الديمقراطية بين الشعارات والتطبيق
خالد بهلوي
بعد زوال المنظومة الاشتراكية وظهور المعسكر الغربي كقطب وحيد في العالم، تغيرت الكثير من المفاهيم والأفكار لأحزاب كانت تتبنى نهج الاشتراكية العلمية فتخلّت عن شعاراتها الاشتراكية ورفعت شعار الديمقراطية كسبيل لحل جميع قضاياها القومية والطبقية والاجتماعية والاقتصادية.
الديمقراطية قديمة تاريخيًا، فقد مورست بأشكال متعددة وفي ظروف مختلفة، وكان الجميع يطالبُ بها، لكن وفق مصلحته؛ فعندما يحتاج إليها لتحقيق مكاسب معينة يرفع شعارها، وحين يصل إلى السلطة، ويمسك بمقاليد الحكم، يتحوّل إلى ديكتاتور للحفاظ على مصالحه وامتيازاته.
فعندما قامت ثورة أكتوبر، أعلنت دكتاتورية البروليتاريا، لأن مصلحة العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين كانت تقتضي ذلك. أما في البلدان العربية، تبنت الديمقراطية لكن وفق مصلحة الطبقة الحاكمة ترسخ ذلك بالهيمنة الأمنية على جميع مفاصل الحياة.
إحدى أدوات الأنظمة الشمولية أو الملكية تحارب القوى المعارضة لنظامها بإتباع سياسة الفقر والتجويع، حتى لا يفكّر المواطن إلا في قوته اليومي، ويصبح لديه الأولوية هو القضاء على الجوع قبل التفكير في الديمقراطية والحرية.
1-المخططات الأميركية والهيمنة
إن المخططات الأمريكية الرامية إلى الهيمنة الاقتصادية ونهب خيرات الشعوب، وعلى رأسها النفط، وفتح أسواق لتصريف بضائعها ومنتجاتها الصناعية وأسلحتها التقليدية، دفعتها إلى احتلال أفغانستان، ثم العراق، تحت ذريعة إقامة أنظمة ديمقراطية وتحرير الشعوب من الطغاة. رغم عدوانية هذه السياسة، فإن لها وجهًا آخر يتمثل في دفع الشعوب المسحوقة في العالم العربي نحو إقامة أنظمة ديمقراطية، لكن بشرط عدم المساس بالمصالح الأميركية وحلفائها.
مع ذلك، فقد أسهمت هذه الضغوط الخارجية في تعزيز بعض مظاهر الديمقراطية. ففي ظل نظام صدام حسين البائد، لم يكن بالإمكان معارضة أي قرار صادر عن الحاكم أو مناقشته، أما بعد سقوط النظام، فقد ظهرت قوى سياسية ودينية وقومية، وتشكلت أحزاب لها مكاتب وصحف علنية، وشاركت في وضع دستور للبلاد.
2- الماركسية والإصلاح
ترى الماركسية أن الإصلاح مجرد خدعة برجوازية لا تحقق سوى مكاسب محدودة للطبقات الحاكمة. ويؤكد لينين أن الإصلاح يُبقي الطبقة المستغِلة في السلطة، مما يكرّس السيطرة الطبقية التي لن تزول إلا بالتغيير الجذري، أي عبر الثورة.
أما في البلدان العربية، فعلى قوى اليسار أن تتضامن وتتبنى برامج مشتركة واقعية، مستفيدة من المنتديات الثقافية والظروف الدولية، وخلق حالة من الحوار المستمر، وعقد مؤتمرات وطنية يتم فيها الاتفاق على النقاط الأساسية لخدمة الشعب الكادح والمظلوم، بعيدًا عن أي تدخل خارجي حتى لا يوثر سلبًا على النضال الوطني.
لكن الأنظمة الحاكمة تستمر في فرض قبضتها الأمنية، ومنع أي نقاش أو اجتماعات في المنتديات، حتى تظل تحت سيطرتها حفاظًا على مكاسبها، مستندة إلى الأحكام العرفية وحالة الطوارئ المفروضة كالسيف على رقاب كل من يجرؤ على المعارضة أو إبداء رأي يخالف السلطة.
3- الديمقراطية والإصلاحات السياسية
كلما اتسعت الديمقراطية، زادت فرص الإصلاحات السياسية، بعكس ما تردّده بعض الأنظمة من أن الديمقراطية تؤدي إلى الفوضى والانفلات الأمني. فتلك الأنظمة تخشى أن تؤدي المظاهرات والإضرابات إلى اعتصامات مدنية، وصولًا إلى إقامة نظام ديمقراطي حقيقي وإجراء إصلاحات سياسية تمنح الشعب دورًا أكبر في صنع القرار.
الديمقراطية تتيح كشف التزوير والتلاعب في الانتخابات التشريعية، مما يسمح بانتخاب برلمانات حقيقية تعبر عن مصالح الشعوب، وخاصة الفقراء والكادحين.
4- الإصلاح السياسي في العالم العربي
يبدو الإصلاح السياسي في العالم العربي، وخاصة في بعض الأنظمة الملكية، شبه مستحيل. وكما قال أحدهم: "القادة العرب لا يذهبون إلا بالقبر أو القهر". فهذه الأنظمة لا تمنح هامشًا حقيقيًا من الحرية، لأن ذلك يتعارض مع مصالحها وامتيازاتها. الحكم في أغلبها وراثي، وأي إصلاح يتمّ فرضه عليها نتيجة ضغوط دولية أو داخلية، مثل تنامي الوعي السياسي ووجود منظمات حقوق الإنسان وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
رغم نداءات المنظمات الدولية، لا تزال الفوارق الطبقية تتسع، وتواصل الأسر الحاكمة قمعها لنضال شعوبها، فيما يزداد الحكام ثراءً ويودعون أموالهم في البنوك الأجنبية، بينما تحرم شعوبهم من ثرواتها.
الديمقراطية الغائبة في سوريا
عانى السوريون من نظام شمولي مستبد حيث أخمدت عملياً نشاطات كل القوى السياسية، وأُسكتت الأصوات الحرة. بما ان سوريا دخلت مرحلة جديدة لا بد من السير خطوات نحو الديمقراطية وذلك بتأسيس عقد اجتماعي جديد يضمن حقوق جميع مكونات الشعب - تبدأ بتشكيل حكومة انتقالية تعمل على صياغة دستور جديد يؤسس لنظام ديمقراطي، يضمن التعددية الحزبية، وحرية الإعلام، واستقلال القضاء، وإعادة
بناء الثقة من جديد بين مكونات الشعب لضمان مشاركة الجميع في الحياة السياسية دون خوف أو تهميش. رغم هذه التحديات، فإن الجيل السوري الجديد يمثل بارقة أمل، كونه كبر مع الأحداث تعلم من تجارب الشعوب الأخرى. أصبح أكثر معرفه بمفاهيم الحرية- وحقوق الإنسان- والمساءلة، وأكثر تطلعًا وقدرة على بناء نظام ديمقراطي يحقق الكرامة والعدالة نحو مستقبل أكثر إشراقا وتنوعا لكل مكونات الشعب.
إن نجاح الديمقراطية يتطلب إرادة سياسية صادقة، ودعمًا شعبيًا واعيًا، ومساندة إقليمية ودولية تراعي مصالح الشعب السوري لا مصالحها الضيقة من الأهمية يجتمع السوريون على رؤية مشتركة لوطن موحد ومستقبل يليق بتضحياتهم.