في ضوء خطاب البارزاني يوم الصلاة الوطني
آزاد وادي
من مشيخة بارزان إلى حاضر كوردستان: ثقافة التعايش السلمي التي نحتاجها في سوريا
في زمن تتلاطم فيه أمواج الطائفية والتطرف، تظلُّ هناك نماذج إنسانية تذكّرنا بأن جوهر الدين ليس التنازع بل التفاهم، وأن الغاية من الإيمان ليست التعصب بل التراحم. ومن بين هذه النماذج المضيئة، تبرز العائلة البارزانية كرمز حيّ لثقافة السلام والتسامح والتعايش، ثقافة لم تولد من فراغ، بل تشكّلت عبر تاريخ نضالي طويل، ممتد من المشيخة البارزانية ممثلة بالشيخ عبد السلام والشيخ أحمد، مروراً بالملا مصطفى البارزاني، وصولاً إلى الزعيم مسعود بارزاني والرئيس نيجيرفان بارزاني.
في «يوم الصلاة الوطني» الذي أُقيم مؤخراً في أربيل، جاءت كلمة الزعيم مسعود بارزاني لتحمل أكثر من مجرد خطاب، بل كانت إعلاناً واضحاً أن التعايش السلمي ليس خياراً سياسياً ظرفياً، بل عقيدة متجذّرة في الوجدان الكردي. وأكّد أن إقليم كردستان سيبقى أرضاً يتفيّأ فيها كل من يؤمن بالحرية والكرامة، بغض النظر عن دينه أو قوميته أو مذهبه.
وقد استوقفتني بشدّة عبارته المستلهمة من مولانا جلال الدين الرومي:
«الحق كقمة جبل، وهناك العديد من الطرق لبلوغ القمة، لكن الهدف واحد، وهو بلوغ الحق.»
كلمات تختصر جوهر الرسالات السماوية والفلسفات الإنسانية: أن الطرق إلى الله والحق متعدّدة، لكن الهدف واحد، وهو الخير والسلام. لا يصحّ أن نحارب بعضنا من أجل الطريق، ما دمنا نسعى جميعاً إلى نفس القمة.
أما الرئيس نيجيرفان بارزاني، فقد عبّر في كلمته عن الإصرار على أن تبقى كوردستان منارة للتعايش، ليس بالكلمات فقط، بل بالممارسة اليومية. لم تكن رسالته مجرد موقف سياسي، بل كانت ترجمة حقيقية لإيمان عميق بأن المجتمع المتنوع يمكنه أن يكون أقوى وأجمل، حين يتأسس على قبول الآخر لا إلغائه.
وأنا أستمعُ إلى هذه الكلمات، لم أستطع إلا أن أُسقطها على واقعنا السوري، الممزّق بصراعاتٍ طائفيةٍ ودينيةٍ لا تنتهي. في سوريا، تحوّل الدين من نورٍ للهداية إلى وقودٍ للفتنة، وتحولت الطوائف إلى خنادق، والمذاهب إلى جبهات. لقد تاهت القيم التي جمعتنا، وانتصرت الكراهية على التفاهم، والغضب على الحكمة.
هنا، تحديداً، يبرز النموذج البارزاني كمصدر إلهام. عائلة لم تؤمن بالثأر، بل بالعدالة. لم تركن إلى العنف، بل راهنت على الحوار. لم ترَ في اختلاف العقائد تهديداً، بل فرصة للتكامل. هذه الثقافة ليست وليدة اللحظة، بل سليل تراث المشيخة البارزانية، حيث ظلّ الإنسان هو القيمة العليا، قبل الدين، وقبل القومية.
لقد قدّمت العائلة البارزانية درساً عملياً في أن بناء الأوطان لا يكون بالسلاح فقط، بل بالحكمة، وبالقدرة على احتضان المختلف، وبالإيمان بأن النصر الحقيقي لا يتحقق بإقصاء الآخر، بل بالعيش معه بسلام.
كم نحتاج في سوريا اليوم إلى هذا النموذج!!
كم نحتاج أن نرى الآخر بعين المحبة، لا بعين الشبهة!
كم نحتاج إلى أن نعيد اكتشاف جوهر ديننا، لا أن نُحاصر في قشوره!!
ولأن الكلمات الصادقة تخرج من القلب، فقد شعرت أن رسائل الزعيم مسعود بارزاني والرئيس نيجيرفان بارزاني لم تكن موجهة فقط إلى أبناء كوردستان، بل إلينا نحن السوريين أيضاً... كأنها تنادينا:
«عودوا إلى إنسانيتكم، لا تسمحوا للكراهية أن تسرق وجوهكم، ولا للطائفية أن تمحو ملامح وطنكم»
نعم، سوريا لا تحتاج زعيماً جديداً فقط...
بل تحتاج قلباً كقلب البارزاني.
قلباً اختار أن يكون صوته صوت العقل لا الانتقام،
قلباً آمن أن السلام ليس ضعفاً، بل قمة الشجاعة،
قلباً يعلّمنا أن الوطن الحقيقي هو الذي يتسع للجميع.
فلنصغِ لهذا الصوت لعله يُعيد ترتيب قلوبنا قبل خرائطنا.