من الإيزيدية إلى الكوردية 4
شفان شيخ علو
مضت عليَّ سنوات وأنا مقيم في ألمانيا. لا أذكر عدد المرات التي زرت فيها أهلي في إقليم كوردستان العراق، إنها كثيرة. وفي كل مرة، ألتقي بأناس أعرفهم، ويعرفونني، فنتبادل الأحاديث الودية، عن الوطن، والغربة، عن الأهل والأصحاب، والظروف المتغيرة، عن الأهوال التي عشناها سابقاً، وتلك نخاف منها، نحن الإيزيدية، أو الإيزيدية الكورد، وكيف يمكن القيام بواجبنا، فأزداد علماً، مثلما ألتقي بأناس أتعرف عليهم، وأستمتع بالحديث معهم، وأشعر بفرح كبير، لأن هذه الزيارات المتكررة تعلّمني أكثر فأكثر. وفي ألمانيا تعرفتُ إلى كثيرين ممن ينتمون إلى عقيدتي، وزادت أواصر المحبة فيما بيننا، لأن قضيتنا مشتركة، وكم رأيت اجتماعات ومناسبات ولقاءات بين أناس ينتمون إلى لغات أخرى، ويعانون مثلنا، وهم يقومون بمظاهرات، أو يشاركون في مسيرات احتجاجية ضد الذي يظلمونهم في بلادهم، وهم يرفعون شعارات تندد بهم، وتدعو الجهات المتنفذة إلى وضع حد لهذه المظالم. هكذا علَّمتني الغربة أو المغترب، واتسعت معارفي، وأصبحت أكثر ثقة بنفسي، من وراء الاهتمام بما يجري.
وإذا ذكرت وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذه المعلومات تزداد أكثر، والمعرفة تقوى أكثر، ويكون هناك ، وبشكل يومي، أناس جدد، أتعرف عليهم، وتقوم بيننا علاقات وقضية مشتركة. هذه هي أوروبا الواسعة بأناسها وثقافتها، والمنفتحة على بعضها البعض، والتي تتميز بالحرية، وبمنح حرية التعبير لأي كان، دون السؤال طبعاً عن جنسه أو دينه أو لغته، طالما أن الشخص، من أي مكان كان، موجود في هذا البلد الأوروبي أو غيره يحمل جنسيته، أو حصل على الإقامة وهو محفوظ الحقوق، ولن يستطيع أحد الإساءة إليه، مادام يلتزم بالقوانين والتعليمات.
ذلك أهم شيء يوسّع عالم الإنسان، ويعطيه مرونة في التفكير، والإقدام على العمل، والإخلاص لذلك البلد الذي استقبلنا نحن وغيرنا من أفراد جماعات وشعوب أخرى، واحتضننا كذلك، وهذا ما لا يجب علينا أن ننساه، ونحن بمثل هذه الحرية والسهولة نتحرك، نزور أهلنا ونرجع..
إن أهم ما تعلمته من هذه اللقاءات والزيارات والاجتماعات التي تعنينا، هو أن عصرنا عصر تفاعل الثقافات وانفتاح الشعوب على بعضها البعض أكثر، وأن التجمعات الكبرى هي التي تستطيع أن تنفّذ تلك المشاريع التي تهمها في خدمة قضاياها القومية والاجتماعية والإنسانية.
وهي ملاحظة قوية وفاعلة، لا يجب تناسيها أو وضْعها جانباً. أعني بذلك أن أكون إيزيدياً كوردياً، وليس الاقتصار على الإيزيدية، لأن ذلك يقلل من مكانتنا، مهما كان هناك اعتراض على مثل هذه العلاقة، من باب الشكاوى أو التذكير بسلبيات دون ذكر الإيجابيات.
نعم، العالم يعرفنا، وخاصة إبان الغزو الداعشي الإرهابي لأهلنا في سنجار الثالث من آب 2014، ولكن العالم يعرفنا، وعليه أن يعرفنا على أننا إيزيدية وكورد أساساً، وقضيتنا في المآسي التي عشناها ونعيشها يتم تسجيلها، ويجب أن يكون كذلك على أننا كورد، حيث يكون لنا حضور أكثر وقوة أكبر في رفع أصواتنا عالياً، أقولها بصوت مرتفع، حين بعض أخوتنا يضيّقون حلقة العلاقة هذه، وضمنها نكون نحن الإيزيدية، وهذا في غير مصلحتننا.
إننا نستطيع أن نقوم بأعمال كثيرة في داخل الوطن وخارج، أي في أوروبا، عندما نعرف أهمية اللوبي الذي يجمع إليه كل المنتمين إلى القومية الكوردية، وهم يقومون بعقد لقاءات، ويقيمون علاقات تعاون مع الآخرين، ويدعون إلى اجتماعات مشتركة، ويتقدمون بشكل منظم إلى أولئك المسؤولين في هذا البد أو ذاك، وهم يقدّمون لهم مطاليبهم، بصورة سلمية، ليكونوا عوناً لهم. نعم، كما هو حال الكثير ممن نعرفهم هنا في ألمانيا وغيرها، وهم يقدمون نشاطات أو فعاليات اجتماعية وثقافية، فنية وغيرها، تعبيراً عن الأوضاع التي يعيشونها أمام الآخرين.
نحن بالمقابل، حين نتفهم قضيتنا الكوردية، والإيزيدية داخلها، نتفهم الطريق الصحيح الذي يؤدي بنا إلى ما نريده، وهو دوام التركيز على ما هو عام، لكسب احترام الآخرين.
إن من عاش ويعيش هذه الحالة، أو يكون قد يجّربها، يقدّر نتائجها الكبيرة، ويكون أكثر تفاؤلاً.والشكر لكل من يسمعني كلمة جميلة، كما يريني صورة معبّرة وجميلة عما يفيدنا نحن جميعاً هنا وهناك.