المرأة (بين الحضور والغياب) في الحركة السياسية الكردية في سوريا قلة المشاركة السياسية للمرأة الكردية في سوريا وأسبابها

المرأة (بين الحضور والغياب) في الحركة السياسية الكردية في سوريا         قلة  المشاركة السياسية للمرأة الكردية في سوريا وأسبابها

شمس عنتر

في بدايات تأسيس الأحزاب السياسية الكردية في سوريا لم تنتسب إليها النساء بشكل رسمي حيث كانت الأحزاب تخلو تماما من الوجوه الأنثوية، رغم حضورهن الخجول في الظل، ضمن الأسرة الواحدة، وخاصة بصفة الزوجة التي كانت تدعم زوجها من خارج الحزب، فما هي الموانع والمعوّقات التي كبحت مشاركتهن.
أولى هذه العراقيل هي العادات والتقاليد التي كانت بمثابة القوانين والأعراف التي تنظم المجتمع وتضع ضوابطه وبنفس الوقت تحدد حقوق وواجبات المرأة، فكانت هي الفيصل في الحكم على المرأة بملازمة البيت.
ثانياً: غياب الوعي والضعف المعرفي والعلمي وارتفاع نسبة الأمية بين الإناث التي كادت أن تكون مئة بالمئة، والأمية كانت سببا جوهريا في الإنغلاق والإنكفاء والإنطواء حيث أسهمت في منع الإنفتاح على الثقافات الأخرى، وهذا بدوره منع إنتشار الأفكار التقدمية والتحررية بين النساء.
ثالثا: خصوصية المرأة التي كانت تفرض عليها أن تكون رمزاً للعفة والشرف، وهنا ظهرت مسألة في غاية الأهمية وهي الخوف من الاعتقال، وبالتالي تعرّضها للإهانة، بمعنى انتهاك شرفها وشرف العائلة، هذا الرعب الذي خلقه النظام القمعي الاستبدادي العنصري كان أحد تجلياته إقصاء المرأة عن الحياة السياسية.
رابعاً: لم يكن الفكر الذكوري وهيمنته على المجتمع الكردي يكتفي بالنظرة الدونية للمرأة فقط، بل كان يمارس سطوته بتغييبها وتجريدها من حقها في المشاركة السياسية، إذ السلطة الذكورية اقتضت انتزاع هذا الحق منها، مشاركة، فقد ساد مفهوم أن السياسة للرجال فقط.
وهكذا عندما انتسبت النساء إلى الأحزاب الكردية كان هدفهن الدفاع عن الحقوق القومية ولم يكن من أهدافهن الدفاع عن الحقوق الإجتماعية والخصوصية الأنثوية، بينما كان الحراك النسوي في هذا المجال قد بدأ منذ عقود في بلدان أخرى.
هذه رؤوس أقلام فقط للمعوقات الخارجية والتي تتضمن السياسية منها والإجتماعية والاقتصادية والدينية وحتى الإعلام ومناهج التدريس وغيرها، إذ نسمع كل يوم عن هذه المعوقات من خلال كافة وسائل الإعلام، وفي الندوات والمحاضرات. ولكني اليوم آثرت التطرق إلى المعوقات الداخلية. تلك المرتبطة بالمرأة نفسها، فالضحية ليست بريئة من دمها غالباً. وهذه النقاط فيها من القساوة الكثير على المرأة ولكننا يجب أن نخرجها من دائرة الضحايا إلى دائرة الفاعلين. فطبيعة تفكير المرأة نفسها يجعل ملف مشاركتها للحياة السياسية ملفاً متشعباً ومتداخلاً إلى حد التعقيد. وقلة الوعي السياسي لديها وعدم ثقتها بنفسها وتدني مستوى الطموح لديها، والخوف وعدم الثقة بامرأة تمثلها. فنراها لا تعطي صوتها للمرأة وهذا ناتج عن قلة وعي بأهمية من يمثلها، ومن تنوب عنها، وهي لا تجيد أهمية التعامل مع قضية المشاركة السياسية للمرأة كقضية مجتمع!!!. إنما تنظر إليها على إنها قضية فئوية أو حتى نوع من الرفاهية. وبالتالي تكون فاقدة لأي استراتيجية خاصة بها لتكون قادرة على تحويل قضايا المرأة إلى قضايا تهم كل النساء بل تهم كل المجتمع.
وكذلك ضعف الثقافة المدنية السياسية وعدم إيلاء المشاركة الإهتمام الذي تستحقه،لأنها لا تعي مدى أهمية المشاركة لها وللجميع.
في البحث عن المقترحات حول معالجة السلبيات وتجاوز الموانع والكوابح: في البداية أود الإشارة إلى أن مشاركة المرأة في الهيئة القيادية للأحزاب الكردية السورية ما زالت إلى اليوم لا تلبي الطموح، ولكننا نرى بوادر المشاركة على أرض الواقع. وذلك لأسباب نذكر منها. الانفجار الإعلامي الهائل، تطوّر الوعي المجتمعي، إرتفاع ملحوظ في نسبة الشهادات العليا، سهولة الحصول على المعرفة والثقافة، الإحتكاك بالخارج والتجارب النسوية في العالم، إنتشار الأفكار التقدمية والمشاركة، تخفيف وطأة الفكر الديني الرجعي وأسباب أخرى.
فكيف حدث هذا وما هو المطلوب لتكون المشاركة أوسع واشمل؟، بعض الأحزاب عملت على تغيير وتطوير برامجها السياسية بحيث أقرت بالمساواة بين الجنسين وبعضها عملت على ممارسة التمييز الإيجابي لصالح النساء وذلك بتطبيق نظام الكوتا. وكان للعمل المشترك بين المنظمات النسائية والأحزاب اليسارية والديمقراطية والعمالية والمنظمات الحقوقية المدافعة عن المساواة أثرها الإيجابي، وكذلك تركيز المنظمات النسائية على زيادة وعي المرأة بأهمية المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والنضال للوصول إلى مركز صناعة القرار والتوعية الشاملة للمجتمع من أجل تقديم الدعم المعنوي لها. والعمل على دعم النساء المرشحات لمناصب عليا مثل البرلمانات وغيرها مادياً ومعنوياً وإعلامياً والعمل على تدريب النساء من أجل الحصول على المهارات الانتخابية والسياسية. ولا ننسى التحرر الإقتصادي للمرأة لدوره الكبير والمعزز للمشاركة السياسية. واستقلال المنظمات النسوية عن التبعية للأحزاب غير الداعمة للتحرر المرأة.
عدم إنفصال قضية المرأة عن المجتمع على أنه أمر يخص المرأة فقط، بل جعله يخص كل المجتمع، ومساواة حقوق المرأة المعيلة بالرجل المعيل على مستوى الحقوق المدنية المختلفة.
والاهتمام بتأهيل المرأة لأدوار قيادية في المجتمع إلى جانب الرجل عن طريق إكتساب المهارات الحياتية والمهنية في شتى المجالات. وكذلك إشراك النساء بمبادرات السلام والسلم الوطني.
العمل على زيادة حركات المرأة على نطاق عالمي مما سيؤدي إلى زيادة الوعي بإمكاناتها السياسية. ونلاحظ التجربة لبعض الأحزاب تؤكد إن مردود المشاركة النسائية إيجابي داخل الأحزاب لأنها انشغلت بترقية المرأة سياسياً، استجابة لمطلب الإنسجام مع التحولات المتعددة التي شهدها مجتمعنا. ومن المهم مساعدة مؤسسات المجتمع المدني للقيام بإحصائيات لأجراء مسوح ودراسات ترصد واقع المرأة، ومحاربة العادات والتقاليد والأعراف التي تحمل تمييزا ضد المرأة والتي تكون في كثير من الأحيان أقوى من القانون نفسه.
وهذا يقع على عاتق المنظمات النسائية وكافة منظمات المجتمع المدني بنشر الوعي عن أهمية الإتفاقيات الدولية والعمل على تبسيطها وشرح المعقد منها حتى يسهل تداولها من قبل النساء. وإعداد ونشر الدراسات حول أثر العنف على المشاركة السياسية للمرأة وإيصال هذه الدراسات إلى الجهات المعنية. وتوعية المرأة حول ضرورة كسر جدار الصمت المطبق حول العنف الممارس ضدها، واستخدام وسائل الإعلام المختصة للكشف عن ظاهرة العنف المسلط على المرأة وتقديم صورة جديدة مختلفة عن الصور السائدة في الإعلام التي تكرس دونية المرأة.
وإعداد مدربين ومدربات حول طريقة التعامل مع قضايا العنف والمشاركة السياسية. وعلى مكاتب المرأة في الأحزاب طبع ملخصات عن الإتفاقيات التي صدرت عن الأمم المتحدة بخصوص تحرر النساء مثل اتفاقية سيداو، ونشرها على أكبر عدد ممكن من النساء والقيام بعقد ندوات ولقاءات ومحاضرات عنها لأهميتها. ومن المهم إدراك أهمية تنمية القيادة في سن مبكرة، وخاصة في تعزيز الإعتقاد لدى الفتيات الصغيرات بأنهن يتمتعن بالحق في شغل المناصب في المجال السياسي. في السياق التاريخي كان الحزب الشيوعي السباق في تنظيم النساء بشكل فاعل رغم أن المسؤولين كانوا لا يحبذون مشاركة أهل بيتهم في البداية. من النساء الكرديات الأوائل اللواتي انتسبن للحزب الشيوعي سينم جكرخوين وبروين رشيد كرد وجيهان قجو وشمسي خان حسين والتي كانت نشيطة في رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة في عام ١٩٦٩، ثم دخلت النساء حزب الديمقراطي الكوردستاني بشكل خجول. كانت الأوائل: كلسن هسام، فضيلة ملا احمد شوزي، فاطمة شرنخي
ومن ثم حزب التقدمي: كانت وزيرة تيلو وكُل بري ملا نامي وليلى حسن. وأول امرأة كانت في اللجنة المركزية افين خليل.
ومن ثم حزب الوحدة وتابعتهم بقية الأحزاب المتشظية عن بعضها وأصبحت تهتم بمكاتب المرأة فتسند إليها إدارة النشاطات المتعلقة بها فقط ولم يتم إعدادهنّ لتكنّ في مركز صناعة القرار السياسي إنما فقط لإعطاء الشكل الديمقراطي لأحزابهم.
بل بالعكس فقد رأينا مؤخرا أن المجلس الوطني الكردي قد طالب خلال المفاوضات مع أحزب الوحدة الوطنية الكردية بإزالة نظام الرئاسة المشتركة من مؤسسات الإدارة الذاتية وكان هذا مطلب ضد إرادة النساء في الحراك السياسي.
أما حزب الاتحاد الديمقراطي الذي طبق مبدأ القيادة المشتركة لكل مؤسساته وهذا كان إنتصارا لقضية المشاركة السياسية للمرأة. وكذلك تيار المستقبل الكردي، كانت القياديات زاهيدة رشكيلو، روفند تمي ونارين متيني فيما بعد. وحاليا نرى فصلة يوسف سكرتيرة حزب الوحدة الديمقراطي الكردستاني. هدى شيخ موس نائبة سكرتير حزب الاتحاد الوطني الحر. نسرين جتو عضو اللجنة السياسية في حزب يكيتي الكردستاني. وهناك أربع نساء قياديات في الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، ديا جوان- هيام محمد- بريخان داوود- بسه عبدي...وغيرهن الكثيرات، فقد ذكرت عينة صغيرة فقط والواقع أن عددهن كبير وقد اثبتن وجودهن في الحراك السياسي،
لكن بمقارنة صغيرة عددية وفي موقع القرار في أحزاب المجلس الوطني فعددهنّ قليل جدا.
نتأمل أن تتقدم النساء في الحياة السياسية بشكل فاعل أكثر وتكن نشيطات في مطبخ القرار السياسي دوما.