الواقع السوري السياسي
فرهاد شاهين
إن سقوط النظام كان متوقعا من إفلاسه الكامل لكن ما حدث في سوريا من تغيير كان بمثابة صدمة للجميع من ناحية السرعة والطريقة والشكل والبديل.
ولهذا الأمر كثرت التوقعات أنه كان بمثابة اتفاق دولي إقليمي غير مكشوف المعالم والمقاصد وبقي رهن التكهنات من خلال القراءة الاستراتيجية لمصالح الدول المشتركة بالاتفاق والخطوات التي تتبع ذلك كنتيجة للصراع على سوريا.
إذن نحن محكومون شئنا أم أبينا بما يتمخّض عليه الصراع على سوريا والاصطفاف الجديد للقوى السياسية ولا يعفينا ذلك من الغوص لتلمس المصلحة الوطنية لنا كسوريين موزعين على مكونات مذهبية وعرقية ومنقسمين على أنفسنا...
هذا الواقع الجديد فرض نفسه على الجميع وأول ما أحدث وسيُحدث هو عملية فرز داخل المكوّنات جميعها بما فيها مكون السلطة الديني ومكون السلطة العسكري نسبة لاتجاه الذهاب إلى الدولة وشكل الدولة وطبيعتها.
وكل الخطوات التي تمت من قبل سلطة الأمر الواقع من مؤتمر الحوار، إلى الإعلان الدستوري، إلى تشكيل مجلس الإفتاء، إلى تشكيل الحكومة بوجهين وجه مدني ووجه إسلامي، إلى ما حدث من تناقض في السلوك تجاه أحداث الساحل السوري...
تشير على أنها تضع قدماً في البور وقدماً في الفلاحة أي هي بحالة تنازع وشدّ بين عقلية الدولة وعقلية الفصائل المسلحة، بين بناء الدولة المدنية والإمارة الإسلامية.
هذا كله يشير بوجود صراع خفي سيخرج إلى العلن تحت الضغط المحلي والإقليمي والدولي بين من يريد الذهاب إلى بناء دولة تأخذ باللامركزية السياسية وبين من يريد أن يبقى في الجهاد الإسلامي ليبقى ما يسمى الدولة الإسلامية...المركزية
اللعبة خطيرة جدا ودونها دماء إما بين أبناء الصف الواحد أو بينها وبين المكونات الأخرى، فحين يقول الرئيس أنه لم يذهب إلى المحاصصة في تشكيل الحكومة بل إلى الشراكة لا يقصد فقط محاصصة القوى السياسية القائمة بفعل الأمر الواقع من كرد ودروز وعلويين يطلبون كقوى سياسية ورجال دين أن يسمّوا هم وزرائهم في الحكومة كممثلين لهم، ولا يقبلون بتسمية أي شخص من الطائفة وزيرا، وهنا الخلاف وليس على العدد، بل أن هذه الحالة تشمل فصائل عسكرية من الفصائل الإسلامية تطلب تسمية ممثلين عنها كالجيش الوطني السوري وجيش سوريا الحرة وبقية الفصائل التي لم تذعن لحلها.
فالوزراء الإسلاميون محسوبون على الرئيس كأشخاص مخلصين له وليس على كامل الفصائل وهذا أيضا يشكل لغما قابلا للتفجير في أي وقت في الساحة الإسلامية المهيمنة عليها تلك الفصائل...
وكما بدأ الفرز في الساحة الإسلامية أيضا بدأ الفرز في كل المكونات بين تيار شوفيني يأخذ بالنظام المركزي وتيار وطني سياسي يريد تطبيق اللامركزية السياسية في الدستور.
ما يحدد مستقبل سوريا القريب والبعيد هو غلبة التيار المدني الوطني الوحدوي في كل المكونات بما فيهم المكون السني الأكبر لصالح الدولة الجامعة دولة الحداثة والقانون، أي تيار اللامركزية السياسية. أما من يتبنى تيار الأخذ بالنظام المركزي بالدستور فهو يعمل باتجاه التقسيم وهذا سيأخذ البلد إلى مستقبل مبهم غامض
وإن كلفة الصراع من أجل سوريا دولة مدنية ديمقراطية موحدة هو تبني نظام اللامركزية السياسية من النظام المركزي.
ما يحسم القصة هو ذهاب السلطة إلى الانفتاح على شراكة كاملة في الجيش الوطني وقوى الأمن العام لكل المكونات العسكرية كمرحلة أولى ضامنة للجميع وحامية للدولة ضد كل من يتربص بها...
إن الشراكة الكاملة مع من يريد سوريا موحدة على أساس دستور مدني ديمقراطي جامع تتحقق بالانفتاح على الحوار مع القوى السياسية والعسكرية الأخرى والأخذ بعين الاعتبار التخوّفات الموجودة لديها، وذلك لايكون إلا بتبني نظام الامركزية السياسيةفي الدستور، بل هو خطوة إيجابية يفرضها الواقع المنقسم الموروث...
لم يعد ينفع التصويب على الماضي، ومنه ماضي الرئيس، كأنه يصوّب خلفه، ولن يصيبه، لأنه بخطواته سبقهم، ولأن كل الذين اشتركوا في هذا السيناريو من الدول يعرفون ماضي الرئيس وماضي الجميع، والتصويب المفيد يكون على من يريد أن يبقى في الماضي أو يفرض هذا الماضي على الآخرين...
ينفعنا جميعا هو الانفتاح والتشارك والتوحد خلف برنامج مدني ديمقراطي وطني موحد نخوض به غمار الصراع السلمي الفكري الثقافي السياسي من أجل دولة القانون والحداثة وأن نظل ممسكين بفضاء الحرية...
لنعلم أننا كلنا على حوامل طائفية ومذهبية سياسية، أي قبائل سياسية لا تمت للحضارة تقودها منظومة ثقافية تقوم على الخوف من الآخر وكره الآخر واقصاء الآخر، ولن تنتج دولةحرة ومدنية.
الحل الوحيد يتم بالتوافق بين كافة مكونات سوريا على تبني نظام الامركزية السياسية.
وإلا سوريا مقبلة على عصور مليئة بالكوارث