طفولةٌ تتبرّأُ من المدائح

طفولةٌ تتبرّأُ من المدائح

روشن علي جان

بحرٌ كالفُجاءةِ يسبي الغروبَ
ولا يهابُ زحمةَ الأنفاسَ
ومراكبُ استعصى عليها البكاءُ
تركنُ تحتَ قنطرةِ الدّمعِ
ثمّةَ أجنحةٌ تغادرُ مبتغاها
وسرابٌ يطالعُ نضوبَ القدرِ
مناسكُ الاحتضارِ محاريثٌ تسرقُ الفرحَ
والطحالبُ قصائدُ مالحةٌ مرعوبةٌ من الموتِ
فجيعةٌ ترثي الزنابقَ بقسوةِ الزّبدِ
وكاهنُ الزرقةِ يدوّنُ سيرةَ الشجنِ
ياللنبرةِ ..!!
حينَ الغامضُ الأعمى
يبطشُ بنداءِ العناقيدِ
تفيّأْ ملحكَ أيها البحرُ
حتى تجحظَ عيناك َ
ويتغضّنَ جلدكَ كلّما لاحَ في الأفقِ سرابٌ
اركنْ في بسالةِ العبثِ
لتتبرأَ الطفولةُ من مدائحِ الخَسْفِ
ولتنحسرَ المواقيتُ عن شجرٍ يحبُّ الحياة
أفرغْ في خافقِ الماءِ غيّكَ
وتعالَ مزهوّاً بقطافٍ من صغارِ الأرضِ
بضربٍ من التأويلِ
بعزفٍ بريءٍ لكمنجاتٍ مُدانةٍ بدمِ النوارسِ
حسبكَ الأساريرُ المختومةُ بغَيابةِ اليمِّ
بهسهساتِ أعمارٍ متلألئةٍ بخذلانها
بحشرجةٍ لا تملُّ الغناءَ تحتَ شمسِ الهاجرة
اكبح شهوةَ موجكَ الآثمِ
فهذا الأزرقُ لُجّةٌ تحتكرُ الوجعَ
هنا منتصفُ الحكاية
هنا نبضٌ يتعثّرُ في الخطوِ
وشاطئ يديرُ ظهرهُ لدماثةِ الرّيحِ
هنا خيالاتُ أمّهاتٍ يُرتّبْنَ الجنازات
وبالأقمارِ المسفوحةِ
يغسِلنَ حزنَ الجهاتِ الغريبة
أيّها البحرُ
اكبحْ شهوةَ عطشكَ
ريثما تصلحُ الضفافُ من هيئةِ الغرقى
ثمّةَ أنينٌ معطوبٌ
وليلٌ يتبدّى طارحاً غلالَه
ثمّةَ قناديلٌ في انعطافةِ البريقِ
وفراديسٌ لاهيةٌ عن آمالها
ثمّةَ زحامٌ لهديلٍ يراوغُ هرطقةَ الشّباكِ
وجرحٌ لا تدركهُ البصيرةُ
يستلُّ من العيونِ ذاكرةَ الملحِ
يا ابنَ الماءِ الأغرِّ
رفقاً باليفاعةِ تتأمّلُ طيفها في المرايا
رفقاً بسوسنةٍ تخبّئ أسرارها في دفاترِ الغيمِ
رفقاً بخوفِ المحبّينَ يخلّدونَ في الوصفِ
وِحشةَ العمرِ الّلا يُردّ
رفقاً بجلبةِ المنفييّنَ اللابثينَ
في الحرائقِ والأمنيات
بالعابرينَ إلى رفرفةِ الصباحِ
يلوّنونَ الغسقَ بفاتحةِ الأرجوان
أيّها البحر
أولادكَ النّائمونَ في ماءِ الأبد