دور الإعلام الحزبي في التثقيف الذاتي

دور الإعلام الحزبي في التثقيف الذاتي


قبل البدء والخوض في موضوعة الإعلام الحزبي في كوردستان سوريا ينبغي القول إن الإعلام الحكومي والتابع للنظام هو الذي سيطر على الساحة الإعلامية في سوريا لعقود طويلة حيث احتكرت الدولة كافة وسائل الإعلام المقروء والمرئي والمسموع. شكل هذا الاحتكار أولى أساسات ضرب مهنة الصحافة في سوريا والتي مرت بمراحل عديدة خلال سنوات الاحتكار لكنها صارت صوتا واحداً وشكلا واحدا رغم اختلاف التسميات، وكانت أجهزة المخابرات تتدخل حتى في مانشيتات الصحف، وتختار صور رئيس النظام الذي كانت تغطى كل نشاطاته ولقاءاته بحيث يكون موجودا صبيحة كل يوم وفي صدر الصفحات الأولى لإعلام النظام.
لم يكن هذا فحسب، بل عمدت المنظومة الأمنية إلى زج كل صحفي يفكر أن يغرد خارج " قطيع النظام" في غياهب المعتقلات أو النفي أو التصفية الجسدية.
وكما أن حال الصحفيين السوريين والإعلام السوري بشكل عام لم تكن في أحسنها، كذا كان حال الإعلام في البيئة الكردية حزبياً.
تعود بدايات الصحافة الكردية إلى 22 أبريل 1898، مع صدور أول صحيفة كردية باسم «كوردستان» في القاهرة، على يد الصحافي مقداد مدحت بدرخان، المتحدّر من الأسرة البدرخانية الشهيرة في المناطق الكردية من تركيا.
عرف الكرد في كوردستان سوريا الصحافة الحزبية منذ تشكيل الأحزاب الكردية بُعيد العام 1957 حيث شهد ميلاد أول حزب كردي، لكن الصحافة الحزبية لم ترتق إلى مستوى متقدم بسبب الظروف الأمنية التي أحاطت بسوريا بشكل عام، وبالكرد والقضية الكردية التي حوربت بشدة من قبل سلطة البعث التي رأت في تشكل الأحزاب الكردية ومنذ التأسيس ضربة للمشروع القومي " العربي" ووهناً لنفسية الأمة.
باعتبار أن كل ما يمت للكرد كان ممنوعاً، فقد مرت الصحافة الكردية الحزبية بمنعطفات صعبة وقاسية رغم معرفة الكرد والقيادات الحزبية الكردية والجماهير الكردية بأن الصحافة ": تمثل أداة مهمة من أدوات المعرفة والثقافة لأي امة او شعب في العالم، حيث تعتبر المرآة التي تعكس الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية بشكل عام لتلك الأمة أو ذلك الشعب الذي نستطيع وبكل بساطة التعرف على ثقافته وموقعه بين أمم وشعوب العالم من خلال مؤشرات عديدة تقع الصحافة في مقدمتها"
بسبب ضعف الإمكانيات، وقلة أو ندرة الكوادر الإعلامية المتخصصة، وضغط الحكومات المتعاقبة على سدة السلطة في سوريا كما أشرنا سابقا، فقد اتسمت الصحافة الحزبية لمختلف الأحزاب الكردية بالضعف وقلة الجدوى والتأثير، والطباعة الرديئة، وقلة الأعداد المطبوعة، ولا بد من ذكر أن ما أشيع، وانتشر وقتذاك كان الصحيفة الورقية التي كانت تطبع بأدوات بدائية، وأنشط هذه الصحف كانت تصدر مرة واحدة كل شهر أو شهرين، لهذا من الممكن أن يكون وصف كلمة " صحيفة" على مطبوعة شهرية أو فصلية نوعا من الإجحاف بحق المصطلح.
فما كان يصدر عن هذه الأحزاب يستحسن أن يطلق عليها مناشير حزبية لا صحفاً بمعنى " الصحافة" ومن الجدير الإشارة إلى أن الصحافة في باقي أجزاء كوردستان كانت في وضع أفضل نسبيا من كوردستان سوريا بسبب توفر عوامل مادية أو كوادر إعلامية متطورة ومتدرّبة، كما أن وضع الإعلام في كوردستان العراق كان متطوراً، في ظل وجود الاهتمام بالراديو كاكتشاف حديث وقتذاك، وكان الراديو ومعداته تنتقل عبر الجبال لنقل أخبار الثورة الكوردستانية إلى العالم، وكان الزعيم الخالد مصطفى البارزاني يكنُّ مودة كبيرة للصحفيين كرداً وغيرهم.
دور الصحافة الحزبية في إيقاظ الوعي
تلمسنا مواطن الضعف في الصحافة الحزبية والعوامل التي ساعدت في تراجعها، لكن باعتبار أن وسائل الإعلام الأخرى لم تكن متوفرة، فكانت الصحيفة أو المنشور الحزبي على تواضعه مصدرا لبعض الثقافة لدى جماهير الأحزاب الكردية، ورغم انتشار الأمية وقتذاك بحكم المجتمع الكردي الريفي في معظمه وعدم إتقان قطاعات واسعة من المجتمع الكردي للعربية والكردية التي منعت بمنتهى القسوة، لكن كان لهذه المناشير دور مقبول في تعريف الحزبيين بأهداف حزبهم، وببرنامج الحزب ونظامه الداخلي، وكان يجمع الكادر الحزبي أهالي القرية أو الحزبيين في غرفة، ويقرا عليهم المنشور وما فيه من أخبار ومعلومات ومقالات ومواقف الحزب عبر افتتاحيات المنشور، ويتولى ترجمة ما يقرأ للقرويين الأميين.
لكن وبسبب عدم استيعاب بعض هيئات التحرير لمبدأ الرأي والرأي الآخر فقد كانت تنشر المساهمات لبعض أعضاء القيادة أو للرفاق الحزبيين، ولم تكن تقبل نشر مقالات وكتابات وإبداعات متخالفة قليلا مع خطها التحريري، وعدم دعوة الكتاب المحترفين للكتابة فيها، وعدم فتح ملفات ساخنة ما بدا بجلاء ضعفها وسطحيتها في التعاطي مع القضايا السياسية الساخنة والثقافية
والاقتصار على أسماء معينة اقصد كتابات لأشخاص معينين لأن الضغط الأمني وقف حائلاً ومانعا أمام بعض الكتاب لنشر مساهماتهم بأسمائهم الصريحة في الصحافة الحزبية، وهذا ما جعل التأثير على القراء ضعيفاً فيما لو كانت هناك صناعة صحفية احترافية بامتياز.
ظلت الصحافة الكردية على هذا المنوال من حالة اللاصحافة اصطلاحاً إلى ما بعد الثورة السورية ربيع 2011 وكان من المفترض أن تحدث نقلات نوعية في هذا العالم لكن ذلك لم يتم ما عدا طفرات قليلة وطفيفة، مع الإشارة أن الإعلام الالكتروني والراديوهات وبعض الصحف والمجلات الخاصة قد انتشرت في كوردستان سوريا، لكن العديد منها تعرض للإغلاق بسبب وقف التمويل (الخارجي) وضعف الإمكانيات.
يُجدرُ القولُ هنا إلى ان حزبنا الديمقراطي الكوردستاني- سوريا هو الحزب الوحيد على ساحة كوردستان سوريا يصدر صحيفته " كوردستان" كل خمسة عشر يوماً، وهي صحفية سياسية ثقافية اجتماعية منوعة، وتكتب فيها أقلام صحفية احترافية، وتميل للانفتاح على الرأي الآخر بمهنية، وتصدر بأسلوب إخراجي بديع، وطباعة أنيقة، ومن الضرورة أن يكون للصحيفة الورقية موقع الكتروني خاص بها كي يتسنى للقراء في أي مكان متابعتها كون تعذر وصول النسخة الورقية إلى متناول كل من يرغب الاطلاع على موادها.
كما أن موقع الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا ينشط في مواكبة أخبار الحزب والوطن بشكل يومي، مع انه أيضاً يحتاج لكوادر إضافية لرصد كل جديد وكل خبر بلحظته والتخطيط لزيادة عدد الزوار كل يوم.
وتبقى حال الإعلام الحزبي ضعيفا دون المستوى المطلوب كثيرا إذا لم تبادر مؤسسات متخصصة مهنية بتدريب طواقم الإعلاميين الحزبيين، وفسح المجال أمام الطاقات الشابة الخلاقة لتبدع، وتكتب حتى لو لم تكن منضوية في الأحزاب كأعضاء.
إن صدور الجرائد كل أسبوعين أو شهريا لا تفي البتة بالحاجة المطلوبة من نقل وتحليل الخبر وإعطاء المواقف الرسمية بسبب تسارع وتيرة الأحداث وتطور المعلوماتية ووسائل الاتصال لذلك فان اكتفاء الأحزاب الكردية بجريدة نصف شهرية آو شهرية لا تفي بمتطلبات المرحلة واحتياجات الناس والرفاق بالمعلومة والخبر والموقف وهذا يستدعي الحاجة إلى صحف يومية أو أسبوعية لنستطيع مواكبة الحدث والتفاعل معه وهذا يتطلب كفاءات ومؤهلات وكوادر متخصصة ومتفرغة ووارد مالي كاف لقيام الكوادر بواجبهم المهني والإعلامي والقدرة على مواكبة الأحداث بوقتها حتى تصح التسمية والحديث عن إعلام حزبي كردي مرموق وبمواصفات إعلام حزبي مهني.

من كراس تثقيف الكوادر الحزبية