأطراف الأخرى. مؤكد، أن هذه السياسة الحكيمة من لدن الإقليم تلقى المزيد من التدليس عليها، من قبل جهات تنفذ أجندات العدو، وما من عاقل متابع لما يجري منذ ما يقارب ثلاثة عقود ونصف- في أقل من تأطير مقايسي زماني- فإنه يدرك شراسة هذا العدو الداخلي الذي حذر منه صناع الوعي الكوردي، في كل مرحلة من مراحل استشعارهم أو تلمسهم لعمق الخطر الداهم. خطر الزوال الأبدي، بعد كل ما فقدناه تاريخياً: جغرافيا وبشرياً؟!!».
إقليم كوردستان، ومنهجية الوعي في التعاطي المصيري والاستراتيجي
تحدث الكاتب والسياسي، وليد حاج عبدالقادر لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «في البداية لكم كل الشكر والتقدير لتناولكم هذا الملف الحيوي والذي يعد في هذه المرحلة والاصح يحمل بين طياته جل مخاضات وتراكمات الأزمات البينية دولياً وعناوين الصراعات المستدامة حتى وقتنا الحالي، هذه الإفرازات التي لم تستطع حلها حربين عالميتين، بل بالعكس تطورت الى مخاضات وقد نتجرأ أن نسميها بإفرازات الحرب الاولى وممهدات اتفاقية سيفر وإن وثقت وتم تبصيمها بمباركة الرئيس الامريكي ويلسون ووفق مبادئه في لوزان التي تجاوزنا مئويته الأولى قبل شهور، والمشترطة بان تليها وكأمر شبه جازم ومباشرة إعادة نظر جديدة ولكن! وفي العودة إلى الوقائع وافرازات مصائب التوزيعات الجغرافية بخرائطها المشحونة والمتراكمة باطنياً بأزمات داخل كل أزمة وهي التي افشت بأسرارها وفجرت كوامنها بالتتابع كون الحلول المزعومة التي فرضت كنتاج مزعوم لحربين عالميتين لم تحل أية أزمة دولانية، فالقرم بقيت بصواعقها وها هي حرب اوكرانيا وروسيا شاهدة ومعها سلسلة الأزمات البنيوية منها او الصراعات الدولية، وقد صدق الأولون رغم بساطتهم بأن كل خريطة محدثة حملت بأكثر من صاعق بنيوي قابل للتفجير في وقتها المناسب، نعم ان قواعد اللعبة كانت قد اخذت تتغير، ولكن بعد ان فعلت كوامن وصواعق تتفجر ولكن لتتحوط بنيوياً خاصة بعد ظهور المجموعات الدينية وتوجهها السياسي ومن ثم الاستيلاء على السلطة في أكثر من دولة، ولعل التحول الإيراني او ما تمت تسميته بالثورة الخمينية ضد الشاه واسقاطه ومن ثم هيمنة الحوذة الدينية واستيلائها على النظام، وبالتالي فتوى الخميني بتصديرها، ونجح بالفعل في ايجاد بقع او اماكن ارتكاز هدفها الرئيس نشر مذهبه الشيعي كإطار مموه، وان كانت الغاية الرئيس أكثر من واضحة، هذا في الجانب الشيعي وإن لم يكن السنة بأفضل حال كما وهيمنة الترك مشهد الريادة في هذا الجانب والذي ركبه اردوغان كطموح رئيس لعودة العثمنة التي ركبها كتلاق حميمي لتفعيل دور الترك وإشباع طموحه الشخصي من جهة وإبراز دوره وإمكانية إعادة المنطقة الى ذات الصراع المذهبي السني والشيعي، إلا ان هذا المشهد ووفق كل المعطيات وبالتقاطع مع بؤر الصراعات المنتشرة كبقع وإن لامست مناطق متأزمة وبعنف بنيوياً أججتها وبشكل خاص أطماع الخمينية وتنفيذاً لفتواه المشهور، يظهر بوضوح بأنها تخلق فتناً، ولكنها يستحيل أن تخرج من عنق الزجاجة، ووسط هذا الصراع المتفجر عملياً، وإن بدا في بعض من مشاهده خامداً، نعم وباختصار: المئوية انتهت والعمل جار وكبار الخبراء والاستراتيجيين نشطون والخرائط الجغرافية المحدثة والتي تزداد احتقاناً كلها موضوعة على بساط البحث، وبالأخص فيها أوطان وشعوب تم استهدافها وتقسيمها، وبتصوري أن شعوبا مثل الكورد والبلوش يستحيل أن يتم تعويمها في ذات الدوامة كونهم في الأساس البنية الفاعلة في أية متغيرات خرائطية من جهة، وكذلك عامل لتعزيز وترسيخ المفاهيم الوطنية كنتاج قومي لا مذهبي ديني، هذه الخاصية التي أخذت تتمظهر وتطفو على السطح كنوع من المبادئ العامة، وبناءً عليه يلاحظ وبوضوح تام العديد من المؤتمرات واللقاء وزيارات على مستوى عال تستهدف وكل حسب مصالحه والسعي لتثبيت مطامحه».
يتابع حاج عبدالقادر: «نعم، أن كوردستان تعدُّ عين العاصفة في خارطة التأزم وتوتراتها لأنها تتماس جغرافياً وقضيتها موزعة بين أربع دول ألحقت بها والدول الأربع منخرطة وبعمق لا بل مستهدفة في الصميم لإعادتها إلى هيكلتها الحقيقية، والتي اوجدت صراعات دموية ومسببات لتغلغل الأفكار الإرهابية واستهدافات عسكرية، ولعل الحراك الدبلوماسي سواء منه الكوردستاني وزيارات كما لقاءات السيد مسرور البارزاني وفاعليته المميزة سواء في زياراته الرسمية، كما ومساهماته وحضوره لغالبية اللقاءات والمنتديات، كما المؤتمرات التي تعقد وفي ارقى المراكز والمعاهد العالمية، والتي فيها تتم اقتراح لا بل بناء اسس الغالبية القصوى من المقترحات التي ترسل الى الخبراء الإستراتيجيين».
يضيف حاج عبدالقادر: «نعم، باختصار فقد ادرك حتى اعتى الدولتين الغاصبتين لجزأين هامين من كوردستان بانه قد آن الأوان لفرط لا بل هدم طوق (فكي الكماشة) التي توافق عليها كل من تركيا وحكومة عفلق البعثية في دمشق وعبدالسلام عارف والشاه والتي تم تجييشها عسكرياً أواسط الستينيات حينما تم استهداف الثورة الكوردستانية بقيادة القائد الخالد مصطفى البارزاني، وبالتالي المآلات التي فعلت لا بل اسست ركائز النضال القومي الكوردستاني. وباختصار وببساطة شديدة: القضية الكوردستانية اثبت حضورها من جهة كما وأهميتها كبقعة رئيسة في الركائز المستوجبة لحلها وكركن رئيس لترسيخ السلم العالمي من جهة اخرى. كما وبنية متوقعة لتأجيج صراعات حقيقية تتجاوز اصلا لا بل ستغير حتى قواعد اللعبة خاصة بعد الاستنزاف غير المبرمج للثروات الباطنية والتغييرات المناخية ومعها زيادة البشر وبروز الدور الإستراتيجي للمياه وزيادة عدد القضايا الخلافية».
يؤكد حاج عبدالقادر: «ان الوضع الكوردستاني رغم احتلالها الهرم في قمة جبل البركان لا بل وفي وسط فوهتها إلا ان الظروف الدولية والمزاج السياسي العالمي امام إخفاقات الدول التي نشأت على انقاض الإمبراطوريتين واللتين فشلتا حتى في المسار القومي – الوطني، والتجأ الى ذات النزاع المذهبي ومخاضات معارك مرج دابق وجالديران، والتي اثبت وعلى مدار القرون بأن الوضع لن يستقر في أغلب مناطق العالم إن لم تتوافق الإرادة العالمية وبحزم على الحد من قضايا ثلاث: وقف لا بل الحد من مطامع روسيا الازلية في القرم والوصول بسلاسة الى المياه الدافئة وفكفكة أو وأد النزعة الاحتلالية والتي توارثها الترك والفرس تاريخيا في المنطقة بوسائل متعددة كان المكر والخديعة - ولم تزل - هي من اهم الركائز المتبعة».
يختم حاج عبدالقادر: «إن المآلات حالياً هي غيرها والمنهجية الكوردستانية في التعاطي المصيري واستراتيجيتها تمشي، وتدار بوعي مهني وحنكة دبلوماسية وبحضور مميز لقادة يبنى عليها مستقبلا وبكلمة أخيرة: اتوقع ولن استغرب ان تعاد ملفات سيفر وفي وقت - قد لا يشهدها جيلنا - ولكنها وكمقدمات تؤسس لذلك وهذا ما دفع اعتى دولتين تناهضان أي طموح كوردستاني الى سرعة التحرك الدولي، وفي البدء منها كانت زيارة أردوغان الى كوردستان ولقاء قادتها ممن يقودون المعركة الدبلوماسية الحقيقية، وبالتالي زيارة السيد نيجيرفان البارزاني الى ايران. وباختصار: المشهد العالمي يتجه لوضع اليد على الجروح المستدامة وحلها هذه من جهة، هذا الامر الذي جاء في أروع مرحلة تاريخية لكوردستان وذلك في وجود قيادة كوردستانية حكيمة، والاهم متشبثون بالحق الكوردستاني، ومفاوضون يدركون الإستراتيجية الأساس. كما ومنهجية التعاطي لا الكوردستاني بقدر اجتياز مرحلة الفوضى الخلاقة لا في إطار ذات الجغرافية الكوردستانية فقط بل وبآفاق وعي منفتحة على كل العالم وفي كامل إحاطاتها. وسأختزل بجملة: الملف الكوردستاني بأيد أمينة وهذه ليست ولاءً فئوياً كوردستانياً بقدر ما هو نتاج عملي وعنوان فرض نفسه عمليا والدليل هو من يقود العمليات الدبلوماسية».
إقليم كوردستان إحدى بوابات الحل في الصراعات القائمة
تحدث عضو هيئة السكرتارية لاتحاد الطلبة والشباب الديمقراطي الكوردستاني- روج آفا، جوان علي لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «يشهد العالم برمته ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص أزمات متفاقمة نتيجة استمرار الحرب الروسية والأوكرانية والحرب في غزة.
وشهدت المنطقة أيضاً في الآونة الأخيرة زيارات وتحرُّكات مهمة لكبار مسؤولي المنطقة كزيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى العاصمة الأميركية واشنطن، وسبقت هذه الزيارة، زيارة رئيس حكومة إقليم كوردستان السيد مسرور بارزاني ولقائه بكبار المسؤولين الأميركيين. وكما قام رئيس الجمهورية التركية السيد رجب طيب أردوغان، وفي حقيبته العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، بزيارة كل من العراق وإقليم كوردستان العراق. يبدو أن هذه الزيارات والتحركات الإقليمية والدولية تهدف بالدرجة الأولى إلى وضع استراتيجية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط. والتي تتجه نحو الاستقرار والأمان والازدهار الاقتصادي. بحسب مراقبين، المنطقة لن تكون كما هو عليه الحال الآن بعد الانتهاء من حرب غزة، وذلك بالنظر إلى عدة عوامل وأمور مترابطة بعضها ببعض، والتي هي كالتالي: بداية، يلاحظ ومنذ بدء الحرب في غزة، أن الدول الغربية وإسرائيل ومعهم دول عربية مهمة في منطقة الشرق الأوسط يعملون في اتجاهين متوازيين. الأول يذهب باتجاه إنهاء حركة حماس والفصائل الفلسطينية المناهضة لوجود الدولة الإسرائيلية وتسليم السلطة بالتالي للحكومة مدنية تكنوقراط. والاتجاه الثاني الموازي هو تفعيل حل الدولتين واحياء مسار الحل السياسي للقضية الفلسطينية. وهذه يعني أن المنطقة برمتها على أبواب مرحلة تاريخية مهمة، وحل قضية مهمة وتاريخية في منطقة الشرق الأوسط والتي هي القضية الفلسطينية. الذي يعني ما يعنيه إنهاء الحروب والأزمات والتطبيع والعلاقات المختلفة الدبلوماسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية بين إسرائيل وكافة دول المنطقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية».
يضيف علي: «ان الأمر الآخر الذي يدفعنا للقول بهذا الاتجاه هو ما فهم على وجه الخصوص من زيارة رئيس تركيا إلى العراق واقليم كوردستان العراق. حيث كان الرئيس التركي يحمل في حقيبته ٢٧ اتفاقية ومذكرة تفاهم للتوقيع عليها مع الجانب العراقي. وأهم هذه الاتفاقيات هي اتفاقية مشروع طريق التنمية ومحاربة الإرهاب وإنهاء وجود العمال الكردستاني في المنطقة. وفهم من تصريحات الرئيس التركي ما قبل زيارته أن المنطقة يجب أن تتحضر لما بعد الحرب في غزة. اضافة إلى أن مشروع طريق التنمية هو ممر اقتصادي استراتيجي يربط دول الخليج بأوروبا مروراً بالعراق وإقليم كوردستان وتركيا. وهو على ما يبدو يرتبط بطريق التوابل الهندي والذي يربط الهند بأوروبا مروراً بمنطقة الشرق الأوسط، والمنافس لطريق الحرير الصيني».
يتابع علي: «ان هذه المشاريع والممرات الاقتصادية الكبيرة تحتاج بادئ ذي بدء إلى الاستقرار والأمن. الأمر الذي يدعو بداية إلى إنهاء كافة الملفات والقضايا التي تقف عائقا أمام تحققها. ومن أهم هذه القضايا التاريخية والتي بسببها لم تستقر منطقة الشرق الأوسط يوما هي القضية الفلسطينية والقضية الكوردية.
لذلك القضية الكوردية مثلها مثل القضية الفلسطينية تدخل أيضا مرحلة مهمة في كافة دول المنطقة التي تتبارك هذه القضية. فالزيارة التاريخية لرئيس تركيا لإقليم كوردستان العراق والجلوس تحت صورة رمز القومية الكوردية الراحل الكبير الملا مصطفى بارزاني وبجانب العلم الكوردي، إنما يدل أن القادة الترك والسياسة التركية تتجه إلى القبول بالكورد كشركاء أصليين في المنطقة، ولا يمكن بأي شكل التغاضي عنهم أو اقصاؤهم في اي مشروع استراتيجي للمنطقة برمتها. ولكن يبقى ملف محاربة الإرهاب والعمال الكردستاني المشكلة الرئيسية أمام استقرار المنطقة ومشاريعها التنموية والاستراتيجية. حيث أن من الاتفاقيات المهمة والرئيسية التي كان يحملها معه الرئيس التركي وللتوقيع عليه مع الجانب العراقي والذي هز الاتفاق الأمني وإنهاء وجود ب ك ك في المنطقة، لم يجر التوقيع على هذه الاتفاقية بشكلها النهائي. والسبب يكمن في نفوذ إيران القوي في العراق ومعارضتها إنهاء وجود ب ك ك في المنطقة، وهنا تبرز مشكلة إيران وأذرعها في المنطقة بالكامل ووقوفهم أمام استقرار المنطقة وإزدهارها».
يشير علي: «إلى أن الموقف الإيراني وأذرعها في المنطقة كحزب الله في لبنان وحركة أنصار الله في اليمن وفصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران ضعيف جدا مقارنة مع ما يحصل في غزة ضد حماس، والضربات الإسرائيلية المتكررة على المواقع الإيرانية في المنطقة، وخاصة القصف الاسرائيلي لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق وقتل كبار قادة الحرس الثوري الإيراني. حيث يفهم أن إسرائيل تريد أكثر من اي وقت مضى جر إيران إلى حرب مفتوحة مباشرة، ولكن إيران نفسها لا تريد مثل هذه الحرب لأنه يعني ذلك بالنسبة لها إنهاء النظام الحاكم في إيران ولو على المدى البعيد، وخاصة الداخل الإيراني يعاني من تأزم الوضع الاقتصادي والمعيشي ويشهد احتياجات شعبية متكررة. من جهتها أمريكا أيضا لا تريد حربا بين إسرائيل وإيران وتضغط بشكل دائم على الحكومة الإسرائيلية بعدم اتخاذ مثل هذا القرار لأنه بالنهاية يعني دخول أمريكا والغرب في حرب مع إيران في الوقت الذي تعمل أمريكا على استقرار منطقة الشرق الأوسط والتفرغ لمتابعة التنين الصيني والصراع في منطقة المحيط الهادي. يضاف إلى ذلك أن الغرب الأوروبي وأمريكا يراهنون على عودة إيران إلى المجتمع الدولي، وأن تصبح جزءاً من الحل الشرق الأوسطي والاستقرار في المنطقة. وهذا ما يتأكد من أن تركيا تحاول الحصول على موافقة إيران وأن تصبح طرفاً رئيسيًا كالعراق ودول الخليج وتركيا في مشروع طريق التنمية، والذي هو بالأساس مشروع اوروبي، الغاية الرئيسية منه حصول أوروبا على الغاز والبترول من دول منطقة الشرق الأوسط بما فيهم إيران والتحرر من التبعية لروسيا بوتين بهذا الخصوص».