الأدب الكردي.. والقارئ العربي

الأدب الكردي.. والقارئ العربي

إبراهيم اليوسف

ظل الأدب الكردي في سوريا مجهولاً بالنسبة إلى القارىء العربي. شريكه في المكان، إذ لم تتبن مؤسسات السلطة: اتحاد الكتاب العرب ووزارة الثقافة، منذ تأسيس سوريا طباعة أي كتاب كردي، وظل مئات الكتاب الكرد بعيدين عن اتحادات الكتاب ماداموا لا يكتبون باللغة الرسمية، ولم تعرض عبرالتلفزيون السوري منذ تأسيسه حتى مجرد قصيدة أو أغنية كردية، ولطالما كان ضبط مجرد كتاب من قبل أجهزة النظام، أو حتى قصيدة غزلية بمثابة جريمة يزج بصاحبها في غياهب وزنزانات ومنفردات وسجون النظام، وكانت عبارة مثل " كاتب كردي سوري" أو كاتب سوري كردي ممنوعتين في إعلام النظام، ناهيك أنه لم يسمح للكرد في سوريا بإصدار جريدة أو حتى الاعتراف بلغتهم الأم، وتعلمها كحق لهم، ولو في أمكنتهم.
في ظل هكذا واقع أليم كان النظام يعمد إلى طمس هوية شركاء المكان الذين ساهموا في بناء اللبنات الأولى لسورياهم، إلا إنهم أقصيوا في ظل الأنظمة القوموية المتعاقبة، لاسيما في ظل نظام البعث ونسختيه الأسديتين: أباً وابناً، كما أن هذا الحصارالرهيب، وطمس إبداعات الآخر. شريك المكان، دعم، على الدوام، بفرض رقابة صارمة على مؤسسات الكتاب والإعلاميين ونقاباتهم، وكان من ألفباء العمل في هذه المؤسسات منع تسريب كلمة" كرد" أو" أكراد" إلى وسائل الإعلام وأوعية الثقافة والنشر، وحتى المنابرالثقافية ، إذ خلت المراكز الثقافية- باستمرار- من الأدب الكردي المترجم- حتى كلاسيكيات الشعرالكردي الصوفي والإنساني والديني- ليكون الكاتب الكردي مهمشاً مقصياً، ولايتم تبني إبداعه ما لم يكون بلا ملامح، مادعا كثيرين من المبدعين الكرد إلى اللجوء إلى الرمز، وحورب بعض هؤلاء، وأبعد بعضهم من أعمالهم، وتعرضوا للتضييق، وحتى التأليب عليهم من قبل عيون مكتراة، موظفة لأجل مهمة إلغاء أصوات هؤلاء لطالما دبجت التقارير الكيدية ضد أبعاضهم!
وإذا كان الكاتب الكردي قد استطاع تقديم نتاجه باللغة العربية، إلى جانب من كتبوا بلغتهم الكردية الأم، وكانت إبداعاتهم أقل انتشاراً ومقروئية بسبب آلة القمع من جهة، وسرية طباعة ونشرالكتاب، ناهيك عن ضآلة أعداد من يقرؤون ويكتبون بلغتهم، فإن أسماء كثيرة منها استطاعت أن تشق طريقها، من داخل الوطن، أو من خارجه، بل إن هامش الحرية لبعض أصحاب الأقلام المهاجرة فتح لهم المجال لإنتاج إبداعات مميزة، ولعل سليم بركات في طليعة هؤلاء!
ولابد من الإشارة إلى أن عوامل مهمة برزت خلال عشرين السنة الأخيرة في ظهور نتاجات إبداعية كردية، من بينها ثورة المعلوماتية، وسقوط جدار الخوف بعد ثورة السوريين في العام 2011 التي انضم إليها الكرد، على أوسع نطاق، قبل أن تتم محاولات نسف العلاقة بين السوريين، لأسباب عديدة، في محاولة استهداف الثورة نفسها، بسبب النظام وبعض واجهات المعارضة والمال السياسي الذي كاد أن يجهز على أواصر العلاقة بين السوريين.
وإذا كان عدد الكاتبات والكتاب الكرد الذين كتبوا الرواية- على سبيل المثال- مع بداية الثورة محدوداً، فإنه وبعد سقوط جدارالخوف في العام2011، وهجرة الكثيرمن أصحاب الأقلام من المبدعين الكرد لوحظ أن أعداد هؤلاء تضاعفت، وبات يمكننا الحديث عن رواية كردية سورية، لها خصوصيتها ناهيك عن عموميتها، وعلاقتها بالخريطة السورية، ولتكون من أبرز ملامح هذه الرواية موقفها من الدكتاتورية والاستبداد إلى جانب أشكال الإرهاب التي ظهرت، تدريجياً، بعد عسكرة الثورة وتسليحها وأسلمتها!
هذه الرواية الكردية السورية التي ينظرإليها بإعجاب، من قبل شريكه السوري، خاصة، ومن قبل قراء العربية على نحوعام، تكاد تكون لها ملامح خاصة بالإضافة إلى نقاط التقائها مع الرواية السورية والعربية، تحتاج إلى المزيد من الدراسات النقدية المعمقة، لأن هذه القارة المجهولة من قبل قارئنا تستحق الاهتمام بها. من هنا، فإننا إذا كنا منذ أول أعداد- أوراق- قد عنينا بهذا الأدب الذي يعيش بين ظهرانينا، من خلال ملف عن- الشعرالكردي- فإننا وبمناسبة مرور عشرة أعوام على انطلاقة الثورة بما لها وما يسجل عليها.