البارزاني عظماء سيخلدهم التاريخ

البارزاني عظماء سيخلدهم التاريخ

شكري شيخاني

في استعراض هادىء وموزن لسير القادة والعظماء عبر التاريخ، نجد أن كل قومية تحتفل وتحتفي بذكرى عظمائها وقاداتها إن كان ذلك في مماتهم أو في مولدهم. ويذكرون الخصال الحميدة والمآثر النضالية والبطولية، عبر سنين الكفاح أو تولي مهمة النضال والقيادة، وهذا حق لكل شعب وقومية، إلا أن مناسبة هذا المقال جاءت لتسليط الضوء على قائد كوردستاني عظيم، فتح عيون الجماهير على حقوق كانت مهضومة ( ولازال البعض من هذه الحقوق ممنوعاً).
اليوم نتحدث عن قائد جماهيري انخرط وسط جموع شعبه أعطاهم الإخلاص والتفاني، فأعطوه المحبة والولاء. نتحدث عن رجل أجبر كل من يلتقي به أو يعامله على أن يحترم، ويقدّر هذه القومية وشعبها. نتحدث عن جنرال بمعنى الكلمة خاض حروباً ومعارك، أثبت فيها أن للكورد حقاً تاريخياً لا يمكن محوه أو سحقه، وعلى مدى عشرات السنين ظل يقاوم وعلى أكثر من جبهة. نتحدث عن الملا مصطفى محمد عبد السلام عبد الله البارزاني (1903 - 1979) وهو بكل المقاييس زعيم كوردي، من كوردستان الجنوبية في شمال العراق، يرجع نسبه إلى أمراء العمادية.
ولد البارزاني في 14/ آذار 1903، في منطقة بارزان، وشارك أخاه الأكبر أحمد البارزاني في قيادة الحركة الثورية الكوردية للمطالبة بالحقوق القومية للكورد، ولكن تم إخماد هذه الحركة من قبل السلطة الملكية في العراق والقوات البريطانية المحتلة التي استخدمت ولأول مرة في التاريخ الأسلحة الكيميائية ضد المناطق التي سيطر عليها الثوار الكورد، وهو والد رئيس أقليم كوردستان العراق السابق مسعود البارزاني.
وفي عام 1935 تم نفي مصطفى البارزاني إلى مدينة السليمانية مع أخيه أحمد البارزاني.
في عام 1942 فرّ البارزاني من منطقة نفيهِ ليبدأ حركته الثورية الثانية، وفي إيران وبدعم من الاتحاد السوفييتي أقام الكورد في عام 1945 أول جمهورية كوردية في مهاباد في إيران، خدم الملا البارزاني كرئيس لأركان الجيش في جمهورية مهاباد والتي كان عمرها قصيراً، فبعد 11 شهراً من نشوئها تم وأدها من قبل الحكومة الإيرانية وذلك بعد انسحاب القوات السوفييتية من شمالي إيران تحت ضغط القوى الكبرى التي كانت مركز قواتها جنوبي إيران، وكانت القوات السوفيتية قد دخلت الأراضي الإيرانية إبان الحرب العالمية الثانية.
بعد انهيار الدولة الكوردية الوليدة في مهاباد، توجّه البارزاني إلى الاتحاد السوفييتي مع 500 من مسلحيه سيراً على الأقدام مجتازين حدوداً جبلية وعرة في إيران وتركية وصولاً إلى الحدود الأذربيجانية السوفييتية.
في عام 1958 ومع إعلان الجمهورية العراقية دعا الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم البارزاني للعودة إلى العراق وبدأت مناقشات حول إعطاء الكورد بعض مطالبهم القومية، لكن مطالب البارزاني والشعب الكوردي لم تتطابق مع ما كان في نية الرئيس عبد الكريم قاسم إعطاءه للكورد، فأدى ذلك إلى تجدد الصراع مرة أخرى حيث قام عبد الكريم قاسم بحملة عسكرية على معاقل البارزاني عام 1960.
وبعد تولي الرئيس العراقي عبد السلام عارف الحكم إتفق مع عدد من القادة الكورد (سياسيين وعسكريين) ومن ضمنهم البارزاني على حل شامل للقضية الكوردية حيث أعلن اتفاق أبريل عام 1964م، والذي تضمن منح الكورد الحقوق الثقافية والاسهام في الحكم وبعض الحقوق الأخرى، إلا أن التيار القومي العربي تمكن من التسلل إلى السلطة ونسف كل ما اتفق عليه فاستمرت الدولة بإجراءاتها القمعية للشعب الكوردي، فتجدد النزاع المسلح بين الطرفين، وظلت القضية الكوردية تؤرق حكومة بغداد والبارزاني يقضّ مضجع القيادة العراقية.
بعد 9 سنوات من الحرب بين الكورد بقيادة البارزاني اضطرت الحكومة العراقية إلى الاتفاق مع البارزاني في اتفاقية الحكم الذاتي للكورد عام 1970م، والتي لم تدم طويلاً بسبب انقلاب قيادة حزب البعث على اتفاقية الحكم الذاتي عام 1974م وتوقيعهم لإتفاقية مع شاه ايران تنازل بموجبها العراق عن شط العرب وعن المطالبة بالأحواز مقابل توقف ايران عن تقديم الدعم العسكري واللوجستي للثوار الكورد، وعلى أعقاب هذه الإتفاقية إتفاقية الجزائر التي أبرمت بين إيران والعراق بمبادرة أمريكية جزائرية كان عرابها وزير الخارجية الجزائري عبدالعزبز بوتفليقة.
ولكن وهج الثورة الكردية لم يخمد، ولم ينته، وتابع مسيرة النضال القائد مسعود بارزاني الذي مازال حاملاً شعلة النضال،وبوتائر أكبر وأمتن.
غادر بعدها البارزاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث توفي فيها عام 1979م، في مستشفى جورج واشنطن.