الدخيل المأجور

الدخيل المأجور

عبدالحميد جمو

دخل على حين غرة ضيفا على حييّنا الوادع الأمين مستجيراً فكرمه أبناء الحي، وتعاطفوا معه وكي لا ينتابه إحساس بالنقص أو الغربة، عاملوه كواحد من ابناء الحي، واعتنوا به أشد الاعتناء، أمّنوا له المسكن والملبس والمأكل ووفروا له العمل، العادة في حييّنا إن قدم إليهم غريب أو استجار بهم مستغيث يفتحون له صدورهم قبل بيوتهم، ويستقبلونه كإبن لهم قادم من سفرٍ بعيدٍ، هكذا تربينا في الحي وهذه شيمنا، كل يوم يقوم احد أبناء الحي باستدعائه لوليمة دسمة ويقضون معه الليل يتسامرون على الحكايات والطرائف ليبعدوه عن الهموم.
تعرَّف الضيف على أبناء الحي جميعاً، وعرف عنهم أكثر ما يعرفون هم عنه، عَلِمَ مواضع الخلل في الحي وقدم نفسه كمصلح وصار يسدي النصيحة، ويأتي ببعض الحلول، فانبهر به البعض من خفاف العقول والبعض توجس منه الحذر والبعض اكتشفوا خبثه وامتعضوا من سلوكه، هنا ادرك انه بات في دائرة الشبهة والخطر محدق به خشي ان تتزعزع مكانته ويخسر مكاسبه بعد ان خسر محبة أهل الحي.
حاول بشتي السبل ان يبرر أفعاله ولكن الأكثرية رفضوا تبريراته وقاطعوه وبشكل غير مباشر، وأفهموه انه غير مرغوب به في الحي.
فقال في نفسه كيف أترك هذا النعيم الذي انساني الجحيم الذي عشته وقرر الاستقواء بمن حوله وهو يعلم انهم حمقى، فبدء يوسوس لهم ويحرضهم علي بعضهم بإيقاع الفتن بينهم حتى انقسم الحي إلى قسمين ندّين، شيئا فشيئا استفحلت المعضلة وكبر الشقاق وتعمق الخلاف عمت العداوة بين ابناء الحي فاصبح الإخوة أعداء.
استطاع الغريب بالخبث والدهاء ان يجد له مكانا ويستحوذ بعض المكاسب مستغلا سذاجة من حوله، فاستولى على قسم من الحي ونصب نفسه مختارا عليه، وصار يصول ويجول ويأمر وينهي وكل من يخالفه يلقى حتفه حتى ذاع صيته بوحشيته وهمجيته بين الأحياء المجاورة.
صار الجميع يتعامل معه ومع اتباعه بحيطةٍ وحذرٍ، اغلقوا منافذ قراهم أمامهم وحظروا التعامل أو التواصل بهم.
أدرك تماما ان حقيقته كُشفت فقرر تحصين نفسه اكثر في حييّنا المغتصب، كشف أوراقه كلها وبات يظهر نواياه علنا خصوصا وانه محاط ببضع أناس منبوذين همهم الاستعلاء لإثبات ذاتهم، واستعراض عضلاتهم واستخدام قوتهم في الاعتداء على أبناء حييهم غير مدركين العواقب، حتى بات الحي بأكمله تحت نفوذه وبات مختارهم الآمر الناهي.
سلب أبناء الحي التابعون الإدارة من إخوانهم ومكّنوا الغريب من رقابهم حتى أرغموهم على طاعة المختار.
تفرد المختار المحتال بالسلطة غير مصدق ما آل إليه، فبدء برسم الدساتير وسن القوانين المجحفة بحق أبناء الحي وتطبيقها عنوة فالتزم الجميع بها مجبرين.
استمر المختار بطغيانه وصدق انه قائد مهاب تهون له الصعاب، فقرر بغرور مهاجمة القرى المجاورة، جهز جيشه وحشد أبناء الحي فيه قسرا نصب عليهم أكثرهم دناءً قائدا، وتحصّن هو في وكر وباغتوا القرى بالهجوم، ولكن العيون كانت مستيقظة وكانت تتوجس منه الغدر، دافع اهل القرى وهزمهم ولاحقوا فلولهم إلى الداخل وقضوا على أكثرهم واستولوا على الحي وبقي هو مختبئ في الوكر يَعُد خطة جديدة للاستلام على مسالم آخر.