صراع العملاقين الأمريكي والروسي.. صراع البازارات السياسية والنفوذ

      صراع العملاقين الأمريكي والروسي.. صراع البازارات السياسية والنفوذ

عزالدين ملا

الصراعات الدولية تشتد وتزداد حدتها بين الدول الكبرى، وتتوسع الصراع على نطاقات واسعة، من الأزمة السورية التي تصدعت جدران إنسانية العالم اتجاه حلها، بل زادوها دمارا وتخريبا وقتلا وتشريدا. ولفرض سياسة الضغط والرضوخ والتنازلات يعمدون إلى إشعال فتيل الصراع في أماكن أخرى، كما الآن في أوكرانيا، حيث اشتدت حدتها وقد تصل إلى حالة معاناة كما وصلت إليها سوريا وأماكن أخرى من العالم.
1- كيف تحلل كل ما يجري الآن في المنطقة والعالم؟
2- ما أوجه الشبه بين الصراع في سوريا وأوكرانيا؟
3- هل هناك ترابط في الصراعين السوري والأوكراني؟
4- هل يمكن أخذ الدروس والعبر من كل هذه الصراعات؟ كيف؟ ولماذا؟

الصراع الأمريكي والروسي متشابك ومتداخل
تحدث رئيس ممثلية إقليم كوردستان للمجلس الوطني الكوردي وعضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، الدكتور كاوى أزيزي لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ومجموعة الدول الاشتراكية،عاش العالم فترة عقدين من الزمن في حالة القطب الواحد الامريكي. لكن لاحقا بدأت روسيا بالنهوض، والصين تصاعدت إلى نحو خطير تهدد الأمن الأمريكي، وكذلك تصاعد النمو الإقتصادي في أوروبا وعدة دول إقليمية مثل الهند وتركيا وغيرها.
الآن نعيش معركة إعادة تقسيم العالم بين عدة أقطاب في طريقها إلى السيطرة العالمية أمريكا الصين روسيا والاتحاد الأوروبي. الكل سيأكل الكل وعلينا كـ كورد الإنتباه بأن لا نضع أنفسنا بين مطاحن هذه الدول العظمى المتصارعة، ويجب أن نختار أنسب طريقة للتوازن بين مصالح الكبار، وإيجاد مكان مناسب للحصول على الأقل الحد الأدنى من الحقوق».
بالنسبة لأوجه الشبه بين أوكرانيا وسورية، يؤكد أزيزي: «أنها متشابهة إلى حد ما وفي نفس الوقت مختلفة. الشعب الأوكراني شعب مثقف ويفهم الوضع جيدا، ويعرفون الروس عن قرب كونهم عاشوا معاً أكثر من ثلاثة قرون من الزمن. لقد تخطت أوكرانيا المحظور وعليها الآن أن تداوي جراحها، وأعتقد أن أوكرانيا لن تغامر ما يحذره الروس عليها وهو العضوية في الناتو. أما سورية فالنزيف مخيف، النسيج الإجتماعي قد تقطع، والتناقض القومى والمذهبي والمناطقي في أقسى مستوياته وإلتئام الجرح السوري متعذر إلى حد ما إلا اللهم اتفق الكبار بضم أشلائها ومنعها من التفسخ. وأعتقد أنه لا يمكن حل القضية السورية بيد السوريين كون التناقضات ذهبت إلى حد القطيعة وأصبح بينهم دماء وآلام من الصعب إلتئامها قريبا».
يتابع أزيزي: «الصراع العالمي متشابك لأن اللاعبين في الأعلى معروفون ومحددون. وفي صراعهم على تقسيم النفوذ فيما بينهم، بالتأكيد ليس سورية وأوكرانيا فقط معنيون بالأمر، بل خطوط التشابك وتلاقي المصالح أبعد من ذلك بكثير، ومنها تسويات الشرق الأوسط وإعادة ترتيب الأوضاع فيه موجود داخل اللعبة. الصراع على سورية وأوكرانيا هي الصراع على النفوذ بين روسيا وأمريكا من جهة ومن جهة أخرى الإتحاد الاوروبي، وأن لا ننسى الصين واسرائيل أيران وتركيا الداخلين في اللعبة الدولية».
يضيف أزيزي: «علينا كـ كورد أن نأخذ العبر من هذه الصراعات، والكورد هم كانوا دوما قربانا وضحية للصراع العالمي، ومن هذا الصراع بالذات عندما اشتد الخلاف بين تركيا وروسيا الـ ب ك ك بفرعيها الـ ه د ب والـ ب ي د دخلا حلبة الصراع بعيد عن أي منطق استيراتيجي أو تكتيكي فخسروا، وخسرت معهم القضية الكوردية بشكل فظيع. حاول أردوغان تشكيل حكومة مع الـ ه د ب، وكان هذا أول إنفتاح تركي على الكورد، رفض ه د ب المقترح وحاول التفاوض مع معارضي أردوغان بالداخل والتقرب من الروس في الخارج. وحاولوا الإصطياد في الماء العكر من خلال حفر خنادق في ست محافظات كوردية تركية وإعلان إدارة ذاتية هناك ( ليس بعيدا عن رأي الدولة التركية العميقة ). دمرت المدن الكوردية وخسرت ه د ب واحد مليون صوت في الإنتخابات اللاحقة، وتم سجن رئيس الحزب دميرتاش وإلغاء رؤساء البلديات، وكانت مرة أخرى خسارة فظيعة للكورد. في سورية حاول الـ ب ك ك بفتح جبهة من كوردستان سورية ضد تركيا وتحالفت مع النظام، وقمعت المعارضة الكوردية الاصيلة، واسس لها كانتونات ( بموافقة النظام وإيران )، وبعدها تحالفوا مع أمريكا منقلبين على النظام وإعلان فيدرالية شمال شرق سورية، وحولوها إلى شمال شرق بعد إلغاء مصطلح روزآفا، وكانت النتيجة ثلاث عمليات عسكرية تركية، الأولى في جرابلس والباب والثانية في عفرين والثالثة في رأس العين وكري سبي. تقطعت أوصال كوردستان سورية واحتلت نصفها، وتم تهجير حوالى مليون كوردي من مناطقهم.
الآن وبعد تجديد الصراع الروسي الأوكراني ووقوف تركيا ضد روسيا تتحرك الإدارة الذاتية وبأوامر من الـ ب ك ك وتشجيع روسي بإدخال قضيتنا مرة أخرى في صراع خاسر ومهلك».
يردف آزيزي: «في النهاية، دخولنا في أي حرب أو صراع عنفي ليس لصالحنا، علينا كـ المجلس الوطني الكوردي تأمين أجواء لترتيب البيت الكوردي السوري، وإزالة التوتر بين الأنكسة والإدارة الذاتية، واستغلال الوجود الأمريكي لتوقيع إتفاق يلتزم الطرفان الكورديان ببنود الإتفاقية، من أجل لجم التوجهات القاتلة والخاطئة من الـ ب ك ك من خلال الـ ب ي د واستخدامها لكورستان سورية لمصالحها الحزبية الضيقة.
وعلى الأنكسة والـ ب ي ن ك، إيجاد حالة من التوازن للمصالح الروسية والأمريكية في سورية، وكذلك إيجاد توازن بين المصلحة القومية الكوردية السورية والمصلحة الوطنية السورية، بأن نكون قوة ضاغطة لتأمين حقوقنا في أي ترتيب جديد قادم في سورية. وعلى الذين يحرّضون على تشجيع التوتر بين الأنكسة والـ ب ي ن ك مقتنعين بأنهم ضد الـ ب ك ك ومسمياتها لإرضاء طرف آخر، نقول لهم بصراحة الـ ب ك ك وذلك الطرف هم في إتفاق مسبق لإنهاء القضية الكوردية. علينا جميعا أن نفكر كيف يمكن ان ننقذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من كوردستان سورية».

ترابط وتقاطع بين مصالح الأمريكية والروسية
تحدث السياسي، شكري شيخاني لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «الصراع الدائر حاليا على حدود أوكرانيا مع الاتحاد الروسي ليس وليد هذه الأيام بل هو يمتد إلى أكثر من ثماني سنوات، ومنطقة دونباس في جنوب شرقي أوكرانيا تشهد نزاعا مسلحا عنيفا بين القوات الحكومية وميليشيات محلية مدعومة من روسيا. والآن، وقد يكون قد ترافق مع دخول الجيش الروسي إلى الأراضي السورية أيلول 2015 بحجة مكافحة الإرهاب، بينما الحقائق والوقائع على الأرض تقول غير ذلك، ولكن في الآونة الأخيرة تصاعدة الأحداث وازدادت حدة بعد إعتراف الاتحاد الروسي بإستقلال مدينتي دونيستك ولوغانسك زيادة في الإزعاج والإحراج لكل من أوروبا وأوكرانيا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية. تحذر دولا غربية من أن موسكو تخطط ربما لغزو وشيك لأوكرانيا، قد يحصل في أي لحظة. ويتم طرح كل الأسئلة البديهية: هل ستشرع روسيا في الهجوم؟ نقول نعم وقد بدأتها روسيا. ويبدو أن الرئيس فلاديمير بوتين مصر على الحرب مهما كانت النتائج، والموقف الأوروبي لازال ضعيفاً أو بالأحرى جباناً، وإذا لم تستطع الدبلوماسية تحقيق السلام فإن المنطقة متوجهة لصدام مسلح كبير. والجهات الإعلامية في الطرفين الأمريكي والروسي كلاً منهما يتجاهل تصريحات الآخر، ومع هذا لا نستطيع أن نعلم ما يدور في ذهن الرئيس بوتين. وهناك سؤال آخر: كيف سنعرف أن الحرب قد بدأت؟ كل ما نعرفه أن الدبابات تتحرك، والصواريخ تنطلق والآن تعبر الدبابات الروسية المحتشدة على الحدود بين البلدين، أو يستهدف وابل من الصواريخ أو الغارات الجوية مواقع أوكرانية. بالتأكيد سيكون ذلك بمثابة تصعيد دراماتيكي للأزمة وندخل مرحلة جديدة من الصراع».
يتابع شيخاني: «حسب السؤال، هل هناك ترابط في الصراعين السوري والأوكراني؟ بطريقة أو بأخرى هناك ترابط وتقاطع مصالح وخاصة بين الروس والأمريكان، وينطبق ذلك على الصراع في كوسوفو وأوكرانيا كما هو الحال في سوريا وليبيا. ولأوروبا وبقية الدول فتات الموائد عما يفيض من العملاقين الكبيرين بايدن وبوتين، وقد يكون خيالاً خصباً أقرب إلى سيناريوهات الأفلام إذا ما ربطنا بين الصراعات في هذه المنطقة على أن تخرج روسيا من سوريا ولها الحق أن تبتلع أوكرانيا وجمهورياتها المحدثة ليلة أمس. بل وقد نشهد وداعاً حميمياً لجماعة رفاق حميمم والجلاء عن أرض سوريا وشكرا على المساعدة، ولكن يبقى ذلك محض خيال، وهذا ما يشبع النهم الإعلامي، ومع كل ذلك فلازالت الأحداث تتسارع وتيرتها بين أوكرانيا وروسيا، والتي أساسها صراع حول المصالح والسياسات، فبينما تراقب روسيا بحذر وقلق ما يقوم به القادة الأوكرانيون فيما يتعلق بتوجهاتهم الحالية والمستقبلية تجاه العلاقة مع أوروبا وولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك مسألة إنضمام أوكرانيا إلى الناتو، تنظر أوكرانيا بقلق شديد حول ضم شبه جزيرة القرم لروسيا وفقاً لاستفتاء مارس 2014، التي كانت جزءاً من أراضيها قبل ذلك، كذلك الصراع الدائر في دونباس، ولوهانسك، وهما منطقتان من أراضيها أعلنتا انفصالهما عنها، وقد تم إعلان تشكيل جمهورية دونباس واستقلالها، وتتهم أوكرانيا روسيا بدعم المتمردين فيهما».
يضيف شيخاني: «في مجمل الحروب وما يتلوها من حوارات ومفاوضات هي بالتأكيد ينتج عنها تجارب وخبرات تفيد الدول الأخرى، وفي مثل الحالة السورية ولكون الاتحاد الروسي شريك بأكثر من موضوع إقليمي ودولي بما فيها سوريا فموضوع الاستفادة وارد تماماً، وقد أخذنا العبر في 1999 وحرب الكوسوفو، ورأينا كيف يتم الكيل بأكثر من مكيال نظراً للمصالح القومية العليا لكل بلد، ومثلما قيل بأن سوريا ليست كوسوفو. فإن أوكرانيا ليست سوريا ولكن تبقى المفاوضات وطريقة معالجة هذه القضية في سبيل إيجاد حلول للمسألة السورية والتي استعصت الحل بمرور 12 سنة ويزيد. وكلما اشتد الخلاف والتنازع ما بين الاتحاد الاوروبي وأمريكا من طرف والاتحاد الروسي بالطرف الآخر فأنني أرى ضوءاً في نفق هذا الصراع، ضوءاً قد يكون شرارة الحل في سوريا. وبالمقابل أيضاً ستكون لهذا الحرب إذا ما استعرت بشكل أكبر ستكون لها نتائج اقتصادية وخيمة على العالم. لأن التوغل الروسي العميق في أوكرانيا والعقوبات الغربية التي تحد من الصادرات الروسية ستمثل أسوأ سيناريو عالمى، كما يمكنها أن تحرم الأسواق العالمية من نصيب الأسد من إمدادات القمح لكلا البلدين، وتعرف أوكرانيا باسم سلة الخبز فى أوروبا، وهى مسؤولة عن 10% من صادرات القمح فى العالم، كما تصل صادرات القمح الوفير فى أوكرانيا إلى دول شمال أفريقيا. وبنظرة سريعة إلى تقرير أندرى سيزوف، العضو المنتدب لشركة SovEcon، وهي شركة أبحاث روسية تركز على أسواق الحبوب في البحر الأسود، قال إن الأضرار التي قد تحيق بالبنية التحتية الزراعية فى أوكرانيا قد تؤدى إلى إرتفاع الأسعار بنسبة تتراوح بين 10% و20%. ويستفيد المشترون في الشرق الأوسط من الطريق البحري القصير عبر مضيق البوسفور، وسيتعين عليهم دفع المزيد في تكاليف الشحن لجلب القمح من الولايات المتحدة أو أستراليا. وهنا تكمن الكوارث الحقيقية من هكذا حروب وتكون الضحة دائما هي الشعوب. بينما نجد مفتعلي الحروب كـ دول وشركات تزداد ثراءً وغنى».

أوكرانيا وسوريا ضحيتا صراع بازارات أمريكية روسية
تحدث عضو الهيئة الادارية لتيار شباب الكورد، عبدالوهاب خليل لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بعد ان حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها ظهرت نتائج تلك الحرب بشكل واضح وكانت لها إفرازات، والسبب في بروز تحوّلات وتغيرات جذرية في صورة توزيع القوى على المستوى العالمي، فقد خرجت الدول الأوروبية "أقطاب النظام القديم ـ دول المحور ودول الحلفاء" من الحرب العالمية الثانية منهكة، إقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، ومن ثم تراجعت مواقعها في سلم تدرج القوى الدولية، بينما ظهر قطبان عالميان جديدان، هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وقد أصبحا في ظل الوضع الجديد، هما وحدهما القادران على تقرير صورة النظام الدولي كله، بما يملكانه من قدرات فائقة. وهكذا تحول النسق الدولي إلى صورته، التي راحت تعرف بالنظام الدولي ثنائي القطبية. كان للخلاف المذهبي بين القطبين أثره البالغ في تعميق حجم الخلاف بينهما، وفي ظهور متغير جديد لعب دوراً مرموقاً في الصراع الدولي، ألا وهو العامل الأيديولوجي، فقد أدى ذلك الخلاف المذهبي إلى انقسام دول العالم المتقدم إلى كتلتين رئيسيتين: الكتلة الغربية "الرأسمالية" وتتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ورائها دول غرب أوروبا وكندا واليابان، وكتلة الاتحاد السوفياتي، ويلجأ كل من القطبين في صراعه مع الآخر على أرض العالم الثالث، إلى الوسائل غير المباشرة، تجنباً للإحتكاك المسلح المباشر بينهما. ومن أمثلة تلك الوسائل: الدبلوماسية والدعاية الاقتصادية، وإقامة الأحلاف، ودعم نظم الحكم الموالية، والعمل على إسقاط نظم الحكم المعادية. كل ذلك نتج عنه ما أُطلق عليه "الحرب الباردة". وما حرب كوريا ومعضلة فيتنام ومحرقة كوبا قديما والحرب الأهلية اللبنانية واجتياح الخليج وصولاً إلى سوريا وأوكرانيا مؤخراً ماهي إلا تداعيات لحرب الأقطاب والمعسكرات، والتي دوما ما يتم الوصول إلى حلول متعلقة بأي ملف ساخن على حساب ملف آخر شاهدة لنفس الصراع، والأمثلة التاريخية كثيرة وكفيلة لإثبات ما تم سرده، من خلال اسقاطنا لهذا النسق على أرض الواقع ومن خلال المتابعة الدقيقة والتحليل الاستراتيجي للملف الأوكراني نلاحظ وجود هذا الصراع بالإضافة إلى وجود لاعبين وشعوب تدفع ثمن هذا الصراع دوما ».
يتابع خليل: « نعم تتجه الأنظار جميعها نحو كييف، وهل ستكون للحرب طبولها؟ أم سيكون هناك دوماً تسوية بين ألهة الأرض. لا شك بأن هذا العالم له من يديره ومن يتحكم فيه، ودوماً الصراع ما يكون بين القوة التي تملك العتاد والإقتصاد والعسكر، وجرت العادة أن تكون ساحات هذه المعارك والحروب الاستنزافية الطويلة الأمد هي أوطان وبلدان قابعة في نير العبودية. كان للاتحاد السوفياتي الدور الأبرز والأكبر في مواجهة الحلف الغربي، ومحاولته تقسيم أدوار القيادة والتوجيه، وإن عدنا بالصراع إلى ما قبل ذلك فهو صراع الاشتراكية والرأسمالية. صراعٌ بين مفاهيم ومصطلحات أفرزت الكثير من التغييرات في بلدان عدة كالفيتنام وافغانستان وسوريا وحالياً أوكرانيا، حيث تتجلى محاولات الغرب وحلفهم في استقطاب وجر أوكرانيا إلى معسكرها، وتشكيلها للمخاطر الدائمة على تخوم روسيا، وبذلك يصل الخطر الأمريكي إلى ديار الروس، ليصبح هاجساً مخيفاً ومحرضاً لدول أخرى بالسير نحو ما تسير إليها أوكرانيا. وظهر هذا جلياً من خلال الحرب الإعلامية والتخويفية التي مارسها الإعلام الغربي بالإضافة إلى الإتصالات والزيارات الدبلوماسية والتي خلقت جواً من الرعب وكأن الذي يفصلنا عن الحرب هي ساعات بل لحظات. والغاية هي الإيقاع بالروس في حربٍ ستكون لها آثارها السلبية على الروس قبل أن تكون على غيرهم من خراب ودمار، وبالتالي الإنهيار الإقتصادي وما يرافق ذلك من حالات استغلال واستثمار الأوجاع في حرب القوى الكبيرة. وهذا ما يدركه الروس جيداً ولن تخوض روسيا هذه الحرب العبثية، وستحاول استثمار هذا الملف في بازارات سياسية في بلدان وأراضي أخرى كسوريا مثلاً. وبالتالي هي حرب قديمة حديثة وسيحاول الروس الخروج منها بتكاليف قليلة وأرباح ضخمة، ولو كانت على حساب شعوب مستعبدة أخرى، وهذا ما يتوافق مع الضمير الأمريكي، ومن خلال التصريحات الأخيرة للقادة الروس نستخلص بأن المرحلة المقبلة ستكون لها تداعيات على الأرض، وذلك من خلال محاولة الروس تقسيم ما يمكن تقسيمه هناك، ليعمل الجانب الآخر أي الحلف الأمريكي إلى فرض شروطه في الملف السوري، لتبقى الشعوب والبلدان خاضعة
لإرادة هذه القوى ومتماشية مع سياساتها. مما ينبغي للسلطات اللاعبة على الأرض أن تعمل على كسب واستثمار هذه الملفات لصالح أجنداتها على الأرض، وأن تدرك جيدا السياسة والمعادلة الدولية وتقوم برسم سياستها بما يتماشى مع هذا الواقع لإدارة الأزمة، والبقاء ضمن اللعبة الدولية لتجنب إنكسارات أخرى ».

وأخيرا:
ما يحصل هي بازارات سياسية بين الكبيرين أمريكا وروسيا، ليست سوريا فقط بل كافة البقع في العالم تكون داخل هذه البازارات، ولا يدفع ضريبة هذه الصراعات سوى الشعوب كما دفع الشعب السوري الضريبة غالياً والآن الشعب الأوكراني تدفع هذه الضريبة، كل ذلك فقط لإرضاء الكبار.