اللاكتابة - ما نقيض الكتابة؟

اللاكتابة - ما نقيض الكتابة؟

إبراهيم اليوسف

قد يتفاجأ الكاتب، أمام سؤال من هذا النوع"، وهو سؤال إشكالي، يبدو طرحه الأولي، في غاية السهولة، بل تبدو الإجابة عنه واضحة، بيد أن الأمر قد يبدو أبعد من ذلك، في ما إذا تم وضع النقيضين: الكتابة واللاكتابة، على طاولة التشريح، حيث أن هناك عالمين، لكل منهما خصوصيته، حتى وإن تواشجا، في ذهن أحدنا، لأن الحديث عنهما ليذكر بالحديث عن" اليقين" أو" اللايقين"، "الشيء" "أو اللاشيء"، أو"الوجود" و "اللاوجود""الفعل" و" اللافعل"، "الحدث" و"اللاحدث"، وهي سلسلة متناقضات لا يمكن أن تجتمع إلا من قبيل الطرح الافتراضي، في ذهن أي منا، في لحظات التجلي، والبحث، ونحن نمضي في مقاربة المشخص بالمتخيل، في محاولة لنا شخصنة المتخيل، بما يجعلنا في مواجهة الحدود الفلسفية.
لقد كانت الكتابة، منذ اكتشافها الأول، من قبل الكاتب الأول، عبر التاريخ، محاولة لتوثيق لحظته،وعالمه، في مواجهة النسيان، كي تتطور تدريجياً، مبدعة أشكالها، المتعددة، لتصل إلى طورها الحالي، في كل حضارة إنسانية، متواصلة، بين ماضيها، وحاضرها، وغير بعيد عن التفاعل الحضاري الإنساني، على امتداد المراحل الزمنية، من دون أن يتوقف التطور عند الشكل الكتابي، المناسب، الذي استوعب حركة الحياة، منذ رصدها الكتابي، وحتى اللحظة المعيشة، كي يغدو التدوين حاضناً للمدون- بفتح الواو المشددة- غير بعيد عن أهواء المدوِّن-بكسر الواو نفسها- وهو ما يجعل الكتابة غير بريئة، وغير حيادية، من قبل القائم بها، وهو الذي يدأب ممارسة هذا الفعل، من خلال جملة مصالحه، وتصوراته، بعكس الصورة، التي يفترض-نزاهتها- لأول وهلة، بابتعادها عن سطوة ملتقطها، وإن كان في إمكان هذا الأخير-أيضاً- تطويع الصورة في خدمة مثل تلك المصالح والرؤى التي يفرضها المدوِّن، حيث لا كتابة بريئة، وهي العدوى التي ستنتقل إلى الصورة، في زحمة الصراع بين الأضداد والقيم.
وإذا كانت الكتابة، وهي أسُّ الوحي، وحاضنته، قد ولدت تحت سطوة الحاجة، من قبل أول من ترك أثراً على جدار كهف، أو على رقم، أو نحوهما، وهي محدود تاريخ البدء، بهذا الشكل من التأريخ، فإن اللاكتابة هي الأقدم، وهي المنتهكة بالكتابة، بل إن فضاءاتها مكونة من دعامتين، هما: "اللاوعي"، في جزء منه، و"التبطين" عكس المراد، أو سوء الطوية، في جزئه الآخر، وكلاهما الخطر على الكتابة، وهما تلتقيان في"النتيجة"، وإن كانت اللاكتابة"العامدة" تضاداً، ومواجهة للكتابة، وقد يدخل محو الكتابة، ونسف الكتابة، ومقاصل الكتب، ومحارقها، بل وحتى نهب الأوابد، والآثار، ضمن هذا الإطار ذاته، بل وتستوي الكتابة، و اللاكتابة، في حالة الوعي بهما- حيث الكتابة معطى عال للوعي- في أن كليهما موقف من الحياة، وما فيها من حركة دائبة أزلية منذ بداية الخلق وإلى هذه اللحظة الكتابية.
اللاكتابة، هي أيضاً تاريخ، وهي سلسلة أحداث، تحاول الكتابة، منذ نشأتها، ملامسة مكنوناتها، وعوالمها، من خلال كشف النقاب عنها، من قبل الكتابة المحايدة، في إطار مواصلة الكشف المعرفي، وإن كانت الكتابة- مسبَّقة التأطير- أو الكتابة المؤدلجة، تمارس فعلها، وانتهاك طهارة الكتابة، كي تكون إلى جانب الكتابة واللاكتابة، الكتابة"اللاكتابة"، واللاكتابة" الكتابة"، على اعتبار أن كتابة الزيغ هي مفسدة للفعل الكتابي كاملاً، كي تكون هناك، بالتالي : كتابتان متناقضتان، للمكتوب عنه ذاته، بل لانهاية لها من كتابات...!
-ما نقيض الكتابة؟
أجل، ويظل السؤال نفسه مفتوحاً على الكتابة..!