في سوريا... سياسات الضغط المغايرة وتوسيع نطاق النزاع والمقايضة
عزالدين ملا
ما يظهر على الساحة الدولية أن نطاق النزاعات يتوسع، ويتفاقم، وبدأت الدول الكبرى تتبع أساليب الضغط والمقايضة مغايرة لِما كانت قبل الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أمعنت أمريكا وروسيا على خلق أزمات وفوضى في مناطق أخرى لفرض إملاءاتهما على بعضهما البعض.
ما حصل في النيجر لا يخرج من سياسات هذه الدول، وخاصة حصل ذلك بعد مؤتمر الروسي الأفريقي، وما يهمنا الوضع في سوريا، والذي يسير نحو المزيد من التصعيد وخاصة في مناطق دير الزور والرقة، حيث التّحشُّدات العسكرية الكبيرة من كافة الأطراف يبعث على الخوف والريبة، وقد تتحول سوريا إلى ساحة حرب إقليمية ودولية كبرى.
1- ما تحليلك لكلّ ما يجري على الساحة الدولية من جهة والساحة السورية من جهة أخرى؟
2- هل يمكن الجزم أن كل ما يجري في سوريا بداية نهاية الأزمة السورية؟ كيف؟ ولماذا؟
3- أين يتواجد كلٌ من النظام السوري وكذلك المعارضة فيما يجري على الساحة السورية؟
4- كيف يمكن للأطراف السورية تحييد أنفسها من كل هذه النزاعات؟ وما المطلوب؟
الازمة السورية معقدة ومتشابكة وهي نتاج تفاعلات جيوسياسية معقدة
تحدث سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا ( البارتي )، أحمد السينو لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «ان تزايد الصراعات وانفجارها في الكثير من بقع العالم يعكس حجم التناقض وعدم التفاهم الذي وصلت إليه العلاقات بين الدول الكبرى، وتضاؤل مساحة التفاهم وتغيير خارطة النفوذ والمصالح، كما تعكس حتمية التصادم بين تلك الأطراف حاليا. يأخذ الصراع منحى أقل خطورة وأقل تصعيدا عبر حروب بالوكالة، واستخدام القوى المحلية، ومحاولة تطويق الآخر وتغيير خارطة التحالفات».
يتابع السينو: «في الماضي كانت خطوط مناطق النفوذ واضحة نوعا ما وتتجنب القوى الكبرى المساس بها، نلاحظ في السنوات الأخيرة زيادة تصاعد النزاعات والتوترات على الساحة الدولية. تبدو الدول الكبرى والقوى الإقليمية وكأنها تنتقل من أساليب الدبلوماسية التقليدية إلى استخدام أدوات جديدة للضغط والمقايضة. يُلاحظ ذلك بوضوح بعد الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تسعى الدول إلى تعزيز نفوذها وتحقيق مصالحها من خلال خلق أزمات وفوضى في مناطق محددة. عموما في وقت ما حاولت الولايات المتحدة الامريكية حصر الصراعات في منطقة بحر الصين الجنوبي وفي أوكرانيا إلا ان الدول التي تقف في المحور المناهض وتعارض هيمنة أمريكا على النظام العالمي تعمل على توسيع الصراع ونقله الى مناطق مختلفة في افريقيا والشرق والاوسط والنيجر، ربما ستكون البداية وستحاول اغراق اوربا في صراعات تستنفذها اقتصاديا وسياسيا واخلاقيا».
يضيف السينو: «ان التحشدات الامريكية الكبيرة في مناطق دير الزور والرقة يبدو انها غير كافية لشن أي عملية عسكرية محتملة حتى وان استعانت بقوات المعارضة وقوات العشائر العربية وقسد، فالوجود الأمريكي هناك لا يتجاوز 1500 جندي وهذا العدد قادر على حماية النفوذ الأمريكي هناك، بينما القيام بضربة محتملة ضد الحشد الشعبي في العراق أو المليشيات الإيرانية في سوريا أو حتى استهداف النظام السوري وإيران فيبدو مستبعدا». يعتقد السينو: «ان الاحتكاك المتكرر بين أمريكا وروسيا في الأجواء السورية، واستهداف إيران المتكرر للقواعد الامريكية في سوريا والعراق دفعت بالجانب الأمريكي بالاستعانة بقوات المعارضة، وربما العمل على تدريبها وقوات العشائر وتعزيز العقوبات والاستثمار في الاحتجاجات الشعبية في السويداء وبقية مناطق سوريا لتدفع بكلا من روسيا وإيران إلى مواقف الدفاع عن نفسه بدلا من الهجوم. وعلينا التذكير بأن الأزمة السورية تعد من أعقد الأزمات الإقليمية والدولية، ولا يمكن ان تكون الأيام المقبلة حبلى بالحلول، فالتصعيد العسكري والتوتر تجعل المنطقة تعيش ظروفا أصعب وتأزيم الأوضاع الإنسانية وتفاقم الازمات الاقتصادية بشكل مخيف، وان الحلول الجذرية تأخذ وقتا طويلا، وتحتاج إلى تضافر جهود المجتمع الدولي».
يرى السينو: «ان الازمة السورية معقدة ومتشابكة وهي نتاج تفاعلات سياسية واقتصادية واجتماعية وجيوسياسية معقدة، وما يحدث في الوقت الحالي مجرد تطورات في اطار الأزمة، ومن المبكر الحديث عن أية حلول دائمة، باعتبار العوامل المؤثرة في الأزمة السورية مازالت موجودة، سواء تدخلات العديد من الدول، وانقسام الأطراف المختلفة في سوريا وتباين مصالحها، فضلا عن دمار أكثر من نصف البنية التحتية، ووجود أكثر من 13 مليون مهجر،
لتحقيق أي نهاية للأزمة، يجب أن يكون هناك توافق داخلي ودعم دولي قوي. وبدء عملية سياسية شاملة تشمل تطبيق القرار 2254، مع التركيز على الحوار وحقوق الإنسان، وتوفير الإغاثة الإنسانية ودعم الإعمار».
بالمجمل، يؤكد السينو: «ان تحقيق نهاية للأزمة السورية يبقى تحديًا كبيرًا، يتطلب جهودًا مشتركة وإرادة قوية من الأطراف المعنية والمجتمع الدولي. عموما تقليم اظافر إيران في سوريا وتشديد العقوبات الاقتصادية على النظام السوري وتعزيز الحوار بين المكونات المجتمعية السورية قد تساهم في خلق البيئة التي يمكن عليها بناء سوريا ديمقراطية لكل السوريين، وهذا يتطلب تحقيق إرادة السوريين في انهاء الاستبداد والاجرام ومنظومته الأمنية، اما أي حديث عن تحييد الأطراف السورية بنفسها عن النزاعات والصراعات التي تحدث على الأرض السورية غير واقعي وبمثابة دفن الرؤوس في الرمال، لأنها تتطلب جهودا مكثفة والتزام جميع الأطراف السورية بالعمل من أجل السلام والاستقرار، وتحقيق توافق سياسي شامل يلبي تطلعات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية ويتناسب مع حجم تضحياته الجسيمة».
تغيير المعطيات وتوسع دائرة المواجهة الدولية المباشرة
تحدثت عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، بسة عبدي لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «الحرب السورية والتي بدأت داخلياً من خلال الاحتجاجات السلمية آخذة شكل تجمُّعات أسبوعية ثم تظاهرات شعبية واسعة، ثم إضرابات عامة متأثرة بمحيطها العربي الذي احدث تغيرات ديناميكية في أنظمته الحاكمة، كلُّ ذلك رفع منسوب الأمل لدى السوريين بالانتقال إلى مستوى آخر من المواطنة، خاصة وأنهم يرزحون منذ عقود تحت حكمٍ مستبدٍ استطاع أن يبرمج عقل الإنسان السوري بنقطتين فقط، الأولى الخطر الخارجي المتمثل بوجود إسرائيل وحربها الأبدية معها لأن هدفها سوريا أرضاً وشعباً، ودون غيرها من الدول العربية لأن سوريا قلب العروبة النابض وحصنها المنيع، واستمرار سوريا في هذه الحرب هي استمرار وجود الإنسان العربي وديمومته في هذا العالم، وعليه يجب على المواطن السوري أن يتخلى عن حقوقه، ولا يطالب الحكومة بواجباتها لأنها تحارب إسرائيل، الحرب النائمة، وبذلك تمَّ صرفُ أنظار الشعب عن اللصوص ومصاصي الدماء، لأن مجمل الدخل الوطني والذي كان يُسمّى الدخل القومي يوضع في خدمة هذه الحرب والتي تحمي الوجود العربي، وبذلك نتجت النقطة الثانية والتي ربطت فكر المواطن السوري وهي تأمين المعيشة بحدودها الدنيا دون التفكير بشي آخر، وأين يذهب المدخول المحلي؟؟ عندما حاول المواطن السوري أن يفكر، ويغيّر الواقع اصطدم بالحقيقة، وهي أن هذه الحرب ليست مطالبات داخلية، وإنما حرب دولية بين العظماء فقط تم استحضار أكثر التنظيمات إرهابًا ودموية تتقاتل، وتستعرض قواها وقوى عرابيها وداعميها، وذلك بقتل أكبر كمية من البشر الذين يعني بلغة أهل سوريا أب قتيل وأخ وأم …. سوريا تُقتَل بيد الغرباء، ودماؤها تغيّر الخرائط السياسية. روسيا من دولة مراقبة للوضع الدولي منذ الحرب الباردة الى مبارز قوي ومستحوذ جبار، ويوماً عن يوم تتعاظم قوتها عسكرياً وسياسياً عامل معطل في المجلس الأمن مانعاً استصدار قرار ضد النظام».
تتابع عبدي: «أمريكا من الحاكم الأوحد إلى مراوغ في التصريحات والأداء موجود على الأرض، وفي المعركة ومعرقل للحسم، تارة ينسحب وتارة يتراجع. واستمرت الحرب على الأرض بيد وكلائهما السوريين تجار الدم، ويزداد الوضع يوماً عن يومٍ سوءاً، وتتحوّل سوريا من أرض للعيش إلى مستنقع للغرق لشعبها. أما الدول الكبرى فلا يهمها استمرار وإطالة مدة هذه الحرب، حيث حولتها هذه المرة إلى ميادين أخرى ومستويات أكثر نضوجاً، المواجهات المباشرة روسيا من جهة وأمريكا والغرب الأوربي من خلال اوكرانيا. حيث أوضحت روسيا للعالم أنها تستطيع أن تدوس على حبل الوريد الذي يغذي القارة العجوز من خلال قطع إمدادات الغاز وجميع الواردات الأخرى بالسيطرة على جارتها المكروهة اوكرانيا، مما دفع الجميع إلى إغراق أوكرانيا بالسلاح لضمان استمرار حرب الاستنزاف وإنهاك روسيا. مما دفعت روسيا إلى توسيع دائرة المواجهة والتوجُّه إلى منابع التمويل الصناعي الأوربي إلى ربائبها في أفريقيا، وإثارة النزاعات وخلخلة علاقة الدولة الأوربية مثل فرنسا في نيجر بالإضافة إلى تقوية أحلاف اقتصادية مثل بريكس».
تضيف عبدي: «من خلال كلّ ذلك المؤشرات تشير إلى تغيير المعطيات على الأرض السورية بعد توسُّع دائرة المواجهة الدولية المباشرة، فالتحرك الأمريكي نحو كامل الحدود السورية العراقية يعني منع إدخال أي شيء من هذه المنطقة، والتي كانت تستخدم سابقا من قبل الإيرانيين والميليشيات العراقية الموالية لها إلى سوريا، وبالتالي محاصرة تلك القوات الموجودة بالفعل على الأرض، ثانياً، إيجاد بدائل لتلك القوى بالاعتماد على العشائر سياسياً وعسكرياً وإعطائها الشخصية الاعتبارية لتعامل معها بدلًا من الحالة السابقة القائمة على التعامل مع المقاتلين، مما يعني تغييراً في الخطط والبرامج. بالإضافة إلى الحشود العسكرية والتحرُّكات الضخمة- القوات الأمريكية المتواجدة في المياه الإقليمية القريبة. بالإضافة إلى إعادة تفعيل الشارع، وذلك من خلال إفراغ الليرة السورية من أي مضمون، ورن جرس الإنذار في كل بيت سوري، إما أن نموت جوعاً في بيوتنا أو نموت بالرصاص في الشوارع، والمطالبات بأشكال جديدة- الحكم المستقبلي في سوريا، والذي لم يكن مرغوبًا سابقًا لدى أغلبية السوريين بحجة أنها مطالبات انفصالية، الآن العرب السوريون يطالبون باللامركزية وهو تحول كبير في التفكير المواطن السوري، وأخيراً الزيارة المكوكية لوزير الخارجية التركية إلى جارتها العراق وإقليم كوردستان ومناقشته لأخطر الملفات الأمن والنفط والمياه يعود بنا مرة أخرى إلى مقولة الماء مقابل الأمن، والتي تعامل بها الأتراك مع سوريا عام 1999».
تشير عبدي: «أنه ضمن هذه المعطيات والتغيرات الآنية، والتي بدأت فعلياً في الكثير من المواقع لا يمكن لأي طرف سوري أن يتحيّد، ويحافظ على مسافة أمان كافية. فالنظام برأيي بدأت نهايته الفعلية لأنه تم تجفيف منابع دعمه بنجاح القوة الناعمة الأمريكية وإضعاف داعميه والضغط والإرضاء بملفات أخرى، إيران وملفها النووي نموذجاً. أما المعارضة فأساساً لا حول لها ولا قوة، هي مهمتها فقط قراءة ما تم الاتفاق عليه بين الدول الكبرى، وتم الإملاء عليهم لأنها لم تملك منذ البداية غير الدم السوري للمساومة عليه، وبالتالي التغيير قد بدأ ولكن لا يعني الحل وانتهاء العنف، بل مرحلة أخرى من الصراع صعبة الحلول حيث سيتم التركيز على المعيشة وعودة اللاجئين، ستبدأ حرب الجياع ودخول الجهات الدولية ذات الطابع الإنساني من اجل تأمين الغذاء للحماية من الموت جوعا».
حالة عدم الاستقرار وديمومة الصراع
تحدث رئيس مكتب العلاقات العامة في تيار المستقبل الكُردي في سوريا وعضو الأمانة العامة للمجلس الوطني، فادي مرعي لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «الأزمة الدولية لا يمكن عزلها عن الأزمة السورية، كون الفاعلين والدول المتحالفة نفسهم هم في صراع داخل سوريا سواء المحليين أو العالميين تعدُّ الأزمة السورية واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في العالم؛ نظراً لتعدد أطرافها ما بين أطراف محلية، وإقليمية، وأخرى دولية، وتعدُّد وتباين مصالح كل طرف إلى حدّ التّشابُك وأحيانًا التعارض، حيث كل دولة تريد حل الأزمة السورية بالشكل الذي تريده وبحسب مصالحه، بالرغم من مرور الأزمة أكثر من اثني عشر عاماً فلا توجد في الوقت القريب مؤشرات تنذر بقرب انتهائها، فمازال الصراع قائماً منذ اندلاعه في 2011 إلى الآن، ويزداد المشهد السوري تعقيدًا يومًا بعد يوم، وتزداد حدة الأزمة الإنسانية بمرور الوقت، الشعب السوري تحت وطأة القصف والدمار الذي خلفته الحرب؛ والتي أدت إلى نزوح ملايين اللاجئين إلى دول الجوار، فروسيا موقفها واضح بشكل عام وهو مساندة النظام، وتحاول بشتى الوسائل سيطرة النظام على أكبر مساحة من الأراضي، بل ساهمت مرات عدة في مشاركة النظام بالقتل والقصف والتدمير، ولكن تقلّص دورُها إبان حرب روسيا في أوكرانيا، فهي تحاول تقليص عدد قواتها في سوريا لحاجتها إلى تلك القوات في أوكرانيا، وكذلك محاولتها التقريب بين النظام السوري وتركيا».
يتابع مرعي: «إن حالة عدم الاستقرار وديمومة الصراع التي تشهدها سوريا إلى العديد من الأسباب؛ فبالنظر لطبيعة الحرب في سوريا سنجد أنها خليط غير متوازن من الحرب الأهلية والحرب الإقليمية والدولية والحرب بالوكالة والحرب الطائفية المذهبية، فالصراع القائم في سوريا ليس تعبيرًا عن صراع مستقل قائم بذاته، وإنما يمثل وجهًا من أوجه صراع مركّب متعدد الأطراف تتداخل فيه مصالح إيرانية، وروسية، وتركية، وأمريكية، وإسرائيلية، لذلك يمكن توصيف الصراع في سوريا على أنه صراع بين قوى إقليمية ودولية أشعلته قوى وعوامل داخلية تمثلت شراراتها في اندلاع موجة الاحتجاجات الشعبية السورية في 2011، والتي جاءت متأثرة بموجة الاحتجاجات التي عمت الدول العربية وأُطلق عليها أحداث “الربيع العربي” التي عبرت عن حالة من الكبت والاستياء الجماعي للشعوب العربية من الأنظمة الحاكمة.
أمريكا، منذ اندلاع الثورة وحتى الآن موقفها غير واضح وضبابي تدّعي وجودها في سوريا محاربة الإرهاب متناسية جميع الانتهاكات التي تشهدها عموم مناطق سوريا. عموماً الأزمة السورية أصبحت أزمة محلية دولية، ولم تبقَ أزمة بين النظام والمعارضة، فكلٌّ من الطرفين لا يملكون القرار».
يعتقد مرعي: «أن نهاية الأزمة السورية لاتزال بعيدة رغم مناشدات معظم أطراف الصراع في سوريا، لأن نهاية الأزمة مرهون بإنهاء خلافات تلك الدول، وإن الحل في سوريا لا يمكن أن يتم بدون تطبيق القرارات الدولية وخاصة قرارات جنيف ١ والقرار ٢٢٥٤، وكذلك الحل في سوريا مرهون بإنهاء خلافات دول الصراع في سوريا في باقي الدول سواءً في أوكرانيا أو اليمن أو في أفغانستان والعديد من الدول. كما ذكرنا سابقاً لا يوجد دور للنظام والمعارضة بسبب تحوُّل الأزمة السورية إلى أزمة دولية إقليمية، وما حصل مؤخّراً محاولة بعض الدول التقارب مع النظام السوري والزيارات الأخيرة للنظام السوري، وحضوره جلسة الجامعة العربية الأخيرة، كلُّ هذا دفع إلى استياء وامتعاض لدى الشعب السوري، وكذلك المعارضة، ولكن هذا لا يعني بقاء النظام السوري على السلطة للأبد لأن الشعب السوري هو الذي يقرّر مَن يحكُمُه، واعتقد أن هذا الشعب لا يمكن أن يقبل بهذا النظام لأنه السبب في ما آلت إليه سوريا من دمار وخراب وقتل وتشريد، وهو من جعل سوريا ساحة لتصفية حسابات دول عدة، كذلك ثلاثة أرباع سكان سوريا يعيشون الآن تحت خط الفقر، المستلزمات اليومية معدومة في سوريا، النظام السوري حمى حدود جميع الدول، ولكن حارب شعبه، ويبقى السؤال:
أين الدول التي كانت تنادي بالديمقراطية ومساعدة الشعوب المظلومة عمّا يجري في سوريا؟ لقد عرى دم الشعب السوري أخلاقيات تلك الدول. أكبر إنجاز حققه بشار الأسد حتى الآن هو أنه لا يزال باقيًا على الكرسي بعد سقوط كلّ الرؤساء الذين شهدت بلدانهم ثورات في أعقاب "الربيع العربي"، إذ استطاع أن يتجاوز حالياً مرحلة الخطر التي هددته، واستطاع أن يؤثر في مواقف الكثير من القوى الرافضة لبقائه. لكن هذا لا يعني انتصاره في المعركة، لأنه غير قادر على إنهاء مجتمع سوري بأكمله».
يؤكد مرعي: «أن حلّ الأزمة السورية يبدأ في أن يتم دفع كل الأطراف المتصارعة في سوريا نحو صياغة دستور ديمقراطي للبلاد، تتم حمايته دولياً من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حينها سيخسر النظام الكثير من مقوّماته ونقاط قوته ومؤسساته، وسيكون بالإمكان الحديث عن سوريا جديدة دولة مدنية تعدّدية حقوق جميع المكونات فيها مصانة. لا يمكن الأطراف السورية تحييد أنفسها لأنها واقع فرضت عليهم، حيث أصبحت سوريا مناطق نفوذ، لكل دولة منطقة، ولكل دولة حليف أو فصيل عسكري تابع له.
المطلوب من الأطراف السورية الضغط لإجبار هذا النظام بقبول الحل السياسي، لأنه لا بديل غيره، لأن الحل العسكري يزداد تعقيداً، وتكون التضحيات أكثر وأكثر».
النظام السوري والعوامل الضاغطة
تحدث رئيس فيدراسيون منظمات المجتمع المدني، حسن قاسم لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «المعطيات على الأرض جميعها تشير إلى وقوع النظام السوري بين فكّي كماشة داخلياً وخارجياً ربما يكون سبباً مباشراً لانهياره، أو الجلوس مكرهاً على طاولة المفاوضات، وتقديم التنازلات التي قد تعطيه مهلة إضافية ليست بالطويلة في الحكم، فالسوريون يعيشون تحت أوزار حرب مزقت البلاد، والوضع الإنساني مترهّل، والحكومة في موقف العاجز عن إيجاد أيّة حلول في وقت لم يعد التململ من انتشار الفقر وتردّي الحالة المعيشية خافياً على أحد، الأمر الذي دفع المواطنين بالنزول إلى الشارع مرة أخرى، وتهتف بإسقاط النظام خصوصاً في محافظتي السويداء ودرعا، مع أنباء عن تحركات مماثلة في بعض مدن الساحل مناهضة للحكومة رداً على قرار وزارة التجارة برفع الدعم عن الوقود مما أثر سلبًا على معيشة السكان الذين يعانون من الأزمة الاقتصادية الخانقة بعد اثني عشر عاما من النزاع، هذه الأزمة التي جعلت غالبية السوريين تحت خط الفقر في ظل ارتفاع حاد للأسعار، وفقدان العملة المحلية لـ 99% من قيمتها بينما يعاني أكثر من 12 مليون مواطن من انعدام الأمن الغذائي وفقا للأمم المتحدة».
سياسيًا، يتابع قاسم: «فانه لم يكتمل تعويم النظام السوري عربيًا بعد أن تراجعت المملكة العربية السعودية عن خطواتها نحو التطبيع والاكتفاء بوجود قنصلي محدود المهام، نظراً للتحذيرات المستمرة من جانب الإدارة الأمريكية وتلويحها بقانون قيصر.
تركيا من جهتها لم تعد راغبة في محاولات التطبيع مع النظام الذي وضع شرط انسحاب تركيا من الأراضي السورية التي احتلتها قبل البدء بأية خطوة تجاه ذلك، ومطالبة أمريكا لها بإبقاء الوضع كما هو عليه على الأرض وعدم القيام بأيّ عملٍ عسكريٍّ جديدٍ داخل الأراضي السورية».
أما عسكرياً، فيشير قاسم: «إلى المعلومات التي راجت عن القوات الأمريكية على أنها تحضر لعمل عسكري كبير شرق سوريا على الحدود مع العراق لناحية مدينة دير الزور بهدف قطع الطريق الرابط بين طهران وبيروت مروراً بدمشق عبر معبر البوكمال، وانتقل الحديث عن عملية عسكرية أمريكية في العراق يجري التحضير لها ضد الميليشيات الشيعية بالرغم من أن واشنطن ورداً على الاستفسارات أعلنت أنها تجري مناقلات روتينية بين وحدات عسكرية مغادرة وأخرى تحلّ مكانها، فإن منسوب التوتر في العراق ارتفع في الأيام القليلة الماضية وخصوصاً أن هذه التحركات وحجم القوافل الكبيرة لم تواجه بأي رد فعل من جانب الميليشيات التي عادةً ما ترفع في كل مناسبة شعار "إخراج القوات الأمريكية من العراق"، هذه المرة اختفت مظاهر فصائل الحشد المسلحة في كلّ مكان، وكأن أمراً صدر أيضاً إليها يحظر أي احتكاك مع الأمريكيين، وبالطبع ترافقت عملية تبديل القوات الأمريكية على الأرض بحشد واشنطن لأسطول بحري في الخليج العربي ومضيق هرمز وبحر العرب هدفه المعلن منع التعديات والقرصنة الإيرانية في تلك البحار، لكن هدفه غير المعلن تحدثت عنه مصادر عراقية، بعث رسالة قوية إلى إيران في العراق وسوريا أن الرّد على تحرُّشات ميليشياتها بالقوات الأمريكية سيقابل بقوة فائقة ومتفوقة يلحق أذى كبيراً بمصالح طهران في البلدين، وكما هو واضح فإن التحرُّكات حقيقية، ويجري تعزيز القوات الأمريكية المشتركة على مختلف المعارضات السورية العربية والكوردية بعناصر جديدة، ويتم تسليحها بشكل شبه معلن ربما بهدف إخطار العدو ان المسالة جدية وان مرحلة التفلت الإيراني المطلق عند الحدود العراقية السورية تشهد تغييراً على مستوى قواعد اللعبة وحدود الحركة. إذا ماذا تعني طبول الحرب في سوريا والعراق وبحار الخليج؟ قد تكون مؤشراً قوياً لعودة أمريكية حيوية تفاعلية إلى المنطقة ورسالة إلى روسيا في سوريا بان مرحلة التفرد ببلاد الشام التي حصلت في الأشهر الأخيرة انتهت. لقد عاد الشريك الأمريكي إلى الساحة يحمل في جعبته ملفاً كبيراً يعمل من أجله التطبيع بين الرياض وتل أبيب تزامناً مع منع بكين من التمدُّد بلا ضوابط في منطقة نفوذ أمريكية تقليدية».
كوردياً، يضيف قاسم: «الكورد في كل من كوردستان الشرقية والجنوبية يقتدون بخبرة الزعيم مسعود البارزاني الذي يبني علاقات استراتيجية مع الدول التي تتقاطع مصالحها مع مصلحة الشعب الكوردي، ويناضل بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافه في تقرير مصيره بنفسه، وبناء دولته المستقلة على أرضه التاريخية، أما في غرب كوردستان فمع ضعف العامل الذاتي للحركة السياسية الكوردية وتشتت قواها لابد من اللعب على التناقضات الدولية التي من شأنها تقوية العامل الموضوعي الذي يتيح لشعبنا الفرصة في نيل استحقاقات المرحلة وتحقيق أهدافه مع ضرورة العمل على تقوية العامل الذاتي».