آباء وأمهات مظلومون

آباء وأمهات مظلومون

حسين علي غالب

أصبحتُ أعرفه من بعيد، فلقد حفظت بدلته السوداء المهترئة الذي لا يغيرها بتاتا طوال الصيف والشتاء، أما زوجته الطيبة المسكينة فتخرج فقط تشتري حاجياتها من المواد الغذائية وتعود مسرعة بلمح البصر لكي تعد الطعام ويكون جاهزاً قبل قدومهم من المدرسة.
إنهم جيراني أعرفهم تقريبا منذ عامين ـ والرجل وزوجته أحياء لكنهم بالنسبة لي ولكل من يعرفهم حق المعرفة كالأموات، فهم لا يفعلون أي شيء يذكر لأنفسهم وكل شيء مخصص إلى أبنائهما الثلاثة الصغار.
نظام تقليدي متوارث غريب لكنه موجود في مجتمعاتنا، حيث يصبح الزوج والزوجة في حال مختلف عند قدوم الأطفال إلى حياتهم، نعم أنني أقدر تعب الآباء وجهد الأمهات لكن لا أن يحرموا أنفسهم من أبسط مستلزمات الحياة مهما كانت بسيطة ومتواضعة.
إن هذا النظام الأسري يخلق البرود العاطفي بين الزوج وزوجته، فالزوج يعمل ليل نهار، والزوجة مسجونة في البيت بين اربعة جدران، والزوج لا يعرف شيئاً عن زوجته وكذلك الزوجة لا تعرف شيئا عن زوجها ويلتقيان في المساء لكي يستسلما للنوم العميق من شدة التعب والإرهاق،
الأبناء صحيح يحتاجون إلى مصاريف كثيرة لكنهم محتاجون للرعاية والاهتمام المكثف لساعات طويلة كل يوم، فما أكثر الأبناء الذين كانوا يحصلون على كل شيء يريدونه لكن قلة الاهتمام وعدم الرقابة عليهم تركهم عرضة إلى رفاق السوء.


أطفال... يوجعون القلب!!

منذ أن كنت صغيرا وأنا أرى عدداً من المدمنين مرميين في الطرقات، وأشعر بالحزن لحالهم، وعندما سافرت إلى عدة دول، وكان أخرها هجرتي إلى بريطانيا زادت رؤيتي لهم، لأن مدمني الكحول تحديدا يزدادون يوما بعد يوم.
علماء النفس والاجتماع قدموا الكثير من الأبحاث والدراسات منذ السبعينيات عن ظاهرة الإدمان وطرق معالجتها، لكن المستغرب هو حالات إدمان لأطفال صغار بعضهم لم يتجاوز الثماني سنوات..؟؟.
توجهت إلى عالمة اجتماع غنية عن التعريف وأعرفها حق المعرفة خلال عملي الأكاديمي لكي أحصل منها على إجابات لهذه الظاهرة، فحصلت سريعا على الجواب الشافي المختصر، وهو بسبب التفكك الأسري وتفشي الطلاق بشكل مرعب حيث وصل في بعض الدول إلى أكثر من ثلاثين بالمائة، والضحايا أولا وأخيرا هم الأطفال الصغار.
أما السبب الثاني ويأتي بنسبة أقل هو أدخال الأطفال إلى سوق العمل بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وحينها يتعرضون إلى إغراءات مختلفة قد تقودهم إلى الإدمان.
والسبب الثالث هو أن تجار المواد المخدرة، يسعون دائما لخلق أرضية لهم لترويج منتجاتهم المختلفة وبأسعار بخسة في البداية فقط وبعدها يرفعون من السعر لأن المدمن أصبح تحت سيطرتهم يفعلون به ما يشاء، ولا يمكن أن يتجاهلوا الصغار بالسن، ففي علم التسويق الصغار بالسن زبائن من السهولة إقناعهم.