الرؤية الفلسفية للقضية الكوردية في سوريا بعد سقوط بشار الأسد

الرؤية الفلسفية للقضية الكوردية في سوريا بعد سقوط بشار الأسد

حسين محمد

القضية الكوردية في سوريا ليست مجرّد مسألة سياسية أو حقوقية، بل هي قضية هوية ووجود، تمتد جذورها إلى تاريخ طويل من الصراعات القومية، وسياسات الإنكار، ومحاولات الاندماج القسري. ومع سقوط نظام بشار الأسد، ستبرز هذه القضية كأحد التحديات الأساسية في إعادة تشكيل الدولة السورية، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول العدالة، المواطنة، والهوية الوطنية.
من منظور فلسفي، يتطلب التعامل مع هذه القضية رؤية تتجاوز الحلول التقليدية القائمة على القومية الضيقة، نحو نموذج أكثر عدالة وشمولًا. ويمكننا الاستعانة بالفكر السياسي والفلسفي لاستكشاف الخيارات الممكنة لمستقبل الكورد في سوريا، من خلال مناقشة مفاهيم الدولة القومية، المواطنة، العدالة، والهوية في السياق الكوردي السوري.
1- الدولة القومية والتعددية: هل يمكن تحقيق العدالة القومية؟
يرتبط مفهوم الدولة القومية الحديثة بفكرة السيادة والهوية الوطنية الموحدة، وهو نموذج تبنته الدولة السورية منذ استقلالها. ومع ذلك، فإن هذا النموذج أثبت محدوديته في المجتمعات متعددة القوميات، حيث تم إقصاء الكورد وغيرهم من الأقليات من المشاركة الفعلية في تشكيل الهوية الوطنية.
من منظور فلسفي، يُعد جون رولز أحد أبرز المنظرين لفكرة العدالة السياسية، حيث يرى أن أي نظام سياسي يجب أن يقوم على مبدأ “العدالة كإنصاف”، مما يعني ضمان الحقوق الأساسية لجميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية
وتواجه سوريا تحديًا في إعادة بناء الدولة على أسس جديدة. فهل ستكون دولة مركزية موحدة أم لامركزية؟ هل ستعترف بالهوية الكوردية كجزء من النسيج الوطني أم ستواصل سياسات الإنكار؟ هنا، يمكننا النظر في نماذج مختلفة من الحكم:
1- النموذج المركزي: وهو استمرار للدولة القومية التقليدية، حيث تبقى السلطة بيد حكومة مركزية قوية. هذا النموذج قد يواجه معارضة كردية، لأنه يعيد إنتاج السياسات السابقة التي حرمت الكورد من حقوقهم الثقافية والسياسية.
2- النموذج الفيدرالي: يمنح الكورد حكمًا ذاتيًا ضمن الدولة السورية، وهو نموذج قد يكون أكثر توافقًا مع مبادئ العدالة السياسية، كما طرحها رولز.
3- النموذج الكونفدرالي: يسمح بدرجة أكبر من الاستقلال، لكنه قد يواجه تحديات سياسية داخلية وإقليمية.

الفلسفة السياسية الحديثة تميل إلى دعم النماذج اللامركزية التي تعترف بالتعددية القومية، لأن الدولة القومية الصلبة لم تعد قادرة على احتواء التنوّع دون اللجوء إلى العنف.

2- الهوية الكوردية بين الاعتراف والاندماج
وفقًا للفيلسوف تشارلز تايلور، فإن المجتمعات متعددة القوميات تحتاج إلى “سياسة الاعتراف”، والتي تعني أن الاعتراف بهوية مجموعة معينة هو جزء أساسي من تحقيق العدالة الاجتماعية. إنكار الهوية الكوردية في سوريا أدى إلى قمع سياسي وثقافي طويل، لذلك فإن أي حل مستقبلي يجب أن يعترف بهذه الهوية كجزء مشروع من النسيج الوطني.
لكن الاعتراف لا يعني الانفصال بالضرورة، بل يمكن أن يكون في إطار نموذج تعددي يسمح للكورد بالحفاظ على ثقافتهم ولغتهم، مع بقائهم جزءًا من الدولة السورية. المشكلة هنا أن الدولة السورية، كما صممها النظام البعثي، قامت على أساس القومية العربية، مما يعني أن إعادة بناء الهوية الوطنية ستتطلب مراجعة جذرية لمفهوم المواطنة.

في هذا السياق، يمكن أن نستفيد من فلسفة “المواطنة المتساوية”، كما طرحها يورغن هابرماس، والتي ترى أن الانتماء إلى الدولة يجب أن يكون قائمًا على الحقوق والواجبات، وليس على الانتماء العرقي أو القومي. وهذا يعني أنه في سوريا ما بعد الأسد، يجب إعادة تعريف المواطنة بحيث تشمل الكورد وغيرهم من الأقليات على قدم المساواة مع العرب.

3- الفلسفة الأخلاقية للصراع: هل الانفصال حل أخلاقي؟
من منظور الفلسفة الأخلاقية، يطرح السؤال التالي نفسه: هل من حق الكورد في سوريا المطالبة بالاستقلال الكامل، أم أن ذلك يتعارض مع مبادئ الوحدة الوطنية؟
جون ستيوارت ميل، في كتابه «عن الحرية» يرى أن تقرير المصير هو حق أساسي لأي جماعة قومية، لكنه يجب أن يكون متوازنًا مع المصلحة العامة. إذا كانت الدولة السورية قادرة على استيعاب الكورد ضمن إطار ديمقراطي عادل، فإن الانفصال قد لا يكون الخيار الأخلاقي الأفضل. لكن إذا استمر القمع، فقد يكون الاستقلال مبررًا.