اللغة الكردية بين الحكومة والمعارضة السورية منذ سنة 2011*

اللغة الكردية بين الحكومة والمعارضة السورية منذ سنة 2011*

هوزان ديرشوي

ملخص
تستمر المفاوضات المتعلقة بمصير سوريا، بإشراف مباشر من الأمم المتحدة التي خصصت لهذا الغرض لجان عدة، يترأسها مبعوث أممي هو الرابع منذ 2012. وقد أجريت الكثير من اللقاءات، بدأً بمؤتمر جنيف1 الذي عقد في 30 يونيو/ حزيران 2012 باسم "مجموعة العمل من أجل سوريا"، والذي صدر عنه قرار تشكيل اللجنة الدستورية التي عقدت حتى اللحظة ستة اجتماعات دون إحداث تغيير في مواقف أطراف التفاوض، والمتمثلة بوفد النظام السوري، ووفد الائتلاف السوري المعارض، وكتلة المجتمع المدني. كما ويشارك المجلس الوطني الكردي في سوريا عبر عضويته في الائتلاف الوطني لقوى الثورة المعارضة. ولدى المجلس الوطني الكردي مقعد في هيئة التفاوض، ولديه ممثل في الهيئة المصغرة للجنة صياغة الدستور السوري، وممثل آخر في الهيئة الموسعة في اللجنة ذاتها.
صدرت عن المؤتمرات واللقاءات التي عقدتها لسنوات الهيئات الآنفة، الكثير من الوثائق والرؤى السياسية دون أن تتناول الواقع الكردي في سوريا كقضية شعب يقيم على أرضه، ولم يتم الاعتراف بلغته القومية كلغة رئيسية في البلاد. الأمر الذي دفع بالمجلس الوطني الكردي إلى الاعتراض على أمورٍ عدة، ضمنها انسحابه من مؤتمر توحيد المعارضة في اسطنبول 2012، وصولًا إلى البيان الذي أصدره المجلس في الـ 12 مارس 2023 وطالب فيه قوى المعارضة السورية بمراجعة مواقفها من القضية الكردية. وإلى اليوم لا توجد رؤية واضحة بخصوص مكانة اللغة الكردية في الدستور السوري القادم. هل ستعتبر لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية ولغات سورية أخرى؟، أم ستعتبر لغة رسمية في المناطق الكردية فقط؟ وماهي هذه المناطق الكردية بالضبط؟ وهل سيقتصر تشريعها على مجالات محددة كالتعليم الجامعي والإعلام؟ وهل المطلب الكردي صريح بخصوص تكريس اللغة الكردية دستورياً كلغة رئيسية؟
من جانبها، اكتفت الحكومة السورية في دمشق ببعض الخطوات الشكلية لإدراج اللغة الكردية في التعليم العالي والإعلام، غير أنها ظلت خطوات هامشية جداً. وقد حذت المعارضة السورية، ممثلة بالائتلاف الوطني المعارض، حذو الحكومة السورية في تهميش اللغة الكردية ضمن المناطق الخاضعة للسيطرة التركية، باعتبارها اللغة الكردية ـ لغة السكان الأصليين في منطقة عفرين التي تسيطر عليها ـ كلغة أجنبية اختيارية في كلية التربية في عفرين التابعة لجامعة عنتاب. ناكثةً بذلك عهودها الموثقة في البرنامج السياسي الديموقراطي الذي زعمت أنها تتبناه.
تسعى هذه الدراسة إلى تناول اللغة الكردية في السياسات اللغوية لدى الحكومة والمعارضة السورية، وذلك من خلال الوثائق والرؤية الرسمية التي صدرت عنهما في مجالي التربية والتعليم العالي والمؤسسات الرسمية والإعلام. واستخلاص الأسباب الحقيقية التي تدفع بهذه السياسات إلى تهميش اللغة الكردية في سوريا. دون التطرق إلى تجربة الأحزاب الكردية في مجال اللغة الكردية، ولا سيما بعد سنة 2011.
المنهجية
تتخذ هذه الدراسة من سنة 2011 نقطة البداية لقراءة الوثائق المتعلقة باللغة الكردية، والتي صدرت عن الحكومة السورية بدمشق وعن المعارضة السورية (الهيئة العليا للمفاوضات/ الرياض 2015 – هيئة التفاوض/ اللجنة الدستورية 20191). وما طبّق منها ونقيض طبق منها على أرض الواقع، سواءً في مناطق سيطرة الحكومة السورية أو في مناطق سيطرة المعارضة السورية. وعلى نحو خاص، السياسات التي تجلت في وثائق خمس مؤسسات، وهي:
1. البيانات الحكومية
2. وزارة التربية
3. التعليم العالي
4. المؤسسات الرسمية
5. الإعلام
بالنسبة لبيانات الحكومة، فقد تمّت دراسة عدة الوثائق الرسمية التي صدرت عن الحكومة السورية والهيئات المرتبطة بالائتلاف المعارض. في حين تم أخذ عينات متنوعة من المؤسسات الأخرى محل الدراسة. إلى جانب شهادات شخصية لأطراف فاعلة في المعارضة، وكذلك آراء مجموعة من المهتمين بموضوع اللغة الكردية. ومن نافل القول إن هذه الآراء تعبر حصراً وجهات نظرهم الشخصية أو الجهات التي يمثلونها كأجسام سياسية.
ولغرض استقلالية البحث، تم ذكر الأطراف وفقا لمسمياتها الرسمية، بعيداً عن التسميات المتأتية من المناكفة السياسية، وهذا لا يغيّر بالضرورة من واقع الحال، ولا يمثل دعايةً أو تشهيراً بأيّ طرف مذكور في هذا البحث.

مقدمة
بدأت سوريا كدولة اتحادية بين ثلاث دول باسم " اتحاد الدولة السورية (1922-1924)” الذي جمع بين دولة حلب ودولة دمشق والدولة العلوية. وكانت بمرسوم إداري أصدره الإنتداب الفرنسي، قبل أن يؤسس الجمهورية السورية الأولى سنة 1930. التي جاءت بحدود لا تتطابق وحدود سوريا الراهنة. حيث لم تكن المناطق الكردية حينذاك جزءاً من سوريا، وإنما مقاطعة خاصة متنازع عليها بين القوتين الاستعماريتين فرنسا وبريطانيا. إلى أن استدمجت الجزيرة السورية سنة 1939 في سوريا مع اعتماد خط سكة الحديد اسطنبول بغداد كخط فاصل بين تركيا وسوريا، بعد تحوُّلات كثيرة على الحدود بين تركيا وسوريا الحديثتين.
ومع استقلال سوريا 1946، تعاقبت عدة حكومات الحكم في سوريا، جلًّها يرتبط بالانقلابات العسكرية التي جعلت تداول السلطة أمراً قسرياً. لذلك لم تتأسس حياة سياسية ديموقراطية لمداولة السلطة. حتى استلم حزب البعث الحكم 1963، لتنتهي بذلك التقلبات السياسية في سوريا وتبدأ حقبة حكم الحزب الواحد حتى اليوم.
لم تعترف كل الحكومات السورية المتعاقبة بحقوق الشعب الكردي في سوريا. ولم تعتبره مكوّناً من مكوّنات الشعب السوري المتعدّد القوميات والمذاهب. لا في الدساتير السورية ولا في سياساتها العملية. بل فرضت كل الدساتير منذ فترة الانتداب الفرنسي، وإلى الدستور المعدل في شباط سنة 2012، اللغة العربية كلغة رسمية وحيدة في سوريا المتعددة لغويا، ومضت أكثر من ذلك في اعتبار الشعب في سوريا جزءًا من الأمة العربية أيضاً.
وبالتالي بقيت اللغة الكردية متداولة شفاهاً بين أبناء الشعب الكردي كلغة تواصل، الأمر الذي حافظ عليها من سياسات التعريب القسرية، ومن قوانين تجريم استخدامها في المجال العام، ومن إصدار المطبوعات السياسية والثقافية بالكردية. فدخلت اللغة الكردية في مجال الاستخدام السري، تعلماً وطباعة. وبسبب الاعتقالات التي طالت المشتغلين على اللغة الكردية، تحولت مجالات تعلمها إلى العمل السري بين الأفراد والأحزاب السياسية والجمعيات الثقافية الكردية. كما أن الكثير من الكُتّاب كانوا ينشرون كتبهم بأسماء مستعارة، ويتعرّضون في الكثير من الأحيان للاعتقال.
من جانب آخر، طالت سياسات التعريب أسماء الغالبية العظمى من القرى والمدن والبلدات الكردية. وللمفارقة، فإن مجلة " هاوار/ الصرخة" والتي أصدرها الأمير جلادت بدرخان في دمشق 1932 قد حازت على الترخيص الوحيد لمطبوعة باللغة الكردية في تاريخ سوريا. بشرط عدم تدخلها في الشأن السياسي.
تعرّض الكرد في سوريا لسياسات قمعية ممنهجة، جعلت الاضطهاد مشرعا بالقرارات العنصرية. الأمر الذي ساهم في زيادة الشرخ السياسي بين الكرد وبين بقية المكونات الإثنية في سوريا. كالإحصاء الاستثنائي لسنة 1962 والذي جُرِّد على إثره أكثر من عشرات الآلاف من الكرد من الجنسية السورية، والحزام العربي لسنة 1974( 275 كم طولا وبعمق 15كم) ، والمرسوم رقم 49 لعام 2008 وغيرها. ولا يزال العديد من الكرد السوريين مكتومي القيد.
بعد انتفاضة الكرد في مدينة القامشلي 2004. بدأت تصدر عن الحكومة السورية، ممثلة برئيس الجمهورية، تعابير تصف الكرد كمكوّن أساسي في نسيج الشعب السوري. دون أن تتحول تلك الأقوال إلى سياسات عملية لرفع المظلومية عن الكرد. وبقيت المؤسسات الأمنية السورية تراقب الكرد وكل ما يتعلق بهم. وإلى اليوم يقبع المئات من الكرد السوريين في سجون الحكومة السورية، والغالبية العظمى منهم مازال مجهول المصير. إضافة إلى اعتقال واختفاء المئات من الكرد من قبل قوى أخرى ظهرت في سوريا بعد 2011 مثل داعش، والفصائل المسلحة التابعة للمعارضة السورية وغيرها.

الهدف من الدراسة
تهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على واقع اللغة الكردية في الوثائق الرسمية لكل من الحكومة والمعارضة السورية. وما يترجم منها عملياً على أرض الواقع. ومحاولة تكوين صورة معقولة عن حال اللغة الكردية في سوريا، وإيصالها إلى الجهات المحلية والإقليمية والدولية. ولا سيما الأطراف المشاركة في عملية التفاوض والأطراف الأممية والدولية المشرفة عليها. والدعوة منها لإقرار اللغة الكردية دستورياً كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية واللغات الأخرى في سوريا.
مفهوم اللغة الرسمية واللغة الوطنية
لتحديد اللغة أو اللغات الرسمية في دستور أي دولة، لا بد من توضيح الفرق بين اللغات / اللغة الوطنية واللغات / اللغة الرسمية. فقد اتخذت بعض البلدان لغة رسمية واحدة، في حين اعتمد البعض الآخر عدة لغات رسمية، مع وجود دول لم تحدد أي لغة كلغة رسمية، في بعض الدول اختيرت اللغة الرسمية إما لغة المستعمر السابق أو لغة أخرى لا تعبر أصلاً من لغاتها الوطنية كدولة غينيا الاستوائية حيث تشكل ثلاث لغات أجنبية لغتها الرسمية. كما أن بعض الدول تحدد في دستورها اللغات الوطنية واللغات الرسمية. في حين تشكل اللغة الوطنية لغة رسمية في بعض الدول ذات الطابع القومي الواحد مثل فرنسا. اختيار لغة أو لغات رسمية في بلد ما لا يعني أن جميع سكانها يتحدثون تلك اللغة، وإنما تعتبر لغة المؤسسات الحكومية والوثائق الرسمية. يوجد في العالم أكثر من 100 دولة فيها لغتان رسميتان.
يتمثل الاختلاف الرئيسي بين اللغة الوطنية واللغة الرسمية في أن اللغة الوطنية لبلد ما مرتبطة بالوظائف الاجتماعية والسياسية والثقافية للبلد، بينما ترتبط اللغة الرسمية لإقليم أو مقاطعة أو دولة بالشؤون الحكومية مثل البرلمان أو المحاكم الوطنية. تحتل اللغات الرسمية والوطنية مكانة خاصة في تمثيل هوية الدولة. الوظيفة الأساسية لكلتا اللغتين هي تمثيل الدولة والحالة الوطنية.
*من دراسة بالعنوان نفسه، صادرة عن مركز آسو قبل أيام